النقد لغة هو تمحيص الدنانير الصحيحة من الزائفة وفي هذا المعنى انشد سيبويه:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة
نفي الدنانير تنقاد الصياريف
وفي معجم متن اللغة/ نقد الشعر والكلام: نظر فيه وميز الجيد من الرديء فهو ناقد وجمعه نقاد ونقدة، ونقد الكلام ابان مافيه واخرج زيفه.
والنقد اصطلاحاً: هو فلسفة الادب وقال آخرون النقد هو فن دراسة الاثار واظهار قيمتها.
ومهمة النقد الادبي اشار اليها كتاب النقد وقولهم (تفسير العمل الادبي للقارئ او مساعدته في فهمه وتذوقه).
ولكي نعرف ماهية النقد لا يكفي ان نقف عند معنى اللفظ وحده من دون المرور في اغلب الاحوال الى دراسات تأريخية نتعرف من خلالها استخدام اللفظ ضمن حقبة تأريخية معينة.
وهناك كتاب غربيون عرفوا النقد بانه فحص المؤلفات والمؤلفين القدماء والمعاصرين لتوضيحهم وشرحهم وتقديرهم.
على ضوء ما تقدم نفهم ان النقد الادبي كما تراه د. هند حسين، هو فلسفة الادب فهو الذي يجلو جوهره ويفسر حقائقه والناقد الناجح من استطاع ان يوضح المهم فيما نقرأ وينظم النص تنظيماً يبعده عن الفوضى التي - ربما- يسببها بُعد العصر الذي كتب فيه النص او تسببها الآراء المتضاربة حول النص.
وفي المجمل ان ما سبق من تعريفات كلها مأخوذة عند العرب من (نقدت الدراهم وانتقدتها) اي اخرجت الزيف منها حيث يعتمد النقد على الفحص والموازنة والتمييز والحكم.
لم يكن عند العربي المتفحص لما بين يديه من النصوص مفاهيم محددة ومبرمجة على اساس نظري يمكن السير عليها وانما هي مفاهيم مبثوثة في اذهانهم كثيراً ما تتداخل في بعضها البعض.
يمكننا القول بان مآخذ الشعراء على بعضهم هي نواة النقد العربي الاولى وهذا ما نجده مبثوثاً في ثنايا اخبار سوق عكاظ وتجمعات العرب في اسواقهم ونواديهم وخيمهم.
ومن النصوص النقدية القديمة التي وصلت الينا نقد ام جندب زوج امرئ القيس في تحكيمها بين زوجها امرئ القيس وعلقمة الفحل.
والقارئ لنقدها يجده نقداً موضوعياً يطلب المقاييس الغنية ويعطي التعليل حينما يسأل عن سبب التفضيل.
وكانت ام جندب في حكومتها بين امرئ القيس وعلقمة الفحل قد فضلت شعر علقمة على شعر زوجها والبيتان هما:
قال امرؤ القيس:
فللسوط الهوب وللساق درة
وللزجر منه وقع اهوج متعب
وبيت علقمة الفحل هو:
فأدركهن ثانياً من عنانه
يمر كمر الرائح المتحلب
وقد كانت العرب تعرض شعرها على قريش فما قبلته منه كان مقبولاً وما ردته منه كان مردوداً.
فقد كانت قريش تمثل عند العرب مستخلص الذوق العربي وقمة الذوق الفني في ادب وشعر العرب، وسبب تمييز قريش بهذه المنزلة كونها حاضرة العرب، وكانت القبائل العربية تأتي الى مكة لزيارة البيت العتيق والتجارة واقامة الاسواق والمنتديات فكان من ثمرة هذا الاجتماع في مكة ان وجدت لغة هي جوهرة خالصة من كل الشوائب فصارت بحق لغة يستحق الاحتكام اليها من قبل الشعراء العرب.