يحيي الشعب الفلسطيني في مثل هذه الأيام من كل عام، وفي جميع أماكن تواجده ذكرى يوم الأرض الخالد، ويجدد العهد للشهداء الذين هبّوا في مناطق الجليل والمثلث والنقب في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948 للدفاع عن أرضهم وكرامتهم، وتصدّوا ببسالة لقرارات الحكم العسكري بمصادرة آلاف الدونمات من أراضيه.
لقد كان يوم الأرض الشرارة الأولى في انبثاق فجر جديد من نضال وكفاح الشعب الفلسطيني في إطار معركة الدفاع عما تبقى من أراض عربية فلسطينية، بعد المصادرات الهائلة التي قام بها حكام "إسرائيل" غداة نكبة العام 1948.
ففي مثل هذه الأيام من عام 1976 أقدمت قوات الاحتلال "الإسرائيلي" في المناطق المحتلة عام 1948 على فتح النار على المتظاهرين الفلسطينيين في منطقة الجليل، الذين خرجوا في هبة شعبية عارمة ضد مصادرة الأراضي في منطقة الجليل وضد هدم القرى وعمليات الإبادة والتشريد بحق الشعب الفلسطيني المرابط فوق أرضه التاريخية المحتلة عام 1948، فقد قامت السلطات الصهيونية بمصادرة (21) ألف دونم تابعة لأراضي قرى عرابه، سخنين، ودير حنا، وعرب السواعدة، وغيرها لتخصيصها للمستوطنات الصهيونية في سباق مخطط تهويد الجليل تضاف إلى ملايين الدونمات في المثلث والجليل وكل المناطق الفلسطينية في العام 1948 تم الاستيلاء عليها بعد سلسلة مجازر مروعة نفذتها عصابات الهجاناه والجيش الصهيوني وعمليات الإبعاد القسري التي مورست بحق الفلسطينيين.
كان انبثاق الشرارة الأولى ليوم الأرض تتويجاً لمجهود كبير قام به الشعب الفلسطيني داخل حدود فلسطين المحتلة عام 1948، ورفضاً لمنطق القبول بالأمر الواقع الذي فرضه الاحتلال عام 1948، وتوج بسقوط ستة شهداء : خير ياسين، رجا أبو ريّا،، خضر خلايلة، خديجة شواهنة، محسن طه، رأفت الزهيري، حيث استطاعت الجماهير العربية الفلسطينية في الجليل والمناطق المحتلة الأخرى عام 1948 والملتفة حول قيادة مركزية تمثلت بلجنة الدفاع عن الأراضي من كسب المعركة ضد الاستيلاء على مزيد من أراضي الجليل وتهويد المنطقة كما كانت تنوي فعله الدوائر الصهيونية.
وتأتي ذكرى يوم الأرض الفلسطينية هذا العام، والعالم العربي تجتاحه رياح التغير نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وفي ظل حراك شعبي فلسطيني من اجل إنهاء الانقسام والتشرذم ما يؤكد ضرورة تعزيز هذا الحراك ودعمه من أجل إنهاء الانقسام وسحب الشرعية عن أية تبريرات له.
إن يوم الأرض الفلسطينية، ونهوض حركة الشعب الفلسطيني وصولاً للانتفاضتين الأولى والثانية، وبروز وحدة الشعب الفلسطيني بين الأرض المحتلة عام 1948 والأرض المحتلة عام 1967، أعاد استحضار القضية الفلسطينية بقوة وفعالية إلى جدول أعمال المجتمع الدولي، باعتبارها قضية تحرر وطني لشعب تحت الاحتلال، وهو مافتح الطريق أمام سلسلة طويلة من الاعترافات الدولية بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة، وحق اللاجئين منه في العودة إلى أرض وطنهم الأصلي في فلسطين.
وفي الواقع الحالي، ووفق المعطيات المنشورة من قبل المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني في رام الله، فان سلطات الاحتلال تسيطر عملياً على أكثر من (85%) من أرض فلسطين التاريخية والتي تقدر مساحتها بحوالي (27) ألف كيلومتر مربع، فيما يعيش فوقها حوالي (11,5) مليون نسمة مع بداية العام 2011، يشكل اليهود ما نسبته (49,4%) منهم، ويستغلون أكثر من (85%) من المساحة الكلية للأراضي، بينما لم يكن في حوزتهم سوى1682 كيلومتر مربع أيام الانتداب البريطاني لفلسطين، أي مانسبته (6,2%) من مساحة أرض فلسطين التاريخية. بينما تبلغ بالمقابل نسبة المواطنين الأصليين من أبناء البلاد من العرب الفلسطينيين بحدود (47,9%) موجودين على مساحة تقارب (15%) فقط من مساحة ارض فلسطين التاريخية، طبعاً ماعدا اللاجئين الفلسطينيين في الشتات الذين تنوف أعدادهم على خمسة ملايين نسمة. ومع سنوات النكبة الطويلة، وليلها المدلهم، فشل المشروع الصهيوني في إثبات مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وفي توليد النسيان عند أجيال الفلسطينيين التي ولدت وعاشت في المنافي، فالشعب الفلسطيني الذي أراد المشروع الصهيوني إلغاءه لم يثبت وجوده فقط، وإنما أثبت حيوية غير عادية، وقدرة هائلة على التحمل واشتقاق وسائل جديدة في الصمود والمقاومة، معيداً في كل مرة المشروع الصهيوني إلى المربع الأول من الصراع، مثبتاً أنه ليس مجموعة من "الهنود الحمر" ممن يمكن التخلص منهم كما حدث مع مآسي السكان الأصليين في القارة الأميركية وأستراليا ونيوزلندا.
وخلاصة القول، إن معركة الشعب الفلسطيني تتجدد كل يوم دفاعاً عن الأرض ودفاعاً عن البقاء فوقها، فالأرض تشكل الركيزة الأولى في المشروع الصهيوني الذي أراد "فلسطين أرضاً بلاشعب". وبالرغم من كل المصاعب والالتواءات فقد كسر الشعب الفلسطيني بصموده العنيد خصوصاً داخل الأرض المحتلة عام 1948 هذه الثوابت الصهيونية، متمسكاً ببقاءه فوق أرض وطنه التاريخي.