الرجل الذي ازاحني جانبا، وتقدم هو أمامي؛ تطلعتُ إلى ملامحه، كان وجهه بنظرة عرّاف، ذات حدّة هائلة، أنف أقنى،حواجب كثّة غير مشذبة، وجنتان غائرتان غير حليقتين، فم عريض، شفتان رقيقتان، شعر رمادي كثيف مشعث.
نُقـشتْ هذه الملامح في ذاكرتي، وهو يساوم بائع الطيور.. انحنى بكامل جسده
في مستوى الصندوق الخشبي الواطئ، الذي تحوط جنباته ثقوب في شكل دائرة، لتهوية الطيور، وعلى سقفه امتدت شبكة بعيون صغيرة الحجم، والطيور تفدفد بأجنحتها متطلعة للطيران،علبة السردين المملوءة بالماء عفرها بقايا ريش وذراق، وحبات الزؤان المنثورة.. نفح الرجل البائع دون مساومة تذكر،ثمن الصندوق، فتطلعتُ إلى أمنيتي، الطائر ذو المنقار الطويل، والمسطاج الشديد السواد ورمز الفحولة.
نهض الرجل من قعدته، وهو يحمل الصندوق الخشبي فوق رأسه، وخرق جموع الأطفال، وسار إلى أن وقف فوق رابية، وجعل يده اليمنى المشّعرة، تزيح بعنف الشبكة الغطاء، حتى تحوّلت السماء على اثرها إلى زقزقة بألوان زاهية، يطغى عليها اللون الأصفر.
الملامح التى نَبشتها ذاكرتي الآن، هي التي يصفها" موريس نادو، " لصامويل بيكيت.
حين أغلقتُ دفتي الكتاب،حطّ طائر فوق إطار نافذة شقتي، تطلع إليّ بعنق طويل وعينان براقتان، ومنقار طويل تحوف بجنباته شُعيرات شديدة السواد.