الحمامةُ والسّاحر محمد اكويندي
أنا الذي كنتُ ارتجفُ وقد تناثرَ عليّ ريش الحمامةِ، رأيتُ الصَّقْرَ الهائل كَشُعاعِ شَمْسٍ مَزْهُو يَلْمعُ فِي أُفقِ السّماءِ مُنْفلتاً صَوْبَ الجنوبِ.
بَدا المشهدُ ذاتَه يتكررُ أمامِي.. المشهدُ الذي سبقَ وَعِشته مِنْ قَبْلٍ ذاتَ يوْمٍ مِن الأيامِ؛ شهدتُ فيه حمامةً سقطتْ بَيْن أقْدَامِ حَارسِ السَّيارَاتِ العجوز فسقطت! وتَوافقَ ذلكَ مع تغيير ظِلالِ الظهيرةِ لنُور النَّهار، تٓلا تلك التوافقات المتسلسلة وقوفَ رجل مارّ يحمل بيده اليُسرى مِظلة ملمومة، وباليُمنى كتابا سميكا، ثم وقف طفلان عائدان من المدرسة وإلى هنا الأمر لم يعد كونه حُلما، بل إنه الواقع الذي أعيشه ويتحكم في مصيري الآن كضربٍ من السّحرِ؛ لأنني سبق وأن عِشت هذا الحدث الذي اتفرج عليه الآن كإلهٍ خفي من زاويتي. يَتطلعُ العجوز إلى السماء فتلتقي نظراته بعيون الصقر الوامضة كالفسفور؛ الصقرُ الذي ينشر بَهْجهتَه في الأفقِ الرّحبِ.
تبرزُ الحمامةُ من جديدٍ عند مُقَدِّمة السيارة الرابضة جنب الطوِّار، يحاول العجوز الإمساكَ بها إلّا أنَّها تَنْفلِتُ منه، وتهربُ بنفسها إلى تحْتِ هَيْكلِ السيارة، مُخَلِفَةً وراءها خَطاً مُتعرجاً من الدَّمِ والفَزعِ. يحوم الطائرُ في الأعَالي حولَ جريمته؛ وكُلَّ التوافقات تَحْدُث وأنا أحْدسُ مُرورَ شاحنة الأزبال بزعيقِ زَمُورها فَتمر! ألْوي شَفَّتي السُّفلى مُتعجباً من هذا الذي يحدث.
لأنَّ كلَّ مرة تعاودني فيها رؤية هذه الأحداث، تحدث على تِلك الشَّاكِلَةِ تماماً.
مؤقتاً يُسمى ما يحدث لي في علم النفس" التوافقات" ويتوافق أنْ يجثوَ الحارسُ العجوزَ على رُكبتيه بَاحثاً عن الحمامةِ التِّي أفْزَعَها ظِّل قبعته.
تَسْمُقُ شمسَ الظَّهيرةِ صُحبة كافةِ النُّجومِ، ولئن كانَ للحمامةِ من مخبإ فإنها قد اختفت فيه نهائياً، أَسْقطَ في يد العجوز، فأخذ يطوف حول السيارة يسبقه ظله تتقدمه قبعته التي بالغتْ الشمس في رسمِ ظلها، وقتئذ هدأتْ محاولته الفاشلة فأسند ظهره إلى السيارة الرابضة هناك، تطلع إلى الحشد الذي ازداد أفراده يتفرجون عليه بفضولٍ زائد.. الحشد نفسه وهو يتوسطه طفلاً دون العاشرة من عمره والساحر يأمره بوضع الحمامة داخل القبعة ويغطيها بمنديل أحمر ثم يطلب منه أن يَنْفخَ ثلاثا..حين يكشف المنديل عن القبعة تختفي الحمامة تمامًا يَفْرِك عينيه لأكثر من مرة، ليستوي رجل عجوز يتوسط حشداً من الفضوليين.
الرُّعاش الذي عرّشَ في فؤادي انزاح بعيداً مع بروز الحمامة عند مُقدِّمة السيارة وهي تجر جناحها المَهيض.. الجناح الذي حما الأضلاع والقلب من الموتِ المختبئ في كلِّ شيئ؛ في انتظارِ تفسير علمي لهذه الظاهرةِ كنتُ أسرد كل ما حدثَ قبلَ حُدوثه للنادلِ فيحدث وأنا أطلُ بنصف وجهي مِنْ لوّحِ الزُّجَاجِ الصقيلِ أتفرجُ على ماحدث
وَإِنْ كُنت عِشْته وَقدْ حدث .