الصحابي المؤمن عمار بن ياسر رضوان الله عليه ...!
بسم الله الرحمن الرحيم
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) البينة /7 .
نبوءة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم.
استشهد عمار بن ياسر رضوان الله عليه ، على يد معسكر الفتنة معاوية أبن أبي سفيان في معركة صفين لوقوفه جنب الإمام علي ألن أبي طالب عليه السلام ، وبهذه تحققت نبوءة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم.....
قال رسول الله صلى الله عليه وآله :" صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة" . وقال صلي الله عليه وآله وسلم لعمار وهو ينفض التراب من على رأسه في بناء المسجد : ( وَيْحَ ابن سمية ، تقتله الفئة الباغية) .
خرج والد عمار بن ياسر من بلده اليمن يريد أخا له ، يبحث عنه ، وفي
مكة طاب له المقام فحالف أبا حذيفة بن المغيرة ، وزوجه أبو حذيفة إحدى
إمائه ( سمية بنت خياط ) ورزقا بابنهما ( عمار ) ، وكان إسلامهم مبكرا .
تعذب عمار بن ياسر مع أخوة الإيمان في معسكر الشرك ..
وشأن الأبرار المُبَكّرين أخذوا نصيبهم الأوفى من عذاب قريش وأهوالها ، ووُكل أمر تعذيبهم إلى بني مخزوم ، يخرجون بهم جميعا ياسر و سمية وعمار كل يوم إلى رمضاء مكة الملتهبة ويصبون عليهم من جحيم العذاب ، وكان الرسول - صلى الله عليه و,آله وسلم - يخرج كل يوم إلى أسرة ياسر مُحييا صمودها وقلبه الكبير يذوب رحمة وحنانا لمشاهدتهم ، وذات يوم ناداه عمار :( يا رسول الله ، لقد بلغ منا العذاب كُلَّ مبلغ ) فناداه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- :( صبرا أبا اليَقْظان ، صبرا آل ياسر فإن موعـدكم الجنة ).
ولقد وصـف أصحاب عمار العذاب الذي نزل به فيقول عمـرو بن ميمون :( أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار ، فكان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- يمر به ، ويُمر يده على رأسه ويقول : يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت بردا وسلاما على إبراهيم ) . وأبن مردوية والحاكم وصححه والبهيقي في الدلائل من طريق أبي عبيده بن محمد بن عمار عن أبيه قال أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وآله وذكر آلهتهم بخير ثم تركوه فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما وراءك شئ قال شر ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير قال وكيف تجد قلبك قال مطمئن بالإيمان قال إن عادوا فعد فنزلت إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان . أخرج أبن سعد :( كان عمار يعذب حتى لا يدري ما يقول ) وقد فقد وعيه يوما فقالوا له :( اذكر آلهتنا بخير ) وأخذوا يقولون له وهو يردد وراءهم من غيـر شعور وبعد أن أفاق من غيبوبتـه وتذكر ما كان طار صوابـه ، فألفاه الرسـول - صلى اللـه عليه وآله وسلم- يبكي فجعل يمسح دموعه بيده ويقول له :( أخذك الكفار فغطوك في الماء فقلت : كذا وكذا ؟) أجاب عمار وهو ينتحب :( نعم يا رسول الله ) فقال له الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- وهو يبتسم :( إن عادوا فقل لهم مثل قولك هذا ) ثم تلا عليه الآية الكريمة
قال تعالى :( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) النحل/106 .
واسترد عمار سكينة نفسه ، وصمد أمام المشركين .
رسول الله صلى الله عليه وآله وحبه لعمار..
استقر المسلمون بعد الهجرة في المدينة ، وأخذ عمار مكانه عاليا بين المسلمين ، وكان الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- يحبه حبا عظيما ، يقول عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- ( إن عمّارا مليء إيمانا إلى مُشاشه - تحت عظامه - ) وحين كان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- مع أصحابه يبنون المسجد بالمدينة إثر نزولهم فيها . ومن المثبت أنه مجانس لأهل البيت عليهم السلام هو و أبو ذر فقال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ما أظلت الخضراء ولا وطأ الغبراء ذو لهجة أصدق من أبي ذر) وأما المقداد فمنزلته منزلة سلمان ، بمقتضى دلالة من قول رسول الله صلى الله عليه وآله ( المقداد قد مني قدا) . فالقول فيه وفي سلمان على صفة واحدة . وكذا منزلة عمار بن ياسر رضي الله عنه ، لقوله عليه السلام ( عمار جلدة بين عيني تقتله الفئة الباغية) أراد بها المجانسة وهم النخبة الطيبة التي أحبو الله ورسول الله والإسلام وأهل البيت ، وكذلك خزيمة بن ثابت رضي الله عنه وأبي بن كعب فشرفه ظاهر لغزارة علمه بالكتاب المجيد . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قل : أن الجنة تشتاق إلى أربعة علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود . رواه الترمذي وغيره والطبراني . وقال أبو مسلم الكشي ثنا إبراهيم بن بشار الرمادي ثنا سفيان بن عيينة عن الكثير النواء عن المسيب بن نجية عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قال أن النبي صلى الله عليه وآله قال أعطي كل نبي تسعة رفقاء وأعطيت أربعة عشر فقيل لعلي من هم قال أنا وابناي الحسن والحسين وحمزة وجعفر وأبو بكر وعمر والمقداد وعبد الله بن مسعود وأبو ذر والمقداد وحذيفة وعمار وسلمان رحمهم الله إن عمّارا جِلْدَة ما بين عيني وأنفي ) وحين وقع خلاف عابر بين خالد بن الوليد وعمّار قال الرسول صلى الله عليه وآله :( من عادى عمّارا عاداه الله ، ومن أبغض عمّارا أبغضه الله ) فسارع خالد إلى عمار معتذرا وطامعا بالصفح ، وروي العوام بن حوشب عن سلمة بن كهيل عن علقمة عن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من عادى عمار عاداه الله ، ومن أبغض عمار أبغضه الله ) ، ونفس الحديث عن خالد بن الوليد قال : كان بيني وبين عمار كلام فاغلظت له فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وآله فجاء خالد فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله رأسه فقال : ( من عادى عمار عاده الله ...الحديث). وأن عمار بن ياسر من السابقين الأولين إلى الإسلام صحب النبي صلى الله عليه وآله ،والخليفتين رضوان الله عليهم وأمير المؤمنين علي عليه السلام ، وأن مناقب عمار بن ياسر رضوان الله عليه كثيرة وكفاه فخرا خطاب النبي صلى الله عليه وآله له : " صبرا يا آل ياسر إن موعدكم الجنة" .
درجة إيمان عمار رضوان الله عليه
لقد بلغ عمار في درجات الهدى واليقين ما جعل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- يُزَكي إيمانه فيقول :( اقتدوا باللذين من بعدي ، واهتدوا بهدي عَمّار ) كما أن حذيفة بن اليمان وهو يعالج سكرات الموت سأله أصحابه :( بمن تأمرنا إذا اختلف الناس ) فأجابهم :( عليكم بابن سمية (( يعني سمية بنت الخياط والدة عمار التي استشهدت من جراء التعذيب في معسكر الشرك أبا سفيان قبل الفتح )) فإنه لا يفارق الحق حتى يموت ).
نبوءة الرسول
أثناء بناء مسجد الرسـول - صلى الله عليه وآله وسلم- أخذ الحنان الرسـول الكريـم إلى عمار ، فاقترب منه ونفض بيده الغُبار الذي كسي رأسه ، وتأمل الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- وجه عمار الوديع المؤمن ثم قال على ملأ من أصحابه :( وَيْحَ ابن سمية ، تقتله الفئة الباغية ) وتتكرر النبوءة حين يسقط الجدار على رأس عمار فيظن بعض إخوانه أنه مات ، فيذهب إلى الرسول ينعاه ، فيقول الرسول - صلى الله عليه وآله سلم- بطُمأنينة وثقة :( ما مات عمار ، تقتل عماراَ الفئة الباغية ) .
عبد الله بن عمر يقول في عمار يوم اليمامة ..
بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- واصل عمار تألقه في مواجهة جيوش الردة والفرس والروم ، وكان دوما في الصفوف الأولى .. وفي يوم اليمامة انطلق البطل في استبسـال عاصف ، وإذا يرى فتـور المسلمين يرسل بين صفوفـهم صياحه المزلزل فيندفعون كالسهام ، يقول عبـد الله بن عمـر :( رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخـرة وقد أشرف يصيح :( يا معشر المسلمين أمِـن الجنة تفـرّون ؟؟ أنا عمار بن ياسر هلُمّـوا إلي) فنظرت إليه فإذا أذنه مقطوعة تتأرجح ، وهو يقاتل أشد القتال.
تولى ولأية الكوفة في عهد الفاروق رضوان الله عليهم.
لفضائله - رضوان الله عليه - سارع عمر بن الخطاب واختاره والياً للكوفة وجعل ابن مسعود معه على بيت المال ، وكتب إلى أهلها مبشرا :( إني أبعث إليكم عمَّار بن ياسر أميرا وابن مسعود مُعَلما ووزيرا وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد ومن أهل بدر ) يقول ابن أبي الهُذَيْل وهو من معاصري عمار في الكوفـة :( رأيت عمار بن ياسر وهو أميـر الكوفة يشتري من قِثائها ثم يربطها بحبـل ويحملها فوق ظهـره ويمضي بها إلى داره ) كما ناداه أحد العامة يوما :( يا أجدع الأذن ) فيجيبه الأمير :( خَيْر أذنيّ سببت ، لقد أصيبت في سبيل الله ).
عمار ووقوفه جنب الحق مع الإمام علي ، ضد فتنة معاوية.
وجاءت الفتنة ووقع الخلاف بين الإمام علي - كرم الله وجهه وعليه السلام - ومعاوية ، فوقف عمار إلى جانب علي بن أبي طالب عليه السلام مُذعنا للحق وحافظا للعهد وفي يوم صِفِّين عام 37 هجري خرج عمار مع علي بن أبي طالب عليه السلام وكان عمره ثلاثا وتسعين عاما ، وقال للناس :( أيها الناس سيروا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يزعمون أنهم يثأرن لعثمان ، و والله ما قصدهم الأخذ بثأره ولكنهم ذاقوا الدنيا ، واستمرءوها وعلموا أن الحق يحول بينهم وبين ما يتمرّغون فيه من شهواتهم ودنياهم ، وما كان لهؤلاء سابقة في الإسلام يستحقون بها طاعة المسلمين لهم ولا الولاية عليهم ، ولا عرفت قلوبهم من خشية الله ما يحملهم على اتباع الحق وإنهم ليخدعون الناس بزعمهم أنهم يثأرون لدم عثمان ، وما يريدون إلا أن يكونوا جبابرة وملوكا ) ثم أخذ الرايـة بيده ورفعهـا عاليا وصـاح في الناس :( والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- وهاأنذا أقاتل بها اليوم ، والذي نفسي بيده لو هزمونا حتى يبلغوا سعفات هَجَر ، لعلمت أننا على الحق وأنهم على الباطل) .
تحقق نبوءة الرسول
كان عمار بن ياسر وهو يجول في المعركة يؤمن أنه واحد من شهدائها ، وكانت نبوءة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- أمام عينيه :( تقتل عماراَ الفئة الباغية ) من أجل هذا كان يغرد قائلا :( اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه ) ولقد حاول رجال معاوية أن يتجنبوا عمَّارا ما استطاعوا ، حتى لا تقتله سيوفهم فيتبين للناس أنهم الفئة الباغية ، ولكن شجاعة عمار ابن الثالث والتسعين وقتاله كجيش لوحده أفقدهم صوابهم حتى إذا تمكنوا منه أصابوه ، وانتشر الخبر ، وتذكر الناس نبوءة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- فزادت فريق الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام إيمانا بأنهم على الحق ، وحدثت بلبلة في صفوف معاوية ، وتهيأ الكثير منهم للتمرد والانضمام إلى معسكر الإمام علي عليه السلام ، فخرج معاوية خاطبا فيهم :( إنما قتله الذين خرجوا به من داره ، وجاءوا به إلى القتال ) وانخدع الناس واستأنفت المعركة ، ومكر معاوية كما مكر وهو شيخ المكره وطاعن المسلمين في الصميم ...!
شهادته رضوان الله عليه في صفين..
حمل الإمام علي عليه السلام عماراً فوق صدره إلى حيث صلى عليه والمسلمـون معه ، ثم دفنه في ثيابه ، ووقف المسلمون على قبـره يعجبون ، فقبل قليـل كان يغـرد :( اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه ) وتذكروا قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم- :( اشتاقت الجنة لعمّار). وأن تنبؤات الرسول صلى الله عليه وآله كثير بحوادث ووقائع كثير وخصوصاً في بنو أمية وتحريضهم وتفريقهم لصفوف المسلمين بعد وفاته ، وأخبرهم بها . ومن تلك التنبؤات : خلافة بني أمية ودولتهم الجائرة ، نشأة الخوارج وقتل أمير المؤمنين علي عليه السلام إياهم ، شهادة عمار بن ياسر بسيوف الفتنة الباغية والإخبار . وكل هذه التنبؤات مروية في الصحيحين ، صحيح البخاري 4: 242 كتاب بدء الخلق باب علامات النبوة في الإسلام ، وج 9 : كتاب الفتن باب قول النبي هلاك أمتي على يدي أغلبية سفهاء .وصحيح مسلم 2 : 748 باب التحريض على قتل الخوارج 156، وراجع صحيح مسلم 4: 2235كتاب الفتن.
ونعم ما قال الإمام علي عليه السلام :
لكل اجتماع من خليلين فرقة ... وكل الذي دون الوفاء قليل
وأن افتقادي واحد بعد واحد ... دليل على أن لا يدوم خليل.
ونعم ما قال الأمام علي بعد شهادة عمار بن ياسر بصفين :
ألا أيها الموت الذي ليس تاركي ... أرحني فقد أفنيت كل خليل
أراك بصيرا بالذين أحبهم ... .........كأنك تنحو نحوهم بدليل .
وتقبل منا والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.
المحب