منتدى ابن امسيك للثقافة
انت غير مسجل
تفضل بالدخول او التسجيل معنا
منتدى ابن امسيك للثقافة
انت غير مسجل
تفضل بالدخول او التسجيل معنا
منتدى ابن امسيك للثقافة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى ابن امسيك للثقافة

منتدى ابن امسيك للثقافة يرحب بكم
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  عبقرية الظل محمد اكويندي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد اكويندي
عضو فعال
عضو فعال
محمد اكويندي


عدد الرسائل : 93
الحالة : قاص مغربي
نقاط : 32968
تاريخ التسجيل : 20/11/2006

	عبقرية الظل  محمد اكويندي Empty
مُساهمةموضوع: عبقرية الظل محمد اكويندي   	عبقرية الظل  محمد اكويندي Emptyالثلاثاء مايو 07, 2013 11:10 am

1. عبقرية الظل
محمد اكويندي




أقلعتْ بنا الطائرة. ما أن ارتفعت ، عاليا، حتى وقع منها ظل هائل.

الظل رسم على الأرض صليبا كبيرا، جدا، حين استوت في ارتفاعها، فوق السحاب، تنفستُ الصعداء، ثم
استويتُ في جلستي، فحررتُ نفسي من حزام السلامة ، استرخيتُ ، ألقيت نظرة من نافذتي ، لعليّ أنعمُ مرّة أخرى برؤية الصليب / الظل.

لكن الأرض قد خلتْ منه، فخاب أملي، ثم حولتُ بصري نحو السماء، وكانت خيبتي أكبر لما تعذرت عليّ الرؤية.

راودتني مرةً ثانية رغبة قوية في الإستفسارأكثر من جاري الذي تخلص بدوره من حزام السلامة، وفضل القراءة بدل وضع السماعات على أذنيه والإنصات إلى الموسيقى ، كما فعل اغلب ركاب الطائرة.

في رحلة لا يدوم زمنها ، زمن قراءة كتاب في حجم مؤلف (الآلام) للويس ماسينيون .

رحلة أُقدرُ زمنها برغبة الرجل الجالس ازائي في قراءة كتابه، أما رغبتي التي تؤرقني في مصير هذه الرحلة فهي :

- تلك الرؤية التي أعادتني إلى زمن الحلاج ، عند قراءتي للظل، الذي وقع أمامه ، وهو مار في إحدى زقاق مدينة البيضا ، حين رفع رأسه إلى صاحب الظل، وقع نظره على امرأة جميلة. عندئذ استدار نحو مريده وقال له :

( إن الأذى الذي سببتهُ بنظرتي سيصيبني، مهما طال انتظار ذلك.)

ونظرتي أنا، المفاجئة، لرمز الألم والعذاب، هل سيلحقنا عنها أذى أثناء هذه الرحلة ؟ أم هي هواجس الخوف من ركوب الطائرة ؟ صحيح أن راكبها يعتبر مفقودا و النازل منها مولودا.

دفعت بكتفي الأيمن أكثر حتى حادَى كتف جاري وهمستُ في أذنه :

- مطار شارل ديكول، أو، أورلي.؟

- لا باراخاس مدريد.

بدافع الفضول كنت مجبرا على عرض آرائي حول ما سيقرؤه في كتابه، أو ربما، ما قرأه في قراءته الأولى.. وبادرته بالقول ، يبدو أن ألم الإنسان واحد.

حدجني بنظرة بين مباغت وساخر،ثم رفع الكتاب في وجهي قائلا:هذا صليبي الذي أتأبطه في رحيلي وتر حالي. ثم أردف كلامه ، هل تعرف يا عزيزي ، إننا في هذا الوجود مجرد ظلال للمسيح.

كانت عينا المسيح مثبتتين في عيني، وإيماءة ملامحه ترتاب في كوني قد قرأت هذا المصنف، أو عندي أدنى فكرة على مصير الحلاج.

- أتقصد أنه كان ظلا للمسيح.

- بالتأكيد ، إنه صورة ..

- أوافقك على أن هذه الصورة عن المسيح هي التي كانت أكبر تأثيرا عليه، في بداية رسالته.

- بل كان يؤمن أن قيمة التصوف تكمن في الألم.

- لكن،يبقى المسيح رمز الألم الأكبر، وإذا سلمنا بأطروحتك فللألم وجهان:

- كيف ذلك .؟

عم الطائرة ظلام مفاجئ ، وانكتمت الأنفاس، وتقلصت أجساد الركاب، ثم ساد َ صمتٌ مريب.
فجأة، تلاه صوت المضيفة المطمئن ، يطمئن المسافرين.

إننا نجتاز ترددا لضباب كثيف ، وظلال غيوم ملبدة.

للتو، أنارت مصابيح جانبية صغيرة جوف الطائرة، وعلى رغم خفوت إنارتها عكست ظلالا للكتفين وبدا كأنهما جبلان بينهما فج ترجع فيه صدى الأصوات البعيدة.

ضم المسيح يديه فوق صدره، و هو يحتج ضاحكا ويعتقد انه مجبر على التفسير.

- أتريد أن تعرف الوجه الأول من الألم ، أم الوجه الثاني .؟

- أفضل الاثنين معا.

- أوه، يجب أولا،الأخذ بالاعتبار طريقة التألم وليس الألم، الذي له وجهان كما سلف، عندما يكون الإنسان سعيدا، ليس من المؤكد أبدا انه سيتمكن من الانفصال عن السعادة لكي يتفرغ بالكامل لشكر الله. بينما يتيح الألم، إمكانية أن يرضخ المتألم بشكل كامل لهذا الشكر.
أعرف أنك تود مزيدا من التفسير ؟ فأجيبك، بأخذ التأمل في شخصية أيوب، إنها على أهمية فائقة.

- ها أنت تضاعف من الظلال، يا رفيقي، وإن كنت على يقين أن الحلاج كان يردد بأن الألم وطن سعادته.

- طبعا ، ولهذا فالصليب هو الأداة التي ستحقق له أقصى حالة الألم، وعليه كان يردد اللهم اقتلني على دين الصليب.

- كان يقصد أنه من يعيش بلا ظل يصلب.

ومضت في ذهني صورة الظل الهائل الذي خلفته الطائرة على أرض مطار محمد الخامس، بعد إقلاعها.

جاستْ يد المسيح ظهر غلاف الكتاب، ِوسادة المقعد اللينة الملمس، انزلقت في بطء إلى الأسفل، ينظر بإعجاب إلى يده في شرود بادٍ ، اختلج فمه ، وهو يهمس في أذني:

ـ إننا دفعنا ثمن التخيل المحض.

ـ لقد دفعته لوحدك، لأنك جعلت من ظل المسيح نفسه يهبط ويرافق رحلتنا الجوية.

يلوح الصمت متراميا مثل الأرض الشاسعة لمطار باراخاس الدولي،حيث تردد صدى أصوات بعيدة. حادت بنا الطائرة الى المدرج رقم ـ 3 ـ وأخذت في التوقف التدريجي رويدا ..رويدا.

بدا صديقي المنافح على الحلاج, بمعطف طويل ,كأنه غارق في جبة صوفية،، غارق في تأملاته
أمام منحوتات برونزية معروضة في بهو مطار مدريد .. مدريد التي لايمكن لأحد التنبؤ بجوها ومناخها المتقلب , بأمطاره الطوفانية ,المفاجئة , التي تعيق نظام الرحلات الجوية والبرية حتى .
لاشك , أنه سيعزو ذلك إلى عقاب ,لنظرته العرضية للصليب , الذي خلفتة الطائرة على أرضية المطار هناك , كما هو حال من تقمص دوره ,حين قارن بين النظرتين , العرضيتين.
ظل الجزء الأعظم من المنحوتات محجوبا في الظل ,بفضل سواد الإكسيد الذي علا برونزها , بدا فوقها كأنه خمار أسود شفاف, يبرز مفاتنها , وانحناءاتها ,وثناياها, ونتواء تها , التي ازدادت بفضله رونقا وجمالا, جذابا ,ربما ,هو السحر الأخاد الذي استحوذ على لب حلاجنا , وتركه غارقا في تأملاته المنبهرة . وإن كان يمارس بذلك . طقوسا وثنية . بشكل خاص ، دون أن يفطن بذلك.
بغتة ، سيخرج من تأمله ، الذي هو في حد ذاته ، سحر الظل الساحر، بعد ذلك ، سيتجه مبتعدا ،عن التماثيل ، إلي جهة السبورة الإلكترونية ، ليفاجأ بعقوبة نظرتة لظل الصليب ، بعدم
استذناف الرحلة اليوم ، إلى الغد ، وذلك لرداءة الجو.
عقوبة تصرخ في وجهه ، بمصابيح ، تنطفئ وتشتعل ، في هدوء ، يتماشى وايقاع خطواته البطيئة ، المتجهة نحوي ، تماما .
عند باب المغادرة ، الدوار بزجاجه الشفيف ، حد التماهي ، بعدم وجوده ، اهديته منديلا أبيض
مطرز بغرزة حمراء تجسد الصليب. عربون محبة ، وإخاء ، في طريق مغا درتي للمطار احس ارتعاشة يده تسري في جسدي بكامله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عبقرية الظل محمد اكويندي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الطوفان/ محمد اكويندي
» مــحــوُ الْــــظِّـــــــلِ/ محمد اكويندي
» الحمامةُ والسّاحر محمد اكويندي
» سرير الدهشة/ محمد اكويندي
» بورخس عاشقا /محمد اكويندي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى ابن امسيك للثقافة :: منتدى القصة و الرواية-
انتقل الى: