منتدى ابن امسيك للثقافة
انت غير مسجل
تفضل بالدخول او التسجيل معنا
منتدى ابن امسيك للثقافة
انت غير مسجل
تفضل بالدخول او التسجيل معنا
منتدى ابن امسيك للثقافة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى ابن امسيك للثقافة

منتدى ابن امسيك للثقافة يرحب بكم
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مجازفات السّرد ومجازاته

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
يوسف بلقايد
مبدع جديد
مبدع جديد
يوسف بلقايد


عدد الرسائل : 5
نقاط : 28565
تاريخ التسجيل : 05/04/2009

مجازفات السّرد ومجازاته Empty
مُساهمةموضوع: مجازفات السّرد ومجازاته   مجازفات السّرد ومجازاته Emptyالأربعاء سبتمبر 30, 2009 2:47 pm


مجازفات السّرد ومجازاته
قراءة في رواية (مجازفات البيزنطي)* لشُعيب حَليفي


عبد المجيد بن البحري
أستاذ- باحث من صفاقس/تونس


"العين القارئة تعرف كيف تمشي بالنظريّة،
وتتعثّر حينما تقوم للمشي أما العين المبصرة
فإنّها قادرة على كلّ شيء." [ص93 من الرواية]

I -مدخل :
يمثّل "التجريب"[1]، في المشهد الرّوائي العربي عموما والمغربي خصوصا – إستراتيجية نصّية لها منطلقاتها النّظريّة ورهاناتها الإبداعيّة، ولها طرائقها الفنيّة وتقنيّاتها الجماليّة، ولئن اختلف النقّاد في تعريفاتهم للتّجريب وقرينه الاصطلاحي – الحداثة-، وتفرقت بهم السّبل في بيان شروطه ومقدّماته، وضبط حدوده ومنطلقاته، ورصد آفاقه وإمكاناته، فإنّ الاتّفاق يكاد يكون قائما على اعتباره (=التجريب) بحثا عن صيغ جديدة في القصّ واستحداثا لأشكال مبتكرة في الحكي ومساءلة لطرائق السّرد الكلاسيكي ذي المنحى الواقعي الوصفي، وخلخلة لقواعده المكرّسة وقوالبه الجاهزة تنظيرا وإنجازا، رؤية وتشكيلا. بل إنّ من النقاد من يذهب –في صيغة استفهام بلاغي- إلى أنّ الرّواية العربيّة بطبيعتها رواية تجريبيّة نشأة وصيرورة، منطلقا ومآلا. يقول "محمد الباردي" : "أليست (=الرّواية العربيّة) بطبيعتها رواية تجريبيّة باعتبارها رواية حداثية نشأت منقطعة عن تراثها السّردي ونهضت مواكبة لأشهر تحرّكات التجديد والتجاوز في الرّواية الأوروبية والغربيّة عموما؟"،[2] ويخلص "الباردي" إلى أنّ التّجريب "سعي دؤوب في مسارب جديدة لم تطأها قدم، وهو تجاوز مستمرّ للقاعدة والقانون، وهو مخرج الرّواية العربيّة الجديدة من ترهّلها، ولكنّه في الوقت نفسه يعكس حيرة تعاملها مع واقعها في زمن انهيار الثّوابت".[3] ولا ينأى هذا الرّأي عمّا قرّره "ميلان كونديرا" في كتابه (فنّ الرّواية) حينما ربط بين نشأة الرواية الغربيّة وميلاد الأزمنة الحديثة التي هاجمت الحقيقة الشموليّة بوصفها نقيضا للنسبيّة والشكّ والتّساؤل، وهي الأقانيم الثّلاثة التي تشكّل "روح الرّواية" وجوهرها الأصيل.[4]
ولعلّ القيم الجماليّة المؤسّسة للكتابة الرّوائيّة الحداثيّة غربيّها وعربيّها، مشرقيّها ومغربيّها، لا تكاد تخرج عن هذه الدّعائم أو الأقانيم الثّلاثة، ما دام التّجريب –وهو أفق الإبداع ومحرّكه- فعلا تجاوزيّا، مناوئا لمطلقية الشّكل الرّوائي الجاهز والمكرّس، محمّلا بروح الشكّ والتّساؤل، سالكا دروب المغامرة والمخاطرة، متمرّدا على ما استقرّ من قواعد وما استقام من أصول، لا رهان له سوى البحث والكشف، ولا أفق له إلاّ المجازفة واقتحام المجهول و"مهاجمة المستحيل"[5].
ولا يمكن أن يكون ولوجنا عالم "شعيب حليفي" الرّوائي من خلال روايته الأخيرة < مجازفات البيزنطي> إلاّ من باب التّجريب، ولا نستطيع مقاربة كتابته السّرديّة واقتحام مجاهيلها إلاّ إذا انخرطنا في منطقها الإشكالي وتسلّحنا بروحها المغامرة وجازفنا معه في متاهات القصّ وأحابيل التّخييل. فما هي آليات التّجريب وتجلّياته في < مجازفات البيزنطي>؟ وفيم تتمثّل استراتيجياته الخطابيّة وإجراءاته النصّية؟
II-مجازفة العنوان/أو أحابيل الغواية:
إنّ اهتمام "شعيب حليفي" بالعنونة لا يقتصر على ممارسته النصيّة في مجال الكتابة الرّوائيّة، وإنّما تجاوز ذلك إلى التّفكير في "استراتيجيّة العنوان"[6] في مجال التّنظير النّقدي ومقاربة النّصوص الرّوائيّة، ولعلّ هذا الجمع بين الإبداع الرّوائي والإجراء النّقدي أن يكشف عن ميسم بارز من مياسم تجربة "حليفي" الكتابيّة وهو التّجريب الواعي بأصوله النّظريّة وخلفيّاته المرجعيّة، و"الكتابة العالمة" (Ecriture savante) المدركة لسيرورة تشكّلها ومنطق اشتغالها.
إنّ العنوان –على حدّ تعبير كاتبنا نفسه- "شبكة دلاليّة يفتتح بها النصّ ويؤسّس لنقطة الانطلاق الطبيعيّة فيه. والعنوان بوعي من الكاتب، يهدف إلى تبئير انتباه المتلقّي، على اعتبار أنّه تسمية مصاحبة للعمل الأدبي، مؤشّرة عليه".[7]
ويذهب "شعيب حليفي" إلى اعتبار العنوان "ممثّلا لسلطة النصّ وواجهته الإعلاميّة التي تمارس على المتلقي إكراها أدبيّا، كما أنه الجزء الدّال من النصّ الذي يؤشر على معنى ما فضلا عن كونه وسيلة للكشف عن طبيعة النصّ والمساهمة في فكّ غموضه".[8]
وتكمن أهمية العنوان فيما ينهض به من وظائف وما يؤدّيه من أدوار في مستوى البناء النصّي والتّشكيل الجمالي لأنساق الخطاب ودلالاته، فهو "النّواة المتحرّكة التي خاط عليها المؤلّف نسيج النصّ"[9] وهو –للقارئ- مفتاح تأويلي لا غنى عنه لفكّ شفرات النصّ وفكّ مغالقه. فما دلالة العنوان في الرّواية التي نحن منها بسبيل؟ وما هي الوظائف التي ينهض بها؟
إنّ الاستقصاء المعجمي للمادّة اللّفظيّة التي صيغ منها العنوان الرّئيسي في جزئه الأوّل (=المضاف): "مجازفات" أفضى بنا إلى رصد الدّلالات التّالية :
-"الجَزْفُ : الأخذ بالكثرة. وجزف له في الكيل : أكثر. والجَزْفُ : أخذ الشّيء مجازفة وجزافا (فارسي معرب). والجِزَافُ والجَزْفُ : المجهول القدْر مكيلا كان أو موزونا.
والجُزاف والجِزاف والجُزافة والجِزافة : بيعك الشيء واشْتِرَاؤُكَهُ بلا وزن ولا كيل وهو يرجع إلى المساهلة.
والمجازفة : الحدس في البيع والشراء [معرّب (كزاف)]
والمِجْزفة : شبكة يصاد بها السّمك. والجزّاف هو الصّياد.
والجَزُوف من الحوامل : المتجاوزة حدّ ولادتها. وجِزْفَة من النِّعم : قطعة."[10]
وبهذا يتبيّن أنّ المحاور الدّلاليّة التي تنتظم مادة [ج.ز.ف] في معاجم اللّغة تنعقد على معاني المجهول والكثرة ومجاوزة الحدّ والتقطيع والاصطياد وآلته (الشبكة) والحدس (=وهو الظنّ والتّخمين والتوهّم..)، وهي معان جوامع (Archi-sens) تشكّل نوى إشعاع واستقطاب بقدر ما تستقطب معاني النصّ وتكثّفها وتختزلها، فإنّها تشعّ على النصّ بهالة من الدّلالات ودوائر من المعنى تغري القارئ بالإقبال على الأثر الرّوائي واقتحام عوالمه الممكنة، وتهيّئه لتقبّل النصّ مشكّلة أفق انتظاره وتوقّعاته، أو لم يقل "كونغور" : "كلّ عنوان يؤسّس غواية النصّ"؟[11]
ولا ينفصل معنى الغواية عن دلالة "المجازفة" بوصفها مخاطرة ومغامرة وباعتبارها اقتحاما للمجهول ومجاوزة للحدود وانقطاعا عن الوحدة والاكتمال ونزوعا إلى الكثرة والتّقطيع والتجزيء وانصرافا عن الحقيقة المطلقة واليقين المطمئنّ إلى الحدس والظّن والتوهّم. وهذه المعاني جميعها من صميم مفهوم التّجريب الذي ينتظم العمل الرّوائي ويوجّه استراتيجيّاته النصيّة ومقاصده الجماليّة، فتنفتح بذلك دلالة العنوان على أفق الكتابة السّرديّة الرّوائيّة بوصفها مجازفة[12] أي تجريبا، و"شبكة" من العلاقات والدّلالات يصطنعها الكاتب لاصطياد القارئ واقتناص اهتمامه وتوريطه في سيرورة التلقّي والتّأويل.
غير أنّ دلالة العنوان في جزئه الأوّل [=المضاف] لا تكتمل إلاّ بربطه بجزئه الثّاني [=المضاف إليه] وقد ورد معرّفا بالألف واللاّم في صيغة النّسبة إلى مكان وهو "بيزنطة" (البيزنطيّ) فيتكثّف بذلك الغموض والالتباس، وتتعقّد الدّلالة وتتعدّد، ذلك أنّ المرجع الذي عليه ينعقد معنى اللّفظ وتحيل العلامة، مرجع غائم، غامض، يتردّد بين خارج النصّ وداخله بين سياق المقال ومقتضى المقام. فهل بيزنطة هي المكان المرجعي التاريخي أم هل هي مكان نصّي تخييلي يبتنيه الخطاب وتؤسّسه الكلمات؟ ذلك هو الالتباس الذي يشيعه العنوان ويحدثه، و"التلبيس" أو "التلغيز"[13] استراتيجيّة نصّية فاعلة في تشكيل بنيان النصّ وصياغة دلالاته، بل يمكن اعتباره مفتاح اللّغز وكلمة السرّ في رواية < مجازفات البيزنطي> ومشروعها الجمالي القائم على "لعبة المراوغة والإيهام" –بعبارة ش. حليفي نفسه-[14]
غير أنّ "لعبة المراوغة والإيهام" هذه لا تقف فاعليّتها التخييليّة عند حدود العنوان العام الواقع على الغلاف الخارجي للأثر وإنّما تمتدّ لتشمل العنوان الفرعي (le sous-titre) الذي يصاحب العنوان الرّئيسي ويلازمه [روايات قصيرة جدّا]، وقد اضطلع هذا العنوان الفرعي الذي غاب عن الغلاف وظهر في الصّفحة الثّالثة، بوظيفة "تجنيسيّة" تتمثّل في تحديد الهويّة الأجناسيّة للأثر وضبط النّوع الأدبي الذي في إطاره تتحدّد مواثيق القراءة وبروتوكولات التلقّي ويفتح أفق انتظار القارئ ويهيئ مراسم تقبّله للنصّ.
والنّاظر في العنوان الفرعي يفاجأ دونما شكّ بما يعقده هذا العنوان من علاقة تغاير وتباين بينه وبين المؤشّر الأجناسي (l'indication générique) الواقع في الغلاف الخارجي وهو كلمة (رواية). فهل نحن إزاء (رواية) واحدة فيها من عناصر الانسجام (cohérence) وقواعد الاتّساق (cohésion) ما يجعلها نصّا متكاملا متضافرة مكوّناته ومقوّماته؟ أم هل نحن قبالة روايات أربع "قصيرة جدّا" على نحو ما أشار إليه المؤلّف، لا يجمع بينها سوى التجاور النصّي بين دفّتي كتاب واحد؟ هل يردّ هذا التّباين إلى مقصديّة المؤلّف وانتهاجه استراتيجيّة التلبيس والتغميض وإرباك القارئ وتحييره؟ أم هل يعود ذلك إلى تنازع صوتين وإرادتين هما صوت النّاشر الذي صمّم الغلاف وهيّأه للنّشر، وصوت المؤلّف الذي كتب النصّ وهيّأه للقراءة؟ لاشكّ أنّ هذه الأسئلة –وغيرها- إن هي إلاّ "شبكة" ينصبها المؤلّف للإيقاع بالقارئ وإغوائه ولمراوغته وإغرائه، وتزداد هذه الشّبكة إحكاما واللّعبة إتقانا حينما يلج القارئ دهاليز الأثر وأقبيته الدّاخليّة فيفاجئه تضخّم الجهاز العنواني الدّاخلي وتورّمه، وتصدمه كثرة العناوين وتعدّدها وتنوّعها طولا وقصرا، إبانة وإغماضا، إبلاغا وبلاغة. وفيما يلي جدول للعناوين الدّاخليّة وقد بلغ عددها 61 عنوانا موزّعا على 112 صفحة أيّ بمعدّل عنوان لأقلّ من صفحتين :

العناوين الداخلية

مفاتيح


(ص5)
الرواية الأولى(ص7)

*ثلاثة أخبار في سيرة عمر العيار(ص9)

*حكاية بالأبيض والأسود(ص11)

*طقس آخر: - الفصل الأول(ص19)

- الفصل الثاني(ص20)

- الفصل الثالث(ص21)

- الفصل الرابع(ص23)

الرواية الثانية (ص25)

*سيرة تمهيدية للعيساوي(ص27)

*العيساوي(ص29)

*الحجر المنسي:(ص37)- المشهد الأخير(ص37)

- صورة بدون إطار(ص39)

- المشهد البائد(ص42)

*جمرات اللسان:(ص47)- السيدة تقول كلامها(ص48)

- العيساوي يقول كلامه(ص49)

- عمر العيار(ص50)

- إشاعات(ص52)

*سيرة ذاتية(ص53)- يوم الممات خير من يوم الولادة(ص53)

- يوم مر وأيام أمر(ص54)

- محنة المشاق في اختراق الآفاق إلى أحد الأسواق(ص56)

- لا حميدة لا فلوس(ص57)

- في كل محنة منحة(ص59)

- حينما صرت وزيرا(ص62)

- هيئة الإنصاف(ص64)
الرواية الثالثة (ص65)

*أحمد العباوي(ص67)

*ملفات أحمد العباوي:(ص69)- ذخيرة المساء(ص69)

- ليل محتمل، نهار سوريالي(ص70)

- بطولة منسية(ص71)

- آخر العباد(ص72)

- التقرير(ص75)
الرواية الرابعة (ص79)

*خمسة أخبار حول مصطفى الخمري(ص81)

*البحث عن الحكاية:(ص83)- ضوء السهو(ص84)

- من قبل هذا الوقت(ص84)

- بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ(ص85)

- البداية الأولى للحكاية(مقتطف من رسالة غير مؤرخة)(ص85)

- رؤى فارغة(ص87)

- رؤى عامرة(ص88)

- من زمن العيساوي(ص89)

- ملاحظات نهائية(ص92)

*حالات الكاتب مصطفى:(ص93)- جمل مخبأة بعناية(ص93)

- أبخرة الكيف(ص96) *استطراد لا بد منه(ص96)

- عين الإبرة(ص97) *تحليل لا تأويل(ص98)

- نص المحضر(ص100)

- حبس(ص101)

- شعاعات(ص102)

- حكاية للتوضيح(ص103)

*الرواية الأخيرة(ص105):[ هذا الجزء مقسم إلى فقرات مرقمة من1 إلى6 ]

- الكلمة لي(سعيد الطالبي يأخذ الكلمة) (ص108):[مقسم إلى فقرات مرقمة من5 إلى1 ]

إنّ الاشتغال النصّي للجهاز العنواني الدّاخلي تحكمه مقصديّة الذّات الكاتبة ورهاناتها الجماليّة، وهي مقصديّة تنعقد على هاجس التّشتيت والتّقطيع والتّفتيت للبنية النصّية وتفكيك وحدتها وإنهاك الحبكة الرّوائيّة وتقويض انسجامها، وكسر منطق الاسترسال الحكائي وانتظامه الخطّي، فضلا عن نزوع الكتابة إلى الانعطاف على نفسها والعكوف على ذاتها في ضرب من الانعكاس الذّاتي (Auto-reflexion) والافتنان النّرجسي بمظهرها النصّي، ذلك أنّ كثرة العناوين وتضخّم عددها على هذا النّحو اللاّفت إنّما يشكّل ضربا من عودة النصّ على ذاته ليعلن عن وجوده بوصفه كيانا لغويّا ماديّا يوشّح مظهره الخارجي بألوان التّوشية والزّخرفة والتوشيح، ويجمّل واجهته بصنوف الزّينة والبهرج والتّرصيع، والفرق بيّن بين النصّ العاطل (الخالي من العناوين)، والنصّ المتبرّج (المثقل بالعناوين).
وتتراوح العناوين الدّاخليّة في < مجازفات البيزنطي> بين العناوين الغرضيّة (thématiques) المتعلّقة بالمضامين والثّيمات، والعناوين الصّيغيّة (Rhématiques) المحيلة على جوانب الصّياغة ونمط الخطاب (الرواية الأولى والثّانية.../ سيرة تمهيديّة../ ثلاثة أخبار../ سيرة ذاتية/ حكاية للتّوضيح...). وتتراوح أيضا بين العناوين الإخباريّة التصريحيّة الواضحة (السيدة تقول كلامها../ بعد عشر سنوات من ذلك التّاريخ...) والعناوين الشعرية التلميحيّة الغامضة (جمرات اللّسان/ في كل محنة منحة/ ليل محتمل، نهار سوريالي/ ضوء السّهو...). والمراوحة قائمة أيضا بين العناوين التراثيّة التأصيليّة (ثلاثة أخبار في سيرة عمر العيار/ محنة المشاقّ في اختراق الآفاق إلى أحد الأسواق..) والعناوين الحداثيّة التجديديّة (ضوء السّهو/ ليل محتمل، نهار سوريالي/ المشهد الأخير/ صورة بدون إطار...).
ولعلّ هذا التنوّع في ضروب العناوين أن يكشف عن سمة التعدّد والتنوّع و"التكوثر" –بعبارة طه عبد الرحمان[15]- وهذه السّمة قائمة في العنوان العام للأثر (الجزف: الأخذ بالكثرة)، فالتعدّد يتمثّل في مستوى الأجناس الأدبيّة (الرواية/ الخبر/ السيرة/ الرسالة/ الحكاية/ التقرير/المسرح/ اليوميّات..)، وفي مستوى الصيغ التعبيريّة أو البلاغيّة (التصريح/ التلميح- الغموض/ الوضوح-الإخبار/ الإثارة- الألفة/ الغرابة..).
وهذا التعدّد أو "التكوثر" في مستوى العناوين الدّاخليّة ليس إلاّ تصريفا لصيغة الجمع في العنوان الرّئيسي (مجازفات/روايات)، غير أنّ هذا التعدّد وما يستتبعه من تجزيء وتفتيت لا يعني الفوضى (خلاّقة كانت أو هدّامة) وإنّما ينتظمه منطق لا يكشف عنه النّقاب ولا يزيل الحجاب إلاّ التحليل النصّي الدّقيق للعمل الرّوائي، والتأويل القرائي اليقظ الذي يؤلف المختلفات ويجمع بين أعناق المتنافرات ويرصد الوحدة في الكثرة ويبحث عن النظام الخفي في الفوضى الظّاهرة.
ولئن نهضت استراتيجيّة العنونة في رواية "حليفي" < مجازفات البيزنطي> بوظائف عديدة من قبيل التسمية والتعيين والإغراء والإيهام وغيرها فإنّها كانت محكومة بمقصدية مراوغة، مخاتلة، تنحو نحو الإغماض والتّلبيس وتنزع إلى المجاوزة والمجازفة في مسار تجريبي تحديثي يحقّق للأثر الرّوائي فرادته وتميّزه واختلافه، وقد تجسّد هذا الاختلاف في جميع البنيات النصيّة التي يتشكّل منها العمل الرّوائي ولعلّ من أهمّها الفاتحة النصّية أو الاستهلال الرّوائي (Incipit). فما هي ملامح التّجريب في هذا المكوّن النصّي ؟
III-مجازفة الاستهلال/ أو متاهات البدايات:
ليس اهتمام "حليفي" بالاستهلال الرّوائي أو "البداية" تنظيرا وإبداعا بأقلّ من اهتمامه باستراتيجيّة العنونة ممارسة نصّية وإجراء نقديّا، فكاتبنا روائيّ وناقد يتكلّم بلسانين أو بألسنة عديدة ومن العسير أن نفصل بين كلامه وكلامه على الكلام، أو بين إبداعه ونقده، دون أن يعني ذلك ارتهان الأوّل للثّاني أو إخضاع الثّاني للأوّل. وليس هذا سبيلنا في هذا الموضع على أيّة حال.
يعتبر "شعيب حليفي" أنّ "البداية" تشغل في الرّواية العربيّة "أهمية استراتيجيّة من أجل فهم آليات تكوّن النصّ وانفتاحه، كما تشكّل دورا توجيهيّا يقود الدّلالة من الكثافة والغموض إلى حقول توسّع المعنى وتضيئه."[16] وتتأتى أهمية البداية أو الجملة العتبة –حسب الكاتب- من كونها "حلقة تواصل بين المؤلّف والسارد من جهة، وبين المتلقّي من جهة ثانية، وعبرها يتمّ تحديد العديد من المنطلقات الأوّلية التي تهمّ الجنس الأدبي وإفضاءاته."[17] ومن خلالها يسعى الرّوائي إلى "رسم أنفاقه التخييليّة وشدّ القارئ للولوج معه وسبر تلك الخيالات المرفودة بأحداث وشخصيّات وأحلام ومجازفات".[18]
إنّ البداية الرّوائيّة –لدى "شعيب حليفي"- "مجازفة وباب يقود المتلقي عبر اللّغة السّردية والأوصاف إلى عالم النصّ الرحيب حيث يتشكل البناء وتتفاعل المكونات من أجل تحقيق أدبيّة النص"[19].
ولئن اقترن البحث في مسألة البداية أو الفاتحة بالنّظر في حدودها النصّية الملتبسة وتصنيفاتها الممكنة ووظائفها المنجزة،[20] فإنّ موقعها الاستراتيجي الهامّ واشتغالها النصّي بوصفها موجّها ومحرّكا للنصّ ككلّ، يفرض على الباحث التلبّث عندها والوقوف على عتبتها لاستجلاء آلياتها وتبيّن وظائفها.
والنّاظر في < مجازفات البيزنطي> لا يكاد يتخطّى عتبة حتى تفضي به إلى عتبة ثانية وثالثة وأخرى.. في ضرب من التعرّج المتاهي والتعثّر النصّي المفضيين إلى أبواب مغلقة، موصدة، يحتاج معها القارئ/السالك في دروب النصّ الملتوية إلى "مفاتيح" [=عنوان البداية الأولى/ص5] يستعين بها لفضّ مغالق المعنى وتوضيح غوامضه وتأويل دلالاته المحجّبة المستترة.
إنّ البداية في < مجازفات البيزنطي> بدايات[21]، وهي مغايرة لنمط البداية في الرّواية الواقعيّة الكلاسيكيّة التي يستهلّها الرّوائي بتحديد الإطارين المكاني والزّماني والتّمهيد للعقدة ووصف الشّخصيّات نفسيا ومادّيا واجتماعيّا، والإمساك بيد القارئ لإدماجه شيئا فشيئا في العالم التخييلي للنصّ الرّوائي وإرغامه على الخضوع لمنطقة الإيهامي القائم على التّماهي والتطهير –بالمعنى الأرسطي للعبارة (Catharsis)- أمّا البداية النصّية في روايتنا التي نحن منها سبيل، فهي صادمة لوعي المتقبّل ومربكة لأفق انتظاره وبنية توقّعاته، باعثة على القلق والحيرة والتّساؤل، منطوية على أسرار ملغزة وأحاج معقّدة تنتظمها شبكة من الألفاظ لعلّها أن تكون هي "المفاتيح" المقصودة من العنوان : (متاهة – الوهم – تختلط – ألوان وأصوات – غايات ملتبسة – تحكي ما لا تعرفه أبدا – الثّرثرة – تدخين الكيف – تناوب فادح على الحكي..)
وبهذا يمكن اعتبار البداية (الأولى) شبيهة بـ"صندوق الأدوات" الذي يحتوي "مفاتيح" النصّ أو مضارعة "للجينوم النصّي" الحامل للبرنامج الوراثي للسّرد والموجّه لنشاطه والمتحكّم بمسارات تخلّقه وتكوّنه وصيرورته، ولن نجد عبارة أشمل دلالة ولا أدقّ تعبيرا عن هويّة العمل الرّوائي وماهيته من عبارة "متاهة" بكلّ ما توحي به من معاني الغموض والغرابة والالتباس والتداخل والاختلاط والهذيان والوهم والفانطازيا... وهي الملامح المميّزة للتجريب الرّوائي في < مجازفات البيزنطي> والسّمات المعبّرة عن خصوصيّته.
ولئن كانت وظائف البداية –في نظر "أندريا دالاّنجو"- تتمثّل في الإعلان عن انطلاق القصّ وإثارة اهتمام القارئ وإغرائه وتجنيس النصّ وإخراج التخييل من حيّز الكمون إلى مجال التحقّق الفعلي وغيرها، فإنّ وظيفة البداية في رواية "حليفي" لا تعدو أن تكون تعميقا للالتباس وتغميضا للدّلالة وتحفيزا للقارئ لاقتحام مجاهيل النصّ ودهاليزه المعتّمة والمجازفة مع المؤلّف في رحلته التخييليّة الرّوائيّة ،وهي "رحلة يحتاج المرء [فيها] إلى استثناءات يدخل بها إلى هذا الاستثناء العظيم، كي يحيا ويتأمّل الهوّة والمتاهة ويصيخ السّمع إلى هديرهما الممتدّ".[22]
ولا يخفي المؤلّف (السّارد؟) تعاطفه الماكر وتعاونه المخاتل مع قارئه المفترض حين يعلن في إحدى البدايات الممكنة لروايته/رواياته الموسومة بـ(حكاية بالأبيض والأسود) قائلا : "يباح لكلّ قارئ تأويل دلالات هذه الرّواية القصيرة جدّا انطلاقا من ثنائيّة الأبيض والأسود"[23]، ويتداخل هذا الملفوظ من حيث ماهيته ووظيفته بالمقدّمة (Préface) التي يسوقها المؤلّف كاشفا عن خطّته في الكتابة واستراتيجيّته في السّرد عاقدا مع القارئ ميثاق التقبّل وشروط التّواصل، مؤكّدا على المظهر الوقائعيّ (l'aspect factuel) للنصّ الحكائي وطريقته في عرض الأحداث وتقديمها ومبرزا نصيب الواقع من الخيال والحقيقة من الوهم في الحكاية ومقترحا كيفيّة ملائمة لقراءة النصّ وتأويل دلالاته.
إنّ العالم التخييلي المتاهي الذي يشيّده المؤلّف في عمله الرّوائي قائم على استراتيجيّة نصّية قوامها التّلاعب بأعراف السّرد الرّوائي ومواضعاته، وإرباك القارئ ومصادمة توقّعاته، وزعزعة اطمئنانه ويقينه و"أمنه القرائي"، وتلك هي حكمة الرواية –في نظر "ميلان كونديرا"- "حكمة اللاّيقين"[24] وانهيار الثّوابت وثورة الشكّ والرّيبة، فالرّواية تنطلق ولا تبدأ، والعنوان يعيّن ولا يشير، يثبت وينفي، يبيّن ويعمّي، في ضرب من الاشتباه والتّمويه، وفي سياق ملتبس غامض لا يزيده سؤال التجنيس إلاّ تلبيسا وتدليسا.
IV-مجازفة الجنس / أو تلبيس التجنيس :
لئن كانت الرّواية -على وجه العموم- جنسا مارقا خارجا على كلّ القوانين[25]، و"الجنس الذي لا حدود له"[26]، فإنّ نصّ < مجازفات البيزنطي> لشعيب حليفي يعلن منذ عتباته النصيّة الأولى مناوأته لنظام الأجناس وتمرّده على قوانينه ومواضعاته، إذ تعمد القرائن والمؤشّرات الطّباعيّة إلى وسم الأثر بتسميتين أجناسيتين مختلفتين وهما "رواية" بصيغة الإفراد، و"روايات قصيرة جدّا" بصيغة الجمع المخصّصة بنعت (قصيرة جدّا). وإذا كانت التسمية الأولى مألوفة معهودة في الاستعمال والتّداول، فإنّ التسمية الثّانية مباينة للشائع والمعروف من المصطلحات الأجناسيّة الرّائجة في مجال الكتابة السّرديّة الرّوائيّة، ولعلّها المرّة الأولى التي يجنّس فيها كاتب روائيّ نصّا على هذا النّحو.
ولمّا كان "الجنس" الأدبي مصطلحا قرائيّا[27]ومفتاحا تأويليّا يحدّد أفق الانتظار ويوجّه مسارات التقبّل ويضبط مراسم القراءة وبروتوكولاتها، فإنّ استراتيجيّة التجنيس في كتابه "حليفي" تنصرف إلى التّعتيم والتلبيس والإغراب وتهدف إلى إرباك القارئ وتخييب انتظاراته ومصادمة توقّعاته، ذلك أنّ النصّ الذي ينشئه ملتبسة هويّته، غامضة ماهيّته، يتردّد بين الوحدة والكثرة، بين الإفراد والجمع، بين الإطناب والاقتضاب،.. فهل يتعلّق الأمر برواية واحدة منسجمة مكوّناتها، متماسكة عناصرها، متلاحمة أجزاؤها أم بروايات أربع لا رابط بينها ولا ناظم سوى تجاورها بين دفتي كتاب واحد، وكأنّنا إزاء مصنّف مجموع لا نصّ موضوع. أليست "الكثرة" و "مجاوزة الحدّ والمقدار" من معاني "المجازفة ومصاحباتها الدّلاليّة؟ أو ليس التّجريب والحداثة "تجاوزا مستمرّا للأشكال"؟[28].
ذاك هو ما يتكشّف للنّاظر حالما يستجلي النّسيج النصّي الذي ينتظم الأثر، فإذا هو مجمع أجناس (Archi-genre) ومحفل أنواع، فسيفساء من الأجناس والأنماط الخطابيّة، "جوقة" من الأصوات متآلفة في اختلافها، متناغمة في تنافرها، متنابذة في تجاذبها، إنّها كتابة مجاوزة للأنواع أو "عبر – نوعيّة" –حسب مصطلح الخراط[29]- لا تخضع لنظام يوحّدها سوى فوضاها، ولا منطق يحكم تعالقها سوى غرابة تجاورها وتحاورها وتجاوزها. فإذا نحن إزاء أشكال من القصّ تتنازعها هواجس التأصيل ومنازع التحديث، فتتجاور "الرحلة" و"الخبر" و"السيرة" (الغيرية) و"الحكاية" و"أدب الأيام" و"تعبير المنام" والحكاية المثلية مع "الرواية" و"السيرة الذاتية" و"اليوميات" و"الترسّل"، وتتصادى الفنون القوليّة مع الفنون اللاّقولية من رسم وتصوير (صورة بدون إطار / حكاية بالأبيض والأسود..) وفنّ الفرجة (التقسيم إلى فصول ومشاهد..). غير أنّ ما يزيد في تقويض الهوية الأجناسيّة لـ< مجازفات البيزنطي> وتهديد صفائها النّوعي إنّما هو ما عبّر عنه بعض النقاد بعبارة "تشعير الحكاية"[30] (Poétisation du récit) وما يترتّب على ذلك من تنازع وتدافع، أو من توالج وتواشج، بين مقامين تلفظيين متباينين في الأصل والطبيعة والفاعلية وهما مقام التلفظ الغنائي (lyrique) بما فيه من ذاتية، وانفعاليّة، وتعبير استعاري وصوغ مجازي وتخييل شعري، وانزياحات أسلوبيّة عن مألوف العبارة ومعهود القول، وبين مقام التلفّظ السردي بما فيه من "موضوعيّة" ونزوع إلى التمثيل والإخبار والتقرير، والإيهام المرجعي والحرص على التوصيل والتّبيين والتّوضيح.
وقد أضفى هذا التداخل والتفاعل بين المقامين ضربا من الالتباس والإرباك على سعى القارئ إلى تجنيس الخطاب وتحديد هويّته النصّية، ذلك أنّ اختراق "الشعريّ" (le poétique) للسردي (le narratif) قد أفضى إلى انتهاك قواعد الجنس الرّوائي وكسر منطق انتظام السّرد فيه وكسر زمنيّته الخطية والإخلال بنسق استرساله، وذلك من خلال جنوح الخطاب في الأثر الذي نحن منه سبيل، إلى العدول عن الإبانة والإيضاح والتصريح إلى الإغراب والإغماض والتّلميح، والانصراف عن التّمثيل السّردي والإيهام المرجعي إلى التأثير الانفعالي والتخييل الاستعاري، والاستعاضة –في مواضع كثيرة- عن الإبلاغ بالبلاغة، وعن الإخبار بالوقائع إلى الإمتاع بالصّور. فالأنا المتلفّظ في <مجازفات البيزنطي> يحتفي باللّغة أيّما احتفاء وينتشي بتجويد العبارة وتبعيد الإشارة ويمضي في تغميض الاستعارات وتعقيد المجازات، في ضرب من الانجذاب والانخطاف، أو لم يقل القائل (؟) في أحد المواضع : "السهو هو أغبرة عيارية للنفس لا تخصب إلاّ التيه أو التأمّل، أمّا الكلام فهو لحظات المناجاة الصوفيّة" (ص89).
إنّ الإهاب الشّعري الذي يكسو اللّغة في نص "حليفي" هو الذي يحوّل وجهة الخطاب ويصرف اهتمامه من الوظيفة التمثيلية بالإحالة على العالم المرجعي إلى الوظيفة الشعرية بانعطاف الكلام على ذاته وافتتانه النرجسي بصورته في "مرايا التجلّي". يقول القائل (؟) [هل هو السارد أم المؤلف؟] : "اقترب من بياض اللّوحة الملئ بمرايا التجلّي، حوض القيامة، أو حوض التوبة من خطايا هذا العالم، كبس نظراته وفتح شريعة الخيال ثم خطّ بريشة صرخته الجميلة..."(ص30).
غير أنّ المكوّن "الشعريّ" في نصّ "المجازفات" لا يقتصر مجال اشتغاله في مستوى بلاغة العبارة وشعريّة اللّفظ، وإنّما يتجاوز ذلك إلى مستوى بلاغة الجنس وإنشائيّة النوع الأدبي، وهو ما يظهر بجلاء في مستوى تركيب الأفعال السردية وطرق انتظامها في هيأة من التشتّت والتبعثر والتفتيت، وفي مستوى بناء الفواعل ومنطق تشكيلها في ضرب من المراوحة بين الوحدة والكثرة، وبين التفرّد والتعدّد وبين الوجه والقناع، وبين الذّات والقرين (son double)، وبين الواقعي والعجيب، وبين الإنساني والحيواني،... فالكلّ يرتدّ إلى الواحد يجمعه ويضمّ شتاته، والواحد يتشظّى إلى آحاد متفرّقة متباعدة، "فعمر العيّار" و"العيساوي" و"أحمد العباوي" و"مصطفى الخمري" جمع في صيغة المفرد أومفرد في صيغة الجمع[31] تفرّق بينهم أوضاع النشأة وأحوال المعيشة وأوساط الحياة، ويجمعهم الانتماء إلى زمن التيه والخيبة والضّياع والهزيمة والانجذاب إلى متعة القصّ وصناعة الأوهام واختلاق التخاييل، والالتقاء في مقهى "بيزنطة" تلك "المساحة الضّروريّة لدفن الاستيهامات واستكمال الحرب الباردة... في النّفس المشقوقة" (ص50). و"مرتع التفكّر والبحث عن الحياة"، حيث تقتعد الشخصيات "في جلسات تفاوض مسمّى حول حصصها من تدخين الكيف وشرب الشّاي والوهم اليومي فتختلط أدخنة كلّ شيء بأبخرة الثّرثرة والحكي.. وبمختلف ألوانها واصواتها الممتدّة مثل غايات ملتبسة"(ص5) في هذا المكان تتحوّل الثّرثرة إلى حكايات، ويستحيل الخيال إلى واقع، ويغدو الواقع وهما واختلاقا واستيهاما وفانطازيا...
إنّ التقطّع والتفكّك والتعدّد والتشظّي والتفتيت... هي القانون السّاري في مفاصل النصّ والنّول الذي ينتسج عليه ويلحم سداه، فلا انتظام ولا انسجام، بل انقسام وانفصام في جميع مستويات النصّ ومكوّناته، أفعالا وفواعل، خطابا وحكاية، وصفا وسردا، شكلا ومضمونا، وكأنّ مسعى الذّات الكاتبة في خطابها هو البحث عن "دليل الاستعارة البيضاء(ص92) والتوغّل في "اللّحظات الموغلة في الإشراق" (ص92)، فـ"كلّ البدايات بدلالاتها المتقطّعة هي حطب للحكاية المفتقدة وإلهام للبحث عن الكلام الأوّل" (ص92).
و"اللّغة وحدها التي تؤسس للفعل وتقيم علاقتها المتحرّرة مع الموت والمنفى والخيمة المعزولة" (ص21). أمّا الكتابة فهي تذكير دائم بالعجز "مادامت تعويضا ما –رمزيا أو وهميّا- عن فقدان أو كبت" (ص42)...
ولا يخفى – من خلال هذه الشّواهد المنزوعة من النصّ- ما للرّواية الواصفة[32] أو [الميتاروائي] (métafiction) من دور في تشكيل شعرية الخطاب الروائي وبلاغته التخييليّة، إذ يضطلع المتلفّظ في < مجازفات البيزنطي> بمهمّة الكلام والكلام على الكلام، فينكفئ الخطاب على ذاته مفتتنا بنفسه كاشفا عن بعض أسراره، محيلا على قوانين انتظامه وآليات اشتغاله، مصرّحا على نحو جليّ ظاهر حينا وملمّحا بطريقة خفيّة ضمنيّة حينا آخر.
فإذا الكلام نقل لأفعال ا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مجازفات السّرد ومجازاته
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» حفل توقيع رواية مجازفات البيزنطي/سلطانة نايت داود

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى ابن امسيك للثقافة :: دراسات أدبية-
انتقل الى: