قصص قصيرة
د.ماجدة غضبان المشلب
لا تضع اسماء للاماكن و الاوطان ، و لا تنقش التأريخ ، فإن دورة الارض لا تتكرر..نحن فقط من ألف الدوران ، و لم نخرج عنه ابدا.
قصص قصيرة جدا نصلت عناوينها
(1)
_ أقدمت من هناك؟
_ اجل
_كيف هو الحال؟؟؟؟
_ انهم قادمون.
اصبحنا نسرع كثيرا.
لم يتسن لي اصطحاب اولادي و امرأتي الدامعة العينين ، كنت اعلم انهم يبحثون عن الرجال ، رغم ذلك شعرت بالقلق الشديد على زوجتي ، قد حرصت على ابقاء اللثام على وجهها و سلة الخبز على رأسها ، أكان ذلك كافيا لاخفاء هويتها؟؟.
فوق هام النخيل و القباب الذهبية عوى الدخان و نبح الرصاص و زأرت القذائف و حامت طائرات لا تجتهد كثيرا في البحث عن احداثيات اهدافها .. ابتعدت كثيرا عن النهر صوب بغداد.
(2)
قال لي مرارا انه في الطريق اليها ، ماكان السبيل لايصال رسائله؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
عند النافذة تبقى من الغصن نسيج مجعد بني اللون..لم يعد من الشمس سوى هالة تشي بوجودها الخجول.
حاولت سحب كل ما تبقى من خصل الهواء..
قلت له مرارا لست وحدك في الطريق اليها.
تباعد صوتانا ثم رسائلنا..رغم اننا كنا نسير نحوها الا اننا لم نلتق ابدا.
تبدت في الظلام ملامح شخص اخر له نبرته.
_ أأنت أياد؟؟.
_ أأنت خزعل؟؟.
حملنا الاسماء ذاتها؟؟.
_ ايها الرجل انا لا ارى فيك صاحبي؟؟.
_ و لا أنا..!!.
لم نوفق كثيرا في إيقاف الزمن و هو يطوي الملامح..الا إننا بلغناها..
هي ايضا لم تعرفنا..كنا ثلاثة اغراب..عند ألاصيل وقف كلانا عند خدرها تلك التي تأبى النهوض فجرا.
(3)
لست ادري من تكون..فهي ليست سوى امرأة صرخات لا يتوقف دويها في اذني.
اللهاث خلف اللقمة لم يدع لي من الوقت ما يكفي لأتساءل عمن تكون ، و لم تصرخ؟؟.
قد اعلنت عن وجودها ، اما انا فمازلت حريصا على وأد صرختي بين ثيابي المهترئة.
ربما احببت ما تفعل..فهي تنتحب بصوتها عني..
امام عربتي الخشبية بددت حصتي من الزعيق فوق بضاعتي الرخيصة الثمن.
العيد قادم و الناس يتبضعون على عجل.
نسيتها حقا لبعض الوقت..فالايام بتعاقبها كانت تنسخ نفسها حد الاهتراء.
سرت في الحي اشاعات عن اختفائها..تهامسوا حول عصابة مسلحة قد اقتادتها ليلا ، هناك من قال ان الفاتحة تقام على روحها في حسينية مجاورة ، اخر اكد لي ان زوجها و اهلها قد دفنوا الجثمان بلا رأس..
على قارعة الطريق أقام اصغر اولادها كأنه قد ابتلع عشبة جلجامش عوضا عن الثعبان ، و بدا متوحشا كأنكيدو ملتحما ببرية أجهلها.
تشظت صرخاته جافة دون دمع و بلا تمهل..، تودعني حين اهرب منه صباحا و تستقبلني عند الغروب..
اليس هنالك من يصلح للخلافة غيري؟؟.
تمعنت في وجهه يوما و رأيت الرحيل في عينيه يسرق نبضي من بين اضلعي.
ليس اغبى من الشك في انه ابنها لا محالة ، و ان صرخاتها إرثه الوحيد من جسد دفن دون رأسها.
(4)
هي ذات الزهرات في الربيع المنصرم..لم يزدد عددها.
احتفظت بالاصيص و لم احتفظ حتى بملامحه التي سورها الضباب.
بطني ثقلت بحملها..!!.
بين الدروب القصيرة النفس قادتني سيارته ، و في مكان شديد الظلام اقتنص قبلة ساخنة و سريعة.
انها المرة الرابعة التي يسجن فيها.
_ اي نوع من العمائم قد وضعتك على كرسيها الكهربائي قبل ان تتذكرني بزيارة؟؟؟؟.
حلقت عيناه في متاهة..السجون تتوالى كسلسلة لا انقطاع لها.
_ هل تعرفين اني اصبحت لا اذكر عدد السجون و لا كيف دخلتها و لا حتى لم كنت اسجن؟؟؟؟.
قبل يدي و ذرف دمعة قبل ان يلفني الظلام.
_ تمنيت لو كان ولدي يا حبيبة.
اغلق نافذة سيارته ، و اغلقت باب بيتي و ارتعد الجنين بشدة .
(5)
تسربت الموسيقى من عشرات المنافذ ، و استيقظت المسامات على جسدي كجيش عرمرم..انتصبت الشعيرات الدموية و ضرب قلبي كطبول حرب.
المدينة تنام في حجر الصمت و الكهوف موصدة على همسات لا تسع مداها رادارات القصر الملكي.
ثوبي الابيض لم يتسق و لون الريح..لم يتسق و الليل ..امتد الطريق امامي و غدت الحراب اشبه بالخيال..
الموسيقى ترفع الاعناق صوب طرقاتي المضيئة..و اغصان الكون المتناثرة تفزعني بلانهائيتها..
يا لهول التشابك..
الجنود يلتحمون في معركة مع المنافذ..مع المسامات..مع الشعيرات ..مع دقات قلبي التي أمالت رأسها على كتفي.
بيتهوفن يجلس عند النافذة ، يرى الى بركة دمي و زورق القدر يطفو على سطحها بهدوء.
(6)
قالت لي ابنتي ان الزهر لا يشم عطره ، لذا تأخذه الدهشة كل مرة يذبحون عنقه فيها ، و ان العشب ينمو بغرور كل ربيع و يعجب ان لا يسمع صراخه اصحاب الاقدام الكبيرة المبتهجين بإخضراره.
قالت ابنتي ان القمر يعكس ضوء الشمس كي نراه و يحزن لاننا نغلق النوافذ و ننام وقت اشتياقه للقاء..
ابنتي تثرثر كثيرا ، و انا اغسل الصحون..اعد طعام الغداء و العشاء..اغسل الثياب..انفض الغبار..امسح الارض..
_ كفي ايتها الثرثارة!!.
عيناها صغيرتان كقمرين سوداوين..و شفتاها كبتلتي زهرة..و عودها طري كالعشب.
حين نامت على كتفي تلك الليلة انتابني الهلع..
الا ابتعد يا قاطف الزهور..
يا قاتل كبرياء عشب الربيع..
يا موصد نوافذ صنعت لتستقبل اطلالة القمر..
ارحل ايها النوم ..ارحل..
انها ابنتي التي تثرثر حتى في احلامها.
(7)
العجوز التي زارته في المنام كانت مواربة الملامح..سقيمة العود.
_ سبعة قرون عجاف قادمة..
_ سبعة قرون من عصر العناكب و هي تبني بيوتها فوق عيون المدائن..
_ سبعة قرون من الجوع حتى تهرب المقابر من موتاها..
_ سبعة قرون من العطش حتى يفر دجلة و الفرات من بين ايديكم..
_ سبعة قرون لا تعرفون اهو ليل كان ام نهار..
الهلع قادني نحو استيقاظ ملح..
نظرت في ساعتي و هالني اختفاء اميالها..
فتحت الباب الخارجي و كدت اتقدم خطوة قبل ان ادرك ان لا ارض تحتي..
ادركت انني قد اخطأت حين استيقاظي وحيدا قبل انقضاء القرون السبعة.
(8)
نفر نهداها تحت شبكة من اضواء السماء..امتدت الايادي..
حلمتاها كجبلين..و سرتها كقمر بعيد..و فخذاها يضربان في الارض و يمتدان صوب زرقة لا ابواب لها.
تسمرت العيون عند مفاتنها..و تأوهت الانامل..
كان المتسلقون صوبها يسقطون في هوة إبائها عن امتطاء لياليهم المدثرة بالصقيع..و المتقاعسون يصغرون كاللات و العزى في طوفان الحجيج..و الشاتمون تتناثر فوق رؤوسهم احجارا رجموها بها..
عند قدميها تبعثرت لوحات و اشعار..و بدت القصور كأسراب نمل امام عينيها الساحرتين.
طفل صغير بين الحشود تلقف دمعتها.. لمس بيداءها..نسيج من الوحشة و البرد و الظلام..طفل صغير فقط بات بين نهديها يثمل بنشوى الطفولة.
(9)
مرت بي على عجل..عانق الضباب ملامحها ثم التحفت بسواد ما تبقى من حلكة الليل.
الضفاف تندى بخجل و انا ارمي بحجر نحو دوائر لا اراها على صفحة مياه الغراف.
اتحدت مع الظلام و ابتلعت كل نسيجه الذي احاطني.
في غرفة منزوية اكلت الرطوبة جدرانها سقط قلمي في حجري ، ارتاعت الكلمات و استقرت يدي على اول حرف..تذكرت ما علق في ذاكرتي من وجهها و اخذت اكتب الحكايا.
كانت الف ليلة و ليلة تدونني و لا ادونها الا بريبة و خوف في سجن امريكي على ارض وطني.