قصص الأفق الجديد
تكشف النظرة الاستقرائية العامة إلى النتاج القصصي المغربي الجديد بروز ظاهرة فنية مهمة يمكن تحديدها بضمور نقاء الأجناس الأدبية ملوثة إياها بصيغ أصلية لجدلية الحقيقة والوهم، وتنمحي قدسية الأنماط الثقافية السائدة، واستخدام اللغة كمغامرة ذهنية، صور، واستعارات تنم عن العجائبي المندرج في الواقع وتجعلنا نهبط من الفانتازي إلى اليومي ونعوت موحية تنفح الأسماء ثراء، وأفعال غريبة، ولكنها ذات قدرة استدعائية شديدة، ترادف عناصر تفتقر إلى صلة ظاهرة تدلل على إيهام الخطاب الفكري، الحذف الذي يكشف عن روح متشككة، وتقنية الاختزال والقفز.. بغية التركيز على الأحداث الرئيسية واختزال الوقائع الممهدة، سيادة التراكيب الفعلية في أحيان، والاسمية في أخرى، وما ينتج عن ذلك الأسلوب، مجزأ، وإيقاع متباين، وتكرارات تعكس حالات هوسية،واللعب بالضمائر، والمراوغة في تحولاتها، إنها اللذة التي تمارسها الذات الكاتبة نقلا عن الواقع الحياتي لصور حياة المراوغة دوما، وهو تصور شعري في الأساس، لا ينقل الواقع بحرفيته، ولا باحتمالاته، وإنما ينقله بمفهوم الممكن. ( غير المعقول ) فهذا التحول في موقف الذات الساردة عبر ضمائر" هو، أنت، أنا، هي.." إنما هو تحول من باب الشاعرية»* التي طغت على مختلف الفنون الإبداعية ولعل ذلك يعود إلى محولة " أنسنة " المبدع للأشياء التي تحيط به بمنحها البعد الإنساني الذي ينتشلها من عماء المادة إلى إشراق الوعي الإنساني بها ومن هنا سرت الروح الشاعرية في مختلف الفنون. وبلاغة السرد: ( يقدم محكيا داخليا استعاريا ينقل نظرة الذات إلى ذاتها وإلى العالم والآخرين، وبطريقة خاطفة شديدة الدلالة برموزها ومجازاتها.)**
إن هذه السمات المميزة بجمالياتها، تبرز لنا التجارب القادرة على الاستمرار، وتضمر المواهب المحدودة غير القادرة على الإخلاص لفن القصة ومن هنا نرصد ما يتناسب مع هذه الحقبة الجديدة بميلاد جيل قصصي له هواجسه المختلفة وله أيضا طوابعه وتجربته المميزة: شعرية السرد، مبدأ التذويت، انسحاب الواقعية الأسطرة والتريث، الميتاقصة، القصة المضادة، العجيب الغريب تشتت الانطباع، الرؤية الكابوسية، تعتيم المكان ومحو الزمان، إغفال الحكاية وتغييب الحدث، استثمار الفضاء النصي، المونولوج الباطني، الشكلية التجريبية، فاعلية السرد ومبدأ التدويت ( أي البحث عن أدبية النص ) وعليه أن الأدب كائن حي يتطور بتطور مستحدثاته، وقد ينبع كنهر من منبع واحد ولكنه لا يتوقف عند نقطة ما ....فها هي الرواية كذلك تحدو حذو القصة إن لم يكن العكس هو الصحيح في جيل الجديد الذي يقول بريتون إن رفض الحياة المعطاء سواء أكان هذا الرفض اجتماعيا أم أخلاقيا (...) يوجه الإنسان إلى سلسلة من الحلول الجديدة لمشكلته ونهايته، وهذا التجديد الذي بدأت تعتمده تشكلات الشعرية الروائية، السرد الشعري، السرد الداخلي ( سرد الذات ) و ( السرد الداخلي تحولات الخطاب ) شعرية المفارقة شعرية الشخصيات، شعرية الحوار البناء الزمني. ( القصة والرواية كلتاهما تخلقان وهم الحياة الواقعية لتقرب الزمن الكرونولوجي والزمن القصصي حيث لا يخرج القص في تطابقه مع الحياة عن المستحيل أو الممكن أو المحتمل أو غير المحتمل، ويتم الزمن في الأعمال القصصية بالتراتب والتسلسل ( شيء يأتي بعد شيء آخر مترتب عليه ومرتبط به في علاقة سبب ونتيجة، أو علة و معلول ) ( لقد أغفلنا عدة توضيحات لباقي النقط المذكورة لضيق الحيز ) شعرية المكان، شعرية البناء، شعرية الموقف/شاعرية الراوي والبناء الإيقاعي.
إن اتجاهات التجديد، هي إعادة خريطة العالم، التي لا بد وأن يعاد رسمها كدعوة إعادة التوجه، بتجريب النماذج العملية المطروحة الآن..ويبقى الخيط المشترك بين هذه التجارب جميعا هو الإقناع بأن الأداء هو الاهتمام المحوري في الممارسات والخبرات الثقافية المعاصرة لأن الإنعتاق هو عملية يعادلها التأكيد على الإرادة الإبداعية، الواحدة ونحن بالملموس على الأقل أصبحت السلبيات تعادلها بعض الايجابيات والمكاسب التي جنتها القصة، وأن نستوعب هذه السمة الجوهرية لهذا ( الجنس ) ألا وهي الحيوية وبالتالي لابد أن تصبح القصة كاشفا للواقع ومجاوزا له ولا تستسلم للاستكانة والآلية، تجاوز الواقع على ما هو مشروع ومتفق عليه لاستكشاف ما هو جديد، وأخيرا قد نختلف في المفهوم تراجع الإيديولوجية، لأن لكل نص إيديولوجياته عادة ما تستقر في مواطن الغموض، والتي ينطبق منها موضوع النص وأطروحته، لأن لكل نص إيديولوجياته عادة ما تستقر في مواطن الغموض، والتي ينطبق منها موضوع النص وأطروحته، توفر بذلك للملتقي فرصة مقارنات بين النص وواقعه وذلك في جزء السياق الاجتماعي الذي تم فيه إرسال نص والسياق الاجتماعي الذي تحدث فيه عملية التلقي
محمد اكويندي
* محمود الضبع، تشكلات الشعرية الروائية
** حسن المودن، شعرية القصة القصيرة جدا