مريم المشرف
عدد الرسائل : 91 Localisation : casa نقاط : 32904 تاريخ التسجيل : 19/11/2006
| موضوع: الموت/الحياة/الكتابة الأربعاء ديسمبر 20, 2006 12:12 pm | |
| الموت /الحياة/الكتابة
الاهتمام بالموت وماهيته كان القاسم المشترك الذي استأثر باهتمام الدارسين على اختلاف تخصصاتهم:"فلاسفة،أطباء،علماء إجتماع، علماء نفس..."كما أنه كان ولازال دعوة للتأمل من قبل الادباء الذين أفردوا له نصوص لاتقل أهمية عن ذوي الاختصاص وهذا ما يفسر حضور الموت في العديد من الاعمال السردية والشعرية على حد سواء. وما أثار انتباهي هو تزامن نشر مجموعة من النصوص القصصية في منتدى منتدى القصة لاسواق المربد: في حضرة الموت /للمصطفى سكم /موت/ لبشير الازمي /مذكرة ميت /لمحمد اللغافي.وهي نصوص إن كانت تجتمع حول تيمة الموت إلا ان هناك خصوصية تميز نصا عن آخر. في حضرة الموت /المصطفى سكم يشتغل النص على مجموعة من المتواليات اللغوية،التي تقابل بين الموت والحياة: الجثة/النعش/الروح/الموت الجسد/الذات/الحياة هذا التقابل يرمي الاجابة عن "سؤال الوجود الميتافيزيقي"{1} حول الجسد القابل للفناء والتحلل، والروح، السمو،الارتقاء"لأن الموت هو الشئ الذي يعود بنا للأصل"{2} هذا الصراع بين الفاني والابدي، بين الحياة من حيث هي فعل مؤقت مرتبط بالزمن. "تستمدها مقامات الزمان...قصور الرمال...تدغدغ الجسد تشتعل الايروتيكا لذة...تذكره بالسعادة...تحرسها الحية وبعرصة التفاح"{1}الجسد الملعون والمطرود من الجنة إلى الارض، المحكوم عليه بالزوال كما "قصور الرمال" ولأن "ولادة انسان مؤشر على أنه قابل للشيخوخة والموت"{3}فإن الذات تعيش غربتها في الحياة، في حين أن الروح هي الارتقاء إلى عالم أبدي {تكبر الله الذي يسكنها...تبحث عن اتزانها....الارتماء إلى حيث السمو والحياة.}{1} حياة لا مكان فيها للزوال والفناء. 2 مذكرة/ ميت محمد اللغافي حضورالموت في مذكرة ميت هو حضور مجازي ينعي الحياة "أنا الآن ميت تماما..." {4}تتساوى الحياة مع الموت، كيف نحيا ونحن أموات، أصبحت الحياة هي الحلم والحلم هو الحياة"أنا كذلك كان لي حلم، وطموح كبير...كنت أفكر في الاستقرار"رصيد في البنك" اتزوج...اتوجه الى سيارتي الفاخرة، ربطة العنق وزر المعطف الانيق"{4} ومع ذلك يبقى هذا كله مجرد حلم "أسكن في آخر طبق من عمارة فضائية..."{4} لاحظ هنا سخرية الكاتب باللعب على الالفاظ وكيف تحول طابق إلى طبق في عمارة فضائية لأن هذا مجرد حلم لن يتحقق إلا من خلال ما يبث لنا عبر القنوات الفضائية لنصبح مجرد متفرجين على صور تطرق حياتنا دون استئذان وعلى واقع لم نشارك في صنعه إنما فرض علينا فرضا وفي كل الاحوال لانملك إلا أن "نموت"تحت عجلة الحياة هذا" الموت" الذي ساهم فيه الواقع الذي نعيشه ونحياه"فتق صدري...استأصل القلب والشرايين..."{4}ونحن نعلم أن القلب هو رمز الحياة/الحب/التصالح مع الذات ومع الآخر.ومع ذلك فإن الكاتب أحب الحياة:"لا أنكر أنني عشقت فيها كل شئ كانت صبية جريئة...عيناها البلوريتان كانتا تتخطفاني في منامي واستيقاظي....وسلوى من سيقوم بالسياقة ..."{4} والسلوة/سلوى هي رغد العيش كما هو معروف غير أن هذه السلوى"الآن تبحث عن شاب آخر...ينسيها وجهي السالف..."{4} الرفض والقسوة من طرف الحياة هو من سيجعل الكاتب يقرر"أنا الآن مرتاح من صخبكم...وضجيجكم أيها الأحياء"{4} فهل الموت هو الوسيلة المتبقية لحل كل المشاكل؟{5} موت/البشير الأزمي عنون الكاتب قصته ب"موت" وهذا المعطى الذي يقدم النص يحمل أكثر من معنى ودلالة ،خاصة إذا تأملنا كلمة "موت" فهي نكرة فهل نحن بصدد موت كانفصال طبيعي عن الحياة أم موت بتعدد دلالاته ومعانيه؟ الإجابة عن هذا السؤال يدعونا إلى محاولة استكشاف هذا النص الموت/الحلم اختيار الموت والحلم كمتن سردي هو اختيار لاحد مكونات الوجود فبالرغم من التناقض اذي يبدو ظاهرا مابين لفظتي : الموت /النهاية الحتمية للانسان الحلم/الامل/الحياة، إلا أن الكاتب استطاع أن يوظف النقضين للتعبير عن القلق الانساني المتمثل في الخوف من الموت"لاأدري كم .....أسرع في خطاي حتى لايلحق بي...ربما دهشتي، بل خوفي "{6} هذا القلق الذي نستشعره من خلال المفردات اللغوية المستعملة في النص"أجلس القرفصاء/أخفي نفسي عنه/أتصبب عرقا/أزداد ارتعاشا/أسرع في مشيتي..... "إذا كان الموت شئ غير مفكر فيه، لامن قبل ولا الآن، ولامن بعد،فمتى يمكننا التفكير فيه"{7} ولايمكن بأي حال من الأحوال الهروب منه فهو يسكننا حتى في تفاصيل حياتنا اليومية "أتظاهر أني ابتاع خضر.....تقترح خفض الثمن... تحدد الثمن....." استحالة الإنشغال عن التفكير في الموت يدعو للتساؤل "هل من حياة بعد الموت..."تساؤل حاول الكثيرون إجاد إجابة عنه للوصول إلى تفسير الموت الحلم "المزعج" و"الكابوس". الكتابة يقال بأن في كل كتابة نفس الرغبة للخلود، فهل الكتابة هي حصانة ضد الموت؟
فسؤال الكتابة في حد ذاته يوازي سؤال الوجود،لأن الانسان يحدد في التعريف العامي والفلسفي، ككائن حي من خلال قدرته على الكلام/الحكي{8} كما أن فعل الكتابة إنما يهدف الإجابة عن الإشكالات الكبرى التي شغلت التفكير الانساني،فعندما يكتب الكاتب إنما يحاول مقاربة الواقع أولنقل" الحياة"بطريقته الخاصة ومن خلال تجربة ذاتية، أوغير ذاتية. لهذا اعتبرت الكتابة في أحيان كثيرة كعلاج نفسي للبحث عن التوازن المفقود، توازن ترجم إلى أشكال نثرية وشعرية وغير خاضعة للتجنيس الأدبي وأخرى فنية... كل ذلك يدفعنا للتساؤل هل استطاعت الكتابة أن تحتوي القلق والألم الانسانيين. فالشعور بالألم هو شعور أساسي تماما كالموت كما يقول "فولتير". وتجارب كثيرة برهنت على أن الموت والكتابة يسيران في نفس الخط (ياسوناري كاوباتا،مارتا لينش،ارنست همنغواي،تيسيرالسبول،خليل حاوي،حوري الحسين....) لكن بالنسبة لأخرين الكتابة انتصار للحياة فقد عبر" جاك نشي" عن ذلك قائلا : كتب المسرح من أجل الإنتصار للحياة .بخلاف" أسكار ويلد" الذي يرى بأن كتابة سيرة ذاتية مؤشر على أن هناك خوف من الموت.
سواء كتب الانسان انتصارا للحياة، أو لأنه يخاف الموت تبقى الكتابة فعل متأصل في عمق الكينونة البشرية.
هوامش: {1} في حضرة الموت/ المصطفى سكم
Victor Hugo Poéme Ame/poésié .webnet/France/hugo{2}
Martin Heidegger L’etre et Temps /membres.multimania.fr/laphilosophie/vue.auteur=Heidegger(3)
{4} مذكرة ميت/محمد اللغافي
Vladimir Jankelevitch La mort / l’impensable de la mort/www.philagora.net (5)
{6} موت/ البشير الأزمي
{7} المرجع السابق {8}مرجع سابق هايدجر/ L’etre et Temps | |
|