ما العمل والإشكالية تزداد تفاقماً؟
على خلاف الحال مع الحضارة الغربية، يظل التساؤل قائماً حول مكانة الفكر الأنسني في الحضارة الاسلامية عموماً، وفي الثقافة العربية الاسلامية على وجه الخصوص! فالدراسات البارزة في هذا الصدد ضئيلة! وعلة ذلك ـ في رأيي ـ نجاح الآخر، خاصة العربي/المحلي، في تكريس اغتراب الذات العربية ثقافياً واستعدائها على محبي الحقيقة، وأعني بهم الفلاسفة، ليُبقيها كهفاً مظلماً!
فقد اعتاد الآخر، خاصة العربي/المحلي، أن يُلقي في روع الذات العربية أن الفلسفة درب من الغواية والضلال، وأن الاشتغال بها خطيئة وإثم عظيم! اعتاد الآخر أن يفعل هذا، بدأب، رغم إدراكه لقيمة الفلسفة كأحد أبرز وأهم السبل المتاحة أمام الانسان لنشدان الحقيقة، تلك التى يستحيل إدراكها على وجه اليقين!
وللأسف، وجد الآخر العربي/المحلي ـ ولا يزال يجد ـ في مساعيه المحمومة لتحريم الفلسفة وتأثيم الاشتغال بها دعماً آثما من محترفي التبرير الديني، الذين لم ولن يتورعوا عن التضحية بالذات ومصلحتها على مذبح الآخر!
قارئي الكريم، المحاولات الجادة للإجابة على التساؤل الحائر حول مكانة الفكر الأنسني في الحضارة الاسلامية عموماً، وفي الثقافة العربية الاسلامية على وجه الخصوص، تتراوح في مُجملها بين نفي قاطع لوجود الأنسنية في الشرق عموما ـ كما عند كارل هينرش بِكر الذي قال بأن الأنسنية هي التجربة الحية الحاسمة الكبرى بالنسبة إلى الغرب(7)، ومن ثم استبعد وجودها في الشرق ـ وبين إثبات جورج مقدسي القاطع لهذا الوجود في الحضارة العربية الإسلامية الكلاسيكية، وكذلك قوله بأن المسيحية وجدت في الإسلام الكلاسيكي حضارة أكثر تقدماً في القوة العسكرية والاقتصادية والفكرية، واكتشفت بعد دراسة مستفيضة عناصر الميراث التاريخي لتلك الحضارة الإسلامية، وهو ما أيقظ داخل المسيحية إدراكها لميراثها الكلاسيكي، أو بكلمات أخرى أيقظ داخلها النشورية أو الأنسنية(8).
وعلى خلاف بِكر ومقدسي، سعى عبد الرحمن بدوي ومحمد أركون، لتحديد دقيق نسبيا لما اتفقا على كونه أنسنية شهدتها الحضارة العربية الإسلامية.
ذهب عبد الرحمن بدوي إلى القول بأن الأنسنية في الفكر العربي الإسلامي لم تكن من شأن نفر من المتوحدين الشواذ الذين كانوا يحيون منعزلين في البيئة الفكرية العربية، بل كانت تتمثل في أوساط كاملة تابعت الحركة بكل حماسة. وذهب بدوي أيضاً إلى القول بإمكانية تحديد تاريخ علو الأنسنية في الثقافة العربية الإسلامية بالمدة من بداية القرن الرابع الهجري حتى نهاية القرن السابع تقريبا(9). وهو الرأي الذي اختلف معه محمد أركون، فرغم اتفاق أركون مع بدوي في القول بوجود الأنسنية في الحضارة الإسلامية في فترة زمنية بعينها، اختفت بعدها بسبب عوامل داخلية وخارجية، مادية ومعنوية، نرى أركون وقد اختلف مع بدوي فيما يتعلق بتحديد هذه الفترة، إذ قال أركون بأن الأنسنية كانت موجودة بين القرنين الثاني الهجري وحتى القرن الخامس في الحضارة العربية الإسلامية الكلاسيكية، ثم اضمحلت بعد ذلك واختفت بعد دخول تلك الحضارة في عصور التكرار والاجترار، أو ما يُدعى بعصر الانحطاط. إضافة إلى قول أركون بتزامن اختفاء الأنسنية مع موت الفلسفة في المشرق أولا، ثم في المغرب والأندلس ثانيا(10)!
وهكذا، أيها القاريء الكريم، واستنادا للدراسات القائلة بمعرفة الحضارة العربية الإسلامية للفكر الأنسني، واستنادا أيضاً للرأي القائل بأن الأنسنية لم تتبلور في أوروبا إلا في عصر النهضة، يذهب البعض إلى القول بشهود الحضارة الإسلامية للأنسنية قبل أوروبا، وهو ما أنكره تماماً، لقناعتي بأنه لم يعد مقبولاً اليوم أن تُنسب الأنسنية لأبناء حضارة بعينها دون بقية الحضارات، كما يحلو للكثيرين أن يفعلوا! فهذا ـ وبحسب بحوثي العديدة في الفكر الأنسني ـ من قصر النظر التاريخي أو خداع المنظور أو من عدم الفهم للمدلول الحقيقي للأنسنية، أو أخيراً لعدم التنبه إلى الدور الحيوي المنوط بالفكر الأنسني أن ينهض به في رحلة الحياة. فالأنسنية هي الاقرار بحق كل إنسان في حب الحقيقة ونشدانها، وهو ما يعني عدم منطقية، بل سخف، الزعم بأن حضارة بعينها يمكن أن تخلو منها!
قارئي الكريم، أراني قانعاً أنه لو كان قُدر للفكر الأنسني أن يتبوأ المكانة اللائقة به في تاريخنا الثقافي، ولو أن انصار هذ الفكر لم يُضطهدوا ولم تُحرق كتبهم، لكانت ثقافتنا العربية أخذت مسارها الطبيعي في النمو والتطور، ولكنا اليوم نسير جنباً إلى جنب مع بقية أمم الأرض، بدلاً من أن نرفل ـ كما نحن اليوم ـ، وإلى أجل غير مسمى، في غلائل وضع مُهين وشاذ! نقتني بمقتضاه تراثاً جامداً، لا نجرؤ ولا نملك القدرة على نقده وتطويره، ومن ثم نستعين على الحاضر بوافد حداثي، لا يقل الأخذ به ضرراً عن الأخذ بتراثنا المتحجر! في الحالتين، نزداد اغتراباً وتتقلص قدرتنا على التعاطي مع اشكالية الوافد والموروث في ثقافتنا!
ما العمل إذن؟..الحل في رأيي هو أن نعمد لتحقيق الحلم الذى لطالما راود أنصار الحرية عبر تاريخنا المُظلم، وأعني بأنصار الحرية أولئك الشهداء الذين أحبوا الحقيقة وأصروا على المضي قُدماً في نشدانها، فدفعوا أرواحهم الطاهرة ثمناً لزودهم الأسطوري عن حرية عقولهم وقلوبهم! رحم الله شهداء الحرية!
صحيح أن الآخر العربي/المحلي نجح في تشويه هؤلاء الشهداء الأبرار في عيون إخوانهم، وصيرهم نموذج ردع لكل من تسول له نفسه مناهضة الاغتراب الثقافي للذات أو المساس بالآخرية! بيد أن تأسيس مدرسة أنسنية في الفكر العربي، إن هو حصل، أظنه قادراً على إعادة الاعتبار والسكينة لأروح هؤلاء الأحرار! وكيف لا، وهم سيصبحون منارات نهتدي بنورها في رحلتنا الشاقة لاعادة بناء الذات العربية، بعد أن أنفق الآخر الآثم قروناً في هدمها، حتى أنه صيرها مسخاً!
الآخر العربي لن يتوانى حتماً عن السعي لاجهاض حلمنا! غير أن الطريف هو أنه سيفعل ذلك في وقت تبذل فيه نسخه المختلفة في ربوعنا الساذجة جهوداً محمومة لتعبئة وحشد الجماهير خلف ما يُطلق عليه "حلم الوصول لكأس العالم"!
نسخ الآخر العربي إن هي ناهضت حلمنا، وهي لابد فاعلة، في وقت تساند فيه، على نحو أسطوري، حلم تافه كحلم الترقي في لعبة كرة القدم، ستكشف عن تعمدها القبيح والآثم مناهضة حلم عظيم كحلمنا بتأسيس مدرسة أنسنية في الفكر العربي، تأخذ على عاتقها تهيئة الأجواء الموائمة لاعادة بناء الانسان العربي!
قارئي الكريم، في ختام هذه المقالة، والتى أظنها طالت بعض الشيء، أستأذنك في استباق ما أتصوره تشويهاً ستعمد نسخ الآخر العربي المعاصرة، إلى إلحاقه بالفكر الأنسني، لتبرير مناهضتها المُغرضة لفكرة تأسيس مدرسة أنسنية في الفكر العربي! وذلك عبر توضيح مسألتين أراهما من الأهمية بمكان:
• المسألة الأولى هي التثمين الأنسني لجوهر الأديان:
في مقالة لي بعنوان "التثمين الأنسني لجوهر الأديان"، قمت ـ كالعادة ـ بنشرها على شبكة الانترنت، تصديت لمناقشة هذه المسألة بشيء من التفصيل، لاقتناعي بان الآخر العربي/المحلي لا ولن يمل المُزايدة على الأديان كعادته دائماً وأبداً! وكيف يفعل، والمُزايدة على الأديان لم تخذله يوماً، طيلة تاريخنا المُظلم؟!
المهم، انتهيت في مقالتي المُشار إليها تواً والتى أوصي قارئي بالرجوع إليها، إلى أنه ليس ثمة تعارض بين الدين والفلسفة، كطريقين أمام الانسان لنشدان الحقيقة، إذ أن أقصى ما يطمح إليه الإنسان إزاء الحقيقة ـ كما ذكرت في كتابات سابقة وكما سأذكر دائما ـ هو الوثوق بما يفضي إليه به عقله وقلبه في نُشدانها، إذ أن للقلب مبرراته التى لايعلم عنها العقل شيئا، والعكس صحيح أيضاً!
أجل، ليس ثمة تعارض بين الدين والفلسفة، وذلك لسببين: أولاً: يحدث في أحايين كثيرة أن يصل سالكو الطريقين، الدين والفلسفة، إلى النتيجة نفسها! خذ مثلا الفيلسوف الشهير هيجل، وقوله إن الله هو الحقيقة، وهو الماهية ذات القوة المطلقة. وكذا قوله إن الله يكشف عن نفسه فى العالم، وانه فى هذا العالم لا ينكشف شيء سواه. ألا يلتقى الفيلسوف هيجل بأقواله تلك مع ما نتفق جميعاً على كونه جوهر الأديان ـ على تعددها وتباينها ـ وهو معرفة الإله؟! ثم ألا يقوم هذا الالتقاء دليلاً على إمكانية التلاقح البناء بين الطريقين وأنصارهما؟!
ثانياً: الإنسان ـ وكما تُعلمنا الحياة ـ حيل بينه وبين المعرفة اليقينية للحقيقة بحجاب كثيف وصلد ليس يمزقه ـ على الأرجح ـ سوى الموت! وأقصى ما يطمح إليه الإنسان، ذلك الكائن المُطالب دوماً وأبداً بنشدان الحقيقة، لا إدراكها، هو الوثوق بما يُفضي إليه به عقله وقلبه، ومن ثم فلا مجال في رأيي للصدام بين الدين والفلسفة، بدعوى معرفة أنصار أحدهما للحقيقة على وجه اليقين!!
في تفسيرها لدواعي تأجج العداء بين أنصار الدين وأنصار الفلسفة، في مجتمعاتنا العربية، ذهبت المقالة إلى أن الآخر العربي/المحلي هو من يحرص على هذا التأجيج المستمر لنيران العداء، بين أنصار الدين وأنصار الفلسفة، لأنه بدون هذا العداء، يتهدد رسوخ الثقافة الدينية ـ التي يُنتجها هذا الآخر العربي ويُلقنها للذات المغتربة عبر أذنابه من محترفي التبرير الديني ـ، ومن ثم تتهدد مصالح الآخر وتنكشف ممارساته غير المشروعة! والأخطر من ذلك هو أن توقف الذات العربية عن معاداة الفلسفة ينال بالضرورة من قدرة الآخر العربي على تكريس اغترابها الثقافي، إذ كيف سيتسنى له المضى قدما فى الترويج لثقافة دينيه، يُنتجها لتخدم مصالحه وممارساته على حساب مصلحة الذات، في ظل استبدال الذات العقل الفلسفي بعقلها اللاهوتى/الفقهي، وقهرها لاغترابها الثقافي، علاوة على استعادتها لحقها المشروع والأصيل في امتلاك ثقافة حرة ومتطورة..
في النهاية، خلصت المقالة إلى أن استخدام مصابيح الأنسنية في إنارة المناطق المظلمة فى الثقافات الدينية ـ والمقصود بها هنا جوهر الأديان ـ يزيد من قدرة الذات المستضعفة، فى شتى أنحاء العالم، وبصفة خاصة فى عالمنا العربي، على التحرر من نير الاغتراب الثقافي الذى يُثقل الآخر الآثم كاهلها به، فنراها يوماً وقد رفضت احتكار هذا الآخر الآثم انتاج ثقافتها الدينية، عبر تعهدها هذه الثقافة بالنقد والتطوير، مستفيدة فى ذلك بالثروة العقلية التى وُهبت إياها..
وكاتب هذه السطور واثق ـ كل الثقة ـ انه في ظل مناخ كهذا يصبح ممكناً تفكيك، بل محو، إشكالية الوافد والموروث في ثقافتنا العربية الاسلامية.
• المسألة الثانية هي التصاق الفكر الأنسني بالإنسان:
دَأبْ الآخر الآثم، في كل زمان ومكان، ألا يدع سلاحاً، مهما كان مُهترئاً، إلا ويستخدمه في مناهضة ما يتصوره تهديداً لمكاسبه وامتيازاته! والفكر الأنسني بطبيعة الحال لن يحافظ للآخر على امتيازاته الهائلة، وإن اعترف له بما يستره!
ولعل أكثر الأسلحة المهترئة التى يمكن أن يلجأ الآخر العربي/المحلي إلى اشهارها في وجه الفكر الأنسني وأنصاره هو نعته إياهم بـ "الوافدين الغزاة"، غير أن الآخر الآثم إن هو فعل هذا، وهو لامحالة فاعل، سيكون مُصراً على الاستهانة والاستهزاء بعقول طال ـ للأسف الشديد ـ رقادها في محبسها!
على أية حال، سأدفع عنا معشر الأنسنيين وعن فكرنا الأنسني هذا الاتهام الظالم والجائر، عبر اتياني ما أتصوره حُججاً داحضة، لا يُنكرها إلا مُغرض!
صحيح أن ثقافتنا العربية الاسلامية، تدين بقوة في نشأتها إلى الدين الاسلامي، فهو الذى أكسب أبناء هذه الثقافة هويتهم وساهم بقوة في صياغة طريقة حياتهم! وصحيح أيضاً أن ثقافتنا العربية الاسلامية، وعلى خلاف ثقافات أخرى كالثقافات الأوروبية، ليس لها ظهير فلسفي، بمعنى أن أبناء هذه الثقافة لم يمروا بتجربة "النقاء الفلسفي"، فالشعوب العربية قبل الاسلام لم تعرف التفلسف!
كل هذه الأمور صحيحة، ولا مجال لانكارها، بيد أنها لا تنال، ولا ينبغي لها أن تنال، من حق الانسان العربي في الاشتغال بالفلسفة بوصفها، إلى جانب الدين، أحد أهم وأبرز طرق نُشدان الحقيقة! وذلك لدواع عديدة، الآتي أهمها:
أولاً: الفكر الأنسني، وعلى خلاف العديد من الفلسفات الأخرى، يرتبط بالإنسان ويراه أعلى قيمة في الوجود، ومن ثم فهو يوجد أينما وُجد الإنسان، حتى وإن حالت ظروف بعينها بين الإنسان وبين إدراك هذا الفكر! وأراني قانعاً أن المقولات الأنسنية في أبسط صورها لابد وأنها جالت في صدر الإنسان البدائي!
ثانياً: في غيبة التفلسف وفي ظل احجام أبناء ثقافتنا عن الاشتغال بنشدان الحقيقة، قُضي على الانسان العربي التيه في ظلمات الجهل والتخلف! إذ لم يجد الآخر العربي/المحلي صعوبة تُذكر في السطو على الدين، فوجدناه يحتكر لنفسه، ولمئات السنين، حق انتاج الثقافة الدينية، بل وراح في جرأة يتمترس وراءها لحماية مكاسبه الضخمة وامتيازاته الهائلة، على نحو مؤلم ومُستفز! غير عابيء بضحاياه الذين نجح في تكريس اغترابهم، وألقى في روعهم أنهم بتنازلهم عن حرية عقولهم وقلوبهم ووضعها عند قدميه، يتقربون إلى الله ويشترون الجنة!
ثالثاً: التراث الفلسفي العالمي ليس ملكاً لأبناء حضارة بعينها، فهو ملك لنا جميعاً معشر البشر، في كل زمان ومكان! بديهية غائبة، لعل أروع من نبه إليها هو الفيلسوف كارل ياسبرز(11)، حين قال إن واجب الانسان، وأياً كانت الثقافة أو الحضارة التى ينتمي إليها، هو أن يتعلم من "الموقظين الكبار أو الفلاسفة العظام" في كل العصور والحضارات، لأنه ـ وبحسب رأي ياسبرز ـ لما كانت الصياغة الواعية لحقيقة التفلسف وهدفه لاتكتمل أبداً في صورة نهائية، يمكن الاجماع عليها (كما هو الشأن مع الحقائق العلمية التي تظل مُلزمة للعقل وعامة الصدق مالم تظهر أخرى تُعدِلها أو تنسخها) فلابد لكل منا أن يضطلع بها مرة أخرى، وأن يعدها مهمة ومسئولية يتعين عليه أن يواجهها ويتحمل تبعاتها ما بقي إنساناً!
رابعاً: إننا معشر العرب في أمس الحاجة لاقناع طائر الفلسفة المهاجر أن يحط رحاله في ربوعنا الطيبة، بعد غيبة طويلة، لنستقوي به على اغترابنا الثقافي والآخرية البغيضة، ولنشهد زوال الإشكاليات الثقافية المعقدة والمتفاقمة، كتلك الخاصة بالوافد والموروث! قيمة الفلسفة وعظمتها، أيها القاريء الكريم، تكمن في انطواء الفلسفات جميعاً على فلسفة واحدة خالدة لا يملكها أي إنسان وإنما تتجه إليها الجهود الجادة في كل زمان، وفي الشرق والغرب، على السواء! كما أن عظمة الفلاسفة، تكمن في ادراكهم لكون الأقوال الفلسفية بطبيعتها ناقصة إلى أبعد حد، لأنهم يطالبون من يسمعهم بأن يعمل على إكمال أقوالهم من وجوده الخاص!
صفوة القول، انه لا غنى لنا نحن أبناء الثقافة العربية الاسلامية عن بناء صرحنا الفلسفي، لنثمن به وجودنا الانساني، ونؤكد لاخوتنا في شتى أنحاء العالم، جدارة عقولنا وقلوبنا بالحرية، وقدرتنا على التفلسف والاشتغال بطلب الحقيقة!
الهوامش:
ــــــــــ
(1) يعود الفضل في تنبيهي إلى أهمية الكتابة عن اشكالية الوافد والموروث في ثقافتنا العربية الاسلامية، إلى الدكتور ودان بوغفالة الأستاذ بجامعة معسكر الجزائر، وذلك حين تفضل سيادته مشكوراً باطلاعي على ملخص مداخلته القيمة التى ينوي المشاركة بها قي مؤتمر الجمعية الفلسفية المصرية القادم "الوافد والموروث في الثقافة العربية"، فإلى سيادته أتوجه بخالص الشكر والامتنان..
(2) للمزيد من المعلومات راجع: سعد الدين إبراهيم، مستقبل المجتمع والدولة في الوطن العربي، (عمان: منتدى الفكر العربي، 1988)، ص 160 ـ 163.
(3) راجع: بناء الذات الأنسنية، مقالة للكاتب منشورة على الانترنت. وراجع أيضاً الفصل الأول من كتابي: دون كيخوته المصري ـ دراسة علمية وثائقية لحياة وفكر نجيب سرور، (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2009).
(4) في رؤيتنا المقترحة للفكر الأنسني، تتمثل الخصائص العامة للأنسنية في الآتي: 1ـ معيار التقويم هو الإنسان. 2ـ الإشادة بالعقل ورد التطور إلى ثورته الدائمة. 3ـ تثمين الطبيعة والتعاطي المتحضر معها. 4ـ القول بأن التقدم إنما يتم بالإنسان نفسه. 5ـ تأكيد النزعة الحسية الجمالية.
(5) راجع: صامويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب، صدام الحضارات ـ إعادة صنع النظام العالمي، (القاهرة: سطور، 1998)، ص 338 – 339.
(6) راجع للكاتب: محنة شعوبنا إدراكها الساذج للآخر، مقالة منشورة على الانترنت. تهافت الآخر، كتاب مهم منشور أيضاً على الانترنت.
(7) كارل هينرش بكر ]1876 ـ 1933[: عالم ألماني متخصص في الدراسات الإسلامية. ولد في أمستردام، وسافر إلى أسبانيا، والسودان، واليونان، وتركيا، قبل حصوله على درجة الدكتوراه عام 1899. حصل بكر على لقب بروفسور عام 1906، وتقلد منصب وزير الثقافة والتعليم في دولة بروسيا. لمزيد من المعلومات عن رؤية بكر لمكانة الأنسنية في الفكر العربي الإسلامي راجع: كارل هينرش بكر، "تراث الأوائل في الشرق والغرب"، في عبد الرحمن بدوي (مترجم ومحرر)، التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية ـ دراسات لكبار المستشرقين، (القاهرة : دار النهضة المصرية، 1965)، ص 3 ـ 33. عبد الرحمن بدوي، من تاريخ الإلحاد في الإسلام، (القاهرة: بدون ناشر، 1945)، ص 4ـ 9.
(8) جورج مقدسي ] 1920 ـ 2002 [: بروفسور شرف للغة العربية والدراسات الإسلامية في جامعة بنسلفانيا. ولد مقدسي في دترويت، وتلقى دروسه في الولايات المتحدة ولبنان، وتابع دراساته العليا في فرنسا، حيث نال شهادة الدكتوراه في الآداب من جامعة لسوربون عام 1964. يعد الرجل مرجعا كبيرا في الدراسات العربية والإسلامية. اهتم بنوع خاص بالنقاشات الفقهية، وحقق ونشر كتاب ابن عقيل " الواضح في أصول الفقه ". ومن أبرز أعماله الدالة على اهتماماته " نشوء الكليات "، و "نشأة الأنسنية". لمزيد من المعلومات عن رؤية مقدسي لمكانة الأنسنية في الفكر العربي الإسلامي راجع:George Makdisi , The Rise of Humanism in Classical Islam and the Christian West , ( Edinburgh : University Press , 1990 ) , PP.348-354 .
(9) لمزيد من المعلومات عن رؤية بدوي لمكانة الأنسنية في الفكر العربي الإسلامي راجع: عبد الرحمن بدوي، الإنسانية والوجودية في الفكر العربي، (الكويت؛ بيروت: وكالة المطبوعات، دار القلم، 1982)، ص ص 13 ـ 69.
(10) محمد أركون: باحث ومؤرخ ومفكر جزائري، ولد عام 1928 ، بمنطقة القبائل الكبرى الأمازيغية بالجزائر. اكمل أركون دراسته الثانوية في وهران، وابتدأ دراسته الجامعية بكلية الفلسفة في الجزائر ، ثم أتم دراسته في جامعة السوربون، حيث عين بها أستاذا لتاريخ الفكر الإسلامي والفلسفة عام 1968. استند الكاتب في تناوله رؤية أركون لمكانة الأنسنية في الفكر العربي الإسلامي، والواردة في كتابه التالي: Humanisme et Islam . . Combats et Propositions ( Paris : Libraire Philosophique J.Vrin ) على عرض لتلك الدراسة أوردته جريدة الشرق الأوسط ، في عددها رقم 9641، الصادر بتاريخ 21/4/2005.عرض قام به هاشم صالح، وهو معروف بترجمته للكثير من أعمال محمد أركون إلى العربية. وللتأصيل لرؤية أركون لمكانة الأنسنية في الفكر العربي الإسلامي راجع أطروحته للدكتوراه: محمد أركون، ترجمة هاشم صالح، نزعة الأنسنة في الفكر العربي ـ جيل مسكويه والتوحيدي، ( بيروت: دار الساقي، 2006).
(11) لمعرفة المزيد عن آراء كارل ياسبرز راجع: كارل ياسبرز، ترجمة عبد الغفار مكاوي، تأريخ الفلسفة بنظرة عالمية، (القاهرة: دار الثقافة للنشر والتوزيع، سلسلة النصوص الفلسفية، العدد رقم 16، 1994).