محمد اكويندي عضو فعال
عدد الرسائل : 93 الحالة : قاص مغربي نقاط : 32968 تاريخ التسجيل : 20/11/2006
| موضوع: قصة قصيرة الكلب الأربعاء نوفمبر 29, 2006 2:59 pm | |
| الــكــلـــب أفلت من قبضة يده، بل ينفلت منه الحبل المضروب، طوقا حول عنقي. أنسل تحت السيارات الرابضة جنب الطوار، ينقر الأعمى بعصاه، باحثا عني:" فوكس...فوكس" اللعين لا يكف، يجثو على ركبتيه، ثم يأخذ في التلويح بعكازه تحت السيارات، الواحدة، بعد الأخرى. أختبئ وراء إحدى عجلتي السيارة الخلفيتين.أصغى إلى لهاته و سخطه الممزوج بالتهديد و الوعيد. كثيرا ما كنت أتفادى ضربات عصاه بمهارة عجيبة.. الضربات التي تحدث ارتطاما قويا، بهياكل السيارات الجاثمة، هناك. أقعي على قوائمي الخلفيتين، متحفزا للهروب إلى الجهة الأخرى، أرى ظل الأعمى ينأى عني بعيدا، يبدو طويلا كعملاق يمشي فوق ظل طابورا السيارات المنعكس على الإسفلت، أنبطح أرضا، لأتفرج على هذا العرض، الذي يشبه عروض الظل. في الهوة السحيقة التي ينتهي بها ظل الطابور، يهوى العملاق و عصاه إلى الأبد. تخلصت من هذا الدنس ( المسمى حبل ) نفضت فروي الكثيف من الغبار، و، أعدت همتي ورشاقتي، ثم هرولت نحو – المقهى- المركون زاوية الدرب، كدت أقترف حمقا، أضيفه إلى حمقي، عندما أخذت ألعق حذاء أحد الزبناء الثلاثة، فورإندساسي تحت طاولتهم، كان نعل حذائه لينا، وشديد اللمعان يغري بذلك، فكان صاحباه، لا يكفان عن السجال و الجدال الساخن بينهما، و هو يحاول تهدئة الجو وتلطيفه، مرة، مرة، يغير وضع رجليه، مما اضطرني إلى استقامة جدعي بقائم الطاولة، كنت أكون في مخيلتي صورة عن وجه صاحب الحذاء، ما استنتجته من صوته العذب، إلا وجها بشوشا، عكس وجه الأعمى العبوس، وما يدعم صدق تصوري تراجعه السريع عن انفعالاته، وتبريراته اللبقة. أحيانا تخوننا حاسة الشم و البصبصة عند الحاجة. ينفض جمع الرجال الثلاثة، أتمطط استعدادا لملاحقة الرجل البشوش. كادت قدمه تدوسني، تنبه إلى وجودي، هشني برجله – هش – خفف من وقع سيره، أترك بيني وبينه مسافة، احتياطا من الركلات المفاجئة كان كلما التفت وجدني أتبعه. نهرني. أحنيت رأسي كإشارة إذعان، توقف ثانية، أخذ يحدق في كما لو كان يتفحصني، بدوري حدقت فيه متفحصا، تورد وجهه البشوش احمرارا، أسدل جفون عينيه خائفا، ثم تمتم بكلمات مسموعة:" إن كنت من أهل الإنس، فمرحبا بك، وإن كنت... فحال الله بيني وبينك". كدت أضحك من سخافته، استأنف سيره، أدار رأسه إلى الخلف، فوجدني بمحاذاته، تماما..أجمل ما في أصحاب برج- الحمل – أنهم وديعون وطيبون، ومسالمون، أطعمني من طعامه، و قاسمني دفء بيته، أخذت أنامله لا تكف عن مداعبتي، ألعقها بلساني الدقيق، كتحية متبادلة بيننا، أحيانا أزوي ذيلي بين قوائمي الخلفيتين، وأزوم ملتفا حوله فرحا، بقدومه، أو استعدادا لمرافقته، بالغ في تدللي، ( كنت أعرف أن خصلة الدلال لاترتوي أبدا.) يقاسمني قهوة مسائه، و يفرجني على مجلاته المصورة، أحيانا أنط فوق سريره، أمد عنقي طويلا لملامسة الرفوف العلوية التي بها أمهات الكتب النادرة، يمسد على فروي اللين (بفضل عنايته) ويحثني: " ذوقك سليم " للكلاب غدرها قبل غدر الزمن، فلولا ثمل الأعمى، لظللت ضالا بين الحانات، ومتسكعا بين الدروب، فلا أرقى إلى هذا الوضع.. أين شردت ياجروي اللطيف ? أسحب بوزي من بين حوافي الكتب السميكة الحجم، أقفز إلى الأرض، فأبتعد قدر الإمكان، ثم أدرع الممر، ركضا، يمصمص إلي بشفتيه، ثم أعود إليه ملوحا بذيلي فرحا، يضربني على ظهري، ضربا خفيفا: "تيتوا ..تيتوا " أشعر بالمهانة والإذلال..أزمجر في وجهه بعينين محتقنتين بالدم.. لم يعرني أدنى اهتمام، أحس أن كبريائي قد جرح ، فأقبع فوق سجاد صوفي، أخدشه بغضب، أجعل غيوما كثيرة محلقة حولي من الصوف ، يغضبه ذلك ، ينظر إلي بوقاحة، يرميني بمجلة مصورة : "ميرد" تستقرالمجلة المصورة أمام ناظري مفتوحة على صورة – كلب – جميل المنظر، ذو فرو بني أنيق ، وعلى عنقه سلسلة ذهبية نقش عليها اسمه : "طوكسي" وتحت الصورة تعليق : "بفضل شكله الجميل، المتميز أختير رمزا للحزب .." أخذت الغيرة تأكل قلبي، فأصبح مزاجي متقلبا.. قل هي بداية التبرم و التنصل بيني و بين عشيري، و هو ما أدركه بتعليقه: "المزاج السيئ ناتج عن الغيرة و الغرور، وعدم رضانا عن ذواتنا." بدأت فكرة الشهرة تستحوذ علي، فأخذت أخطط للتخلص من هذا الطوباوي الحالم.. أعرف أن الشهرة دودة الأنانية و الحسد و الأهواء المنحطة، ذلك الوحش الرابض في أعماقنا و الذي لا ينجح في ترويضه إلا القليل منا."و طوكسي هذا من يكون ؟ يحدجني بعينين لوزيتين ، يغريان حقا بالمساءلة: من أنت حتى تكشف عن بهائك و طلعتك، وتصطفيك اللجنة رمزا من أنت، يا من استأصل _ بشهرته _ نياط قلبي، مامن جرم أقترفه إلا و أنت أداته .. أعرف، وأعترف أنني الخاسر الأكبر للصداقة..الشهرة ؟ فهل أفرشت لي أعتابها لنصعد ؟ درجها الأخير للتتويج _ مدللك _ من يومهاأخذت أتحين الفرصة. ذات مساء كئيب، لم نكن نعرف من الكلب، من الآدمي. كلانا العراك. وكلما غرزت أنيابي في مكامن الروح. أنشب مخالبي في الحنجرة حتى يطفر الدم.باغته في هدنة الهجوم ومزقته، اختلط العويل بالصراخ. شاع خبر فعلتي الشنعاء. تلقيت على إثرها الركلات الموجعة من كل الجهات حتى تقلصت معها عضلاتي وهيئتي، فصار جسمي ضئيلا، في حجم فصيلة كلاب "الباكل "* التي لاتتجول إلا محمولة في جيوب مالكها. تكورت ملتفا،و محتميا ، تحت باسط الدكان القصاب ، وأنا أرمق المارة في غدوهم ورواحهم، كالأشباح ظانا نفسي متواريا عن الأنظار إلا أن الشياطين الصغار ، يرمونني بالحجارة ،وهم يتصايحون : "عودة كلب – عمر الأعمى " آنذاك، لم تتر في جلبة الأطفال أية فزعة، لكن صورة الوجه العبوس الماثلة أمامي ،جعلت عضلات قوائمي مشدودة و مرتعشة كنوا بض فولاذية، استعدادا ....
- محمد اكويندي
- *الباكل: فصيلة من الكلاب الهجينة، ضئيلة الحجم جدا فهي لاتقوى على المشي وغالبا ما تحمل في الجيوب. | |
|