على الصعيد العربي:
ــــــــــــــــــــــ
[1] إدراك الآخرية العربية/المحلية لامكانية تعزيز فرص المناورة مع الآخرية الغربية، فهي تدري دورها جيداً، ومن ثم تستشعر الاحتقار الغربي لها! فنراها تُبادل الآخرية الغربية حذراً بحذر، وتعمد لتعزيز فرصها في المُزايدة والمناورة(16)! آلام الذات الفلسطينية أحد أهم المُغريات التى تمتلكها الآخرية العربية، في علاقتها مع الآخرية الغربية، فهي بضاعة تجد دائماً من يشتريها..
[2] إدراك الآخرية العربية/المحلية لامكانية توظيف واستثمار الوجود الدائم للآخرية اليهودية، في: 1ـ تبرير حرمان الذات العربية (خاصة الفلسطينية) من الفكر النقدي والتحررية، وبالتالي تكريس عجزها عن تعرية الآخرية العربية/المحلية وتجريدها من مكاسبها(17). 2ـ الدخول في شراكة (تجارة آلام) مُربحة وغير معلنة مع الآخرية اليهودية، ومن ذلك تورط نُسخ الآخرية العربية في تعميق آلام الذات العربية(18)! 3ـ تبرير مُُناهضة الآخرية العربية لحق شعوبنا في التعايش الآمن مع الذات اليهودية، فنُسخ الآخرية العربية لا تمل إيهام الذات العربية المُعذبة أن الذات اليهودية والآخر اليهودي وجهان لعملة واحدة(19)!
قارئي الكريم، تلك كانت أهم وأبرز العوامل المؤهلة للاتجار بالذات الفلسطينية، أردت بطرحها التمهيد لحديثي التالي عن مظاهر هذا الاتجار الآثم..
مظاهر الاتجار بالذات الفلسطينية:
بداية، وقبل البدء في رصد بعض مظاهر اتجار الآخر بالذات الفلسطينية، أقرر صراحة وبلا مواربة، قناعتى كأنسني، بعدم وجود فرق جوهري بين الآخرية الغربية واليهودية والعربية، وإن ظلت الأخيرة هي الأحقر والأكثر إثارة للقرف، لا لشيء، وانما لانتهاكها تقليداً حياتياً راسخاً، يتمثل في العُرف القاضي بوجوب احترام القرابة الحضارية والثقافية! فقد اصطُلح حياتياً ـ وهو ما نناهضه بطبيعة الحال كأنسنيين ـ على شيوع تفهم تآمر آخرية بعينها على أبناء حضارة بعينها، بيد أن الرفض والاحتقار كانا دائماً من نصيب الآخرية المحلية التى تعمد للتآمر على أبناء حضارتها وثقافتها! وهو ما قد يُفسر لنا تفهم الذات الغربية لسلوك الآخرية الغربية تجاهنا، واستمراء تلك الذات لدور الحسناء النائمة في الغابة(20)!
من هنا، أستخدم في هذه الجزئية، كلمة "الآخر" للاشارة لكافة نسخ الآخر، عربية كانت أم يهودية أم غربية أم...إلخ! فلا فرق في رؤيتي المُقترحة للفكر الأنسني بين آخر وآخر! الآخر اليهودي قد يفضل نظيره العربي، لسهولة تعريته، وإمكانية تنبيه الذات العربية المتخلفة لخطورته، دون أن تفزع ويُصيبها الدوار!
أولاً: أسرى الذات الفلسطينية في سجون الآخر: المُراقب لمأساة الاتجار بالذات الفلسطينية المُغتربة، يلاحظ تناثر أسراها في المعتقلات الاسرائيلية والفتحاوية والحمساوية ومعتقلات عربية أخرى، لا أملك عنها سوى أقوال مُرسلة!
لن أتطرق هنا للحديث عن أسرى الذات الفلسطينية الكسيرة في المعتقلات الاسرائيلية! فالآخرية العربية (خاصة الفلسطينية) تنهض بهذه المهمة ـ وربما تكون هذه حسنتها الوحيدة في حق الذات الفلسطينية ـ، لكون ذلك يصب في مصلحتها، ويساهم في خلط الأوراق وتضليل وارباك الذات العربية والفلسطينية!
ما يتجاهله الكثيرون، وأود أن ألفت الانتباه لدلالته المهمة وتداعياته الكارثية، هو أسرى الذات الفلسطينية في سجون الآخر الفلسطيني (الفتحاوي والحمساوي)! أذكر أنني تعجبت كثيراً، وكنت ساعتها أجاهد اغترابي، عندما قرأت حديثاً لإدوارد سعيد(21)، يؤكد فيه أنه ما إن دخل ياسر عرفات إلى غزة، حتى جاءت التقارير تؤكد أن خمسة أو ستة ـ إن لم يكن سبعة ـ أجهزة مخابراتية، لابد وأن بعضها على صلة بجهازي الشين بيت والموساد الإسرائيليين، يقدمون تقاريرهم إليه، وأن بعض المواطنين الفلسطينيين قد لقوا حتفهم أثناء التعذيب، وأنه تم إغلاق بعض الصحف، وأن معارضي عرفات يُضيق عليهم!
طبقاً لادوارد سعيد، أضاف اختيار عرفات للرجال الذين تم تعيينهم في مواقع السلطة الوطنية آنذاك، مزيداً من الملح إلى الجرح الفلسطيني. فالمسئول الأول عن الأمن والمخابرات، هو نفسه سفير المنظمة في تونس، والذي أصبح معلوماً لاحقاً أن مكاتبه ومقاراته هناك كانت مخترقة بواسطة جهاز المخابرات الإسرائيلية. والقائد العسكري لأريحا هو نفسه ذلك الرجل الذي قضت المحكمة العسكرية بإدانته بتهم الهروب من الميدان والجبن، وذلك عندما فر من جنوب لبنان إبان الغزو الإسرائيلي عام 1982. هذا في الوقت الذي توالت فيه الأنباء عن الفساد، وتكاثر النصابون القادمون من أنحاء العالم للاستفادة من هذا الأمر!
ثانياً: تورط الآخر في هدر دم الذات الفلسطينية: لن أتطرق هنا للحديث عن التطهير الدموي المنهجي الذى يمارسة الآخر اليهودي الآثم، بدم بارد، في حق الذات الفلسطينية، فالآخرية العربية (خاصة الفلسطينية) تنهض بهذه المهمة ـ وربما تكون هذه حسنتها الوحيدة في حق الذات الفلسطينية كما ذكرت آنفاً ـ.
سأكتفي بتوضيح مدى خطورة ممارسات الآخر العربي (الفلسطيني وغير الفلسطيني) في حق الذات الفلسطينية، وهو ما دأب الراحل ياسر عرفات ـ على الحديث عنه فقط عند تبرم نخبته الفلسطينية الفتحاوية، وتلاسنها العلني مع بقية النخب العربية الحاكمة ـ، ففي حديث له مع صحيفة الرأي العام الكويتية، إبان زيارته للكويت خلال الفترة من 23 ـ 25 / 4 / 1985، أنحى عرفات باللوم والتقريع على ممارسات النخب العربية الحاكمة تجاه نخبته وشعبه، بقوله(22):
"..بصراحة مشكلتنا مع بعض العرب ـ يقصد النخب العربية الحاكمة ـ أسوأ مما هي مع إسرائيل..ولقد خسرنا من خلال ضربات الأشقاء أضعاف مما خسرناه في مواجهتنا مع العدو الصهيوني..كم أتمنى أن يكون شعار تحرير فلسطين حقيقيا وليس سلعة للمناورة والتجارة. ألا يكفى أنهم يمنعوننا من الموت فوق أرضنا..وصرنا نعانى أسوأ مشكلة عرفها البشر في تاريخهم..الفلسطيني صار يفتش حتى عن قبر ليدفن فيه، وكم من جثمان ينتقل من بلد إلى آخر!!.. نعيش بلا أرض..وبلا قبر..أليست هي المأساة!!..أليست هي الكارثة، أن بعض الجنود العرب يحمى حدود العدو ويستميت بالدفاع عنها، أكثر من الجندي الإسرائيلي نفسه؟؟..حين تصبح الكرامة أهم من النظام، حين يصبح الحق المسلوب أهم من الكرسي، نكون قد بدأنا فعلاً في مسيرة تحرير فلسطين".
حديث عرفات كلمة حق أراد بها الرجل باطلاً! الحديث كلمة حق لأن هناك ما يعضد القول بمسئولية الآخرية العربية عن الاراقة المباشرة للدم الفلسطيني، ولنذكر معاً خطيئة الآخرية الأردنية في أيلول الأسود(23)! بيد أن كلمة عرفات لم تأت دفاعاً عن دم الذات الفسطينية، لعدم اتساقها مع ما عُرف به صاحبها من مُزايدة واستهانة بالدم الفلسطيني المُناهض لهيمنة نخبته الفتحاوية!
الطريف، هو أن النخبة الحمساوية، وقد نجحت يوماً في استمالة مواطنيها عبر تعريتها لاستهانة النخبة الفتحاوية بالدم الفلسطيني المُناهض لهيمنتها، لا تتورع اليوم عن اقتراف الخطيئة نفسها، في حق الدم الفلسطيني المُناهض لها!
ثالثاً: إحكام الآخر للحصار على الذات الفلسطينية: أبواق الآخرية العربية، خاصة في الدول العربية الملاصقة لفلسطين، دأبت على الصراخ والتباكي على الحصار والتجويع اليهودي الوحشي لاخوة لنا في أرض فلسطين!
حتى أن أجيالاً يُعتد بها من الساسة والاعلاميين والمفكرين والفنانين وغيرهم، بنوا ريادتهم وصيتهم على هذا التباكي! المدهش هو أن أبناء ثقافتنا العربية لم يساورهم الشك يوماً، في مصداقية هؤلاء الرواد وصرخاتهم! والأكثر إثارة للدهشة هو عدم تعرض مصداقية هؤلاء الرواد لاختبارات حقيقية، ربما بفضل الوجود اليهودي المباشر في فلسطين، ومحدودية الانفتاح المعلوماتي!
بيد أنه، ولسوء حظ النخب العربية القائمة (والتى تُشكل كما أسلفنا حجر الزاوية في هيكل الآخر العربي)، يختلف الأمر كثيراً في أيامنا هذه، فالتعتيم الاعلامي التقليدي الذى لطالما اكتوى أبناء ثقافتنا بناره، لم يعد خياراً مطروحاً!
تأكدت لى هذه القناعة بقوة، وأنا أشاهد على شاشة التليفزيون الوطني في بلادي، مقدمي البرامج وضيوفهم المُتعارف عليهم في مثل هذه المناسبات، يتلعثمون ويرتجلون، في سعيهم المضحك والمبك في الآن ذاته، لاقناعنا بسلامة موقف النخبة المصرية الحاكمة، في تعاطيها مع الحصار الخانق على غزة..
ما يهمنى هنا هو التاكيد على زيف دعاوي الخطاب المُعلن للآخرية المصرية! وليس لجاهل أن يظن أني أستثني النخبة الحاكمة في بلاده من حديثي، فالنخب الأردنية والسورية تقتل الفلسطيني أو تعتقله إن تسلل لحدودها!
حديثي عن تعاطي نخبة عربية بعينها مع الحصار الخانق على قطاع غزة، إنما يأتي فقط استجابة لشروع النخبة المصرية في بناء جدار فولاذي قاس وظالم، وكذا حرصها على استرضاء نخبة إسرائيلية، يُناط بها تأديب نسخ الآخر العربي إن هى تمردت! ولتعلم، قارئي الكريم، أن انخراط نسخ الآخر العربي في التمكين للحصار على غزة، يُعضد زعمنا باتجارها في الآلام الفلسطينية!
جفف المستنقع فلا يبقى هناك بعوض!
والآن، أما وقد انتهيت من تشريح مأساة الاتجار بالذات الفلسطينية، باعتبارها دليل إدانة لنا، نحن أجيال عصر الاستقلال السلبي، والذى تزامن ميلاده مع انتهاء الوجود الأوروبي المباشر في عالمنا العربي! أتمنى أن أكون قد أحرزت تقدماً، ولو ضئيلاً، على طريق لفت الانتباه لما أتصوره عاراً، ستُعيرنا به الأجيال القادمة، أقصد استقلالنا السلبي، والآخرية العربية، واغتراب الذات العربية ثقافياً!
"نحن شعوب متخلفة، وهنا يكمن خلاصنا!"، مقولة رائعة للراحل لينين، أراني أفدت منها كثيراً أنا كاتب هذه السطور! فلولا اغراق أمتى الكسيرة في التخلف، ما هُتك أمامي ستر الآخرية العربية/المحلية، ولظللت كغيري أضرب في تيه الاغتراب الثقافي على غير هدى! ولظللت جاهلاً بأبي العلاء وفرانز فانون وإقبال أحمد وإدوارد سعيد وغيرهم من رواد فكرنا الأنسني، في شتى الأنحاء..
أبهرني كثيراً وصف شابة كردية يانعة للحياة بأنها "وقفة عز!"، وأدركت مدى جناية الآخرية العربية/المحلية الآثمة على بناتنا، شكلاً ومضموناً! فالحفيدة في بلادي تتفوق كثيراً على جدتها في مناهضة الفكر النقدي والتجربة التحررية! وهو ما يشي، للأسف الشديد، بتواضع حظوظ الفكر الأنسني في ربوعنا الحائرة!
قارئي الكريم، إن الأعمال العظيمة في حياتنا، نحن معشر البشر، لا يمكن أن تُنجز إلا في أجواء تخضع لأحكام القيم الانسانية! لأنها إنما تتم بمعرفة أولئك الذين تتعرض حكمتهم دائماً لتحدي النقد! والوحدة التلقائية بين الأحرار، بشراً وأمماً، إنما تكون في النهاية أرسخ بنياناً من تشكيلات الضغط والارهاب ذات النسق الواحد. وعلى مر الأيام لا يمكن أن يكون ثمة حكمة دون أن تتهياً فرصة الخلاف في الرأي، أو تقدم دون تنوع، واختلاف أو عظمة دون اضطلاع بمسئولية الحياة. ولسوف يظل الأمل في الخلاص قائماً، مهما توحشت الآخرية..
بعوض الآخرية العربية/المحلية يسكن مستنقع الاغتراب الثقافي، فلنجففه!
الهوامش:
ــــــــــ
(1) لا يختلف مفهوم الحضارة عن نظيره الخاص بالثقافة كثيرا، فكلاهما يشير إلى طريقة حياة شعب معين، غير أن الحضارة هي الكيان الثقافي الأوسع، أو بمعنى آخر هي أعلى تجمع ثقافي من البشر وأعرض مستوى من الهوية الثقافية يمكن أن يميز الإنسان عن الأنواع الأخرى. وهى تعرف بكل من العناصر الموضوعية العامة مثل اللغة، والتاريخ، والدين، والعادات، والمؤسسات، والتحقق الذاتي للبشر. وهناك مستويات للهوية لدى البشر، فساكن القاهرة قد يعرف نفسه بدرجات مختلفة من الاتساع: مصري، عربي، مسلم. والحضارة التي ينتمي إليها هي أعرض مستوى من التعريف يمكن أن يعرف به نفسه، أي أنها "نحن" الكبرى التي نشعر ثقافيا بداخلها أننا في بيتنا، في مقابل "هم" عند الآخرين خارجنا. وقد تضم الحضارات عددا كبيرا من البشر مثل الحضارة الصينية، أو عددا قليلا مثل الكاريبي الأنجلوفوني. وعلى مدى التاريخ وجدت جماعات صغيرة كثيرة ذات ثقافات مائزة وتفتقر إلى معين ثقافي أوسع لهويتها. وكانت الفروق تتحدد حسب الحجم والأهمية بين الحضارات الرئيسية والفرعية أو بين الحضارات الرئيسية والحضارات الجهيضة. وطبقا لهنتنجتون تتمثل الحضارات الرئيسية المعاصرة في الصينية، واليابانية، والهندية، والإسلامية، والغربية، والروسية الأرثوذوكسية، والأمريكية اللاتينية، فضلا عن الأفريقية. إلا أن الباحثين وإن اتفقوا بشكل عام في تحديدهم للحضارات الرئيسية في التاريخ وتلك الموجودة في العالم الحديث، فإنهم غالبا ما يختلفون على إجمالي الحضارات التي وُجدت في التاريخ. لمزيد من المعلومات راجع: صامويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب، صدام الحضارات ـ إعادة صنع النظام العالمي، (القاهرة: سطور، 1998)، ص 67 ـ 80.
(2) المقصود بالفكر الأنسني هنا رؤيتي المقترحة له، وفيها لا تعني الأنسنية سوى أن يُحقق الإنسان، أي إنسان، بغض النظر عن الجنس أو اللون أو العرق أو الجنسية..إلخ، أكبر قدر ممكن من التطابق بين أقواله وأفعاله، شريطة انطواء تلك الأقوال والأفعال على تثمين لقول الأنسنية بالإنسان كأعلى قيمة في الوجود، وهدفها الماثل في التمحيص النقدي للأشياء بما هي نتاج للعمل البشري وللطاقات البشرية، تحسباً لسوء القراءة وسوء التأويل البشريين للماضي الجمعي كما للحاضر الجمعي. وكذا شريطة وقوعها في إطار الخصائص العامة للأنسنية والتى تتمثل فيما يلي: 1ـ معيار التقويم هو الإنسان. 2ـ الإشادة بالعقل ورد التطور إلى ثورته الدائمة. 3ـ تثمين الطبيعة والتعاطي المتحضر معها. 4ـ القول بأن التقدم إنما يتم بالإنسان نفسه. 5ـ تأكيد النزعة الحسية الجمالية. للمزيد راجع للكاتب: مقالات في الفكر الأنسني، كتاب منشور على الانترنت.
(*)من كتاب شيق وطريف لجاك ماريتان، نقله للعربية يوسف الخال: خواطر عن أميركا، (بيروت، دار مجلة شعر، 1958)، ص 153.
(3) أعنى بالاغتراب الثقافي تنازل الإنسان عن حقه الطبيعي في امتلاك ثقافة حرة ومتطورة، إراحة لذاته وإرضاء لمجتمعه! للتعرف على هذه الظاهرة راجع للكاتب: الاغتراب الثقافي للذات العربية، (القاهرة: دار العالم الثالث، 2006).
(4) في تثمينها لقدر الإنسان في الزود بشرف عن حرية عقله وقلبه، تذهب رؤيتي المُقترحة للفكر الأنسني إلى القول بأن تطور التاريخ الإنساني إنما يُعد نتاجاً لصراع طويل ومرير بين إنسان (ذات) لا يملك سوى حرية عقله وقلبه التي وهبه الخالق إياها، ليستعين بها على ترويض الحياة، وبين (آخر) يُصر على الاستئثار بالحرية، ليتسنى له العبث بمقدرات رفاق الحياة! فـ (الآخر)، في رؤيتي المُقترحة للفكر الأنسني، عادة ما يعمد إلى آليات بعينها لتكريس تنازل أخيه (الذات) عن حقه في نقد وتطوير ثقافته، أي طريقة حياته الشاملة، ليظل هذا الأخ المسكين (الذات) تابعاً ذليلاً طيلة مقامه في ضيافة الحياة، يستهلك فقط ما يجود عليه به عقل (الآخر)، حتى أنه بمرور الزمن، يفقد هذا التابع الذليل تماماً قدرته على النقد والتطوير ويُصبح مسخاً عاجزاً، لا يملك سوى الانتظار!
(5) معلومات هذه الجزئية مُستقاة من المرجع التالي: ادوارد سعيد وابراهيم أبو لغد وجانيت أبو لغد ومحمد حلاج وإيليا زريق، الواقع الفلسطيني ـ الماضي والحاضر والمستقبل، (القاهرة: دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، 1986).
(6) راجع نص خطاب بلفور: دائرة الثقافة بمنظمة التحرير الفلسطينية، وثائق فلسطين ـ مائتان وثمانون وثيقة مُختارة 1839ـ1987، (بدون بلد نشر: دائرة الثقافة بمنظمة التحرير الفلسطينية، 1987)، ص 92ـ93.
(7) راجع نص التوصية: نفس المرجع، ص 81ـ82.
(8) صامويل هنتنجتون، م.س.ذ، ص 338 – 339.
(9) راجع كتاب الاستعمار الجديد لسارتر: جان بول سارتر، ترجمة عايده وسهيل إدريس، الاستعمار الجديد، (بيروت: منشورات دار الآداب، 1964). وراجع أيضاً كتاب لعبة الأمم لمايلز كوبلاند، وهو أمريكي قضى القسم الأعظم من حياته العملية في منطقة الشرق الأوسط. شغل منصب نائب القنصل في سوريا، الا انه عاد إلى واشنطن في عام 1949 ليساعد في تنظيم وكالة المخابرات المركزية المريكية التى انشئت يومها. عمل مستشاراً أعلى لمؤسسة ضخمة مختصة في العلاقات الحكومية: مايلز كوبلاند، ترجمة مروان خير، لعبة الأمم ـ اللأخلاقية في سياسة القوة الأمريكية، (بيروت: الانترناشنال سنتر، بدون تاريخ).
(10) راجع حديث هيكل عن تسليح الآخرية الغربية للنخب الحاكمة في إسرائيل، واستخدامها هذه النخب في تخويف النخب العربية الحاكمة: محمد حسنين هيكل، نحن وأمريكا، (القاهرة: دار العصر الحديث، بدون تاريخ)، ص 39.
(11) راجع: برنارد لويس، ترجمة محمد محمود عمر، الساميون والمعادون للسامية ـ بحث في الصراع والكراهية، (بدون ناشر أو تاريخ ومكان النشر!).
(12) راجع مقالتي "الحضارة الغربية والبروميثية الغائبة"، وهي ضمن مجموعة المقالات الموجودة في كتاب: تهافت الآخر، المنشور على الانترنت.
(13) نقلاً عن المرجع التالي: برنارد لويس، م.س.ذ، 233 ـ 234.
(14) جيف هالبر، "اسرائيل: امتداد للامبراطورية الأمريكية"، في إسرائيل شاحاك وبيير تريستام وجيف هالبر، ترجمة مازن الحسيني، التنوير والأصولية، (رام الله ـ فلسطين: دار التنوير للنشر والترجمة والتوزيع، 2006)، ص 67ـ95.
(15) راجع على سبيل المثال: مئير كهانا، ترجمة غازي السعدي، شوكة في عيونكم، (عمان: دار الجليل للنشر، 1985).
(16) راجع هذا الكتاب المهم الذى يضم حصيلة بعض الحوادث والأحداث والمناقشات المهمة التي وقعت في أقل من شهرين بين نخبتين شهيرتين من النخب العربية حول قضايا فلسطينية، ابتدأت خلال الأسبوع الذى انعقد فيه مؤتمر رؤساء الحكومات العربية يوم 26 أيار 1965 في القاهرة: دار الأبحاث والنشر، مواقف الثوريين من قضايا فلسطين، (بيروت: دار الأبحاث والنشر، 1965).
(17) لنتذكر مثلاً الشعار المُغرض والمُضلل الذى رفعته النخبة المصرية الحاكمة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وهو: "لاصوت يعلو فوق صوت المعركة"! شعارات مُشابهة لابد وأنها تُستخدم حتى الآن من قبل النخبة السورية!
(18) راجع على سبيل المثال: محمد مورو وأيمن نور، من قتل سليمان خاطر، (القاهرة: مطبعة اخوان مورافتلي، 1986).
(19) لاحظ احتفاء الآخرية العربية بكتب من نوعية، بروتوكولات حكماء صهيون، والأساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية لجارودي، مع تجاهلها لكتابات إدوارد سعيد وفرانز فانون وإقبال أحمد وغيرهم من مناهضي الآخرية المحلية!
(20) العبارة مأخوذة من رائعة فرانز فانون: "معذبو الأرض".
(21) للمزيد راجع: إدوارد سعيد، "غزة ـ أريحا" سلام أمريكي، (القاهرة: دار المستقبل العربي، 1994).
(22) ياسر عرفات، أوراق سياسية ـ لقاءات ومقابلات صحفية مع الأخ أبو عمار، (الكويت: منظمة التحرير الفلسطينية، 1985)، ص 30 ـ 33.
(23) حول أيلول الأسود Black September , (Beirut: Palestine
Liberation Organization , Research Center , 1971) .