2 ـ الرغبة في ممارسة حرية التصوير و التعبير في الإبداع الأدبي كما تريده المدرسة الأدبية الحداثية.
و ذلك دون خلط بين الإبداع و الأخلاق، أي دونما قبول لأي نوع من الوصاية القيمية على ما تريد المبدعة الأديبة تصويره و الحديث عنه و إيصاله إلى الناس...
فالحديث عن الجسد هو المحور الرئيس لذلك "المسكوت عنه"، ذلك الذي يشكل الهم الأساس الذي ينبغي أن يدور حوله الإبداع الأدبي بالنسبة لهذه الفئة من "المبدعات"!!!
فالتعبير الحر عن كل ما يدور في الخلد هو المطلوب، و نقل كل ما يوجد في الواقع دونما حدود و لا موانع و لا ضوابط هو المنهج و المنحى...ذلك الذي لا يقبل تصويبا نابعا من دين، و لا تسديدا ممتوحا من قيم...
إذ يُرفع شعار الفن للفن و تُرفض وصاية الأخلاق، و يُشجب تحكيم الفضائل و المكارم، و يُتحجج بالرغبة في نقل الواقع كما هو دونما رتوش و لا تطفيف و لا تبديل للعناصر المكونة له...
إذ إنما هو التصوير الحرفي ذلك الإبداع فقط...دونما نقد و لا إبداء رأي و لا تدخل و لا طرح حلول...
إذ تجد نفسها هي الأديبة الحداثية ـ انطلاقا من المفاهيم الموجهة لها و المتجدرة في حناياها ـ لا ترغب في أن تقوم بدور الواعظة، و لا الداعية إلى نبذ الانحراف، و لا المنادية بالأوبة إلى تفعيل ما يجب أن يكون!!!
فلا محاكمة للبطل المنحرف، و لا تجريم للسالك منحى الابتذال...و خاصة لا نقد للمتاجرة بالجسد... و لا انتقاص ممن حرره من كل ممنوع ذلك الجسد، بل هو ذلك المُنْتصَر له و لرغباته دون هوادة و دون توقف و في كل الظروف و الأحوال، و أيضا في جميع الأماكن و الأزمنة...
إذ ترى المبدعة أن القيم تخنق الإبداع، و تحسر الجمالية، و تجعل من النص الإبداعي شذرات مواعظ، و نتف خطب توجيهية ليست إلا!!!
إذ عليها أن تتحرر من كل ربق من أجل إحسان التصوير و إتقان التعبير...ثم هو الواقع الذي يملي ما يجب أن يقال و أن يكتب...فما للأديبة إلا أن تنقل بأمانة من أجل تسليط الضوء، و فضح المتواطأ على السكوت عنه و على تجاهل آثاره و تداعياته..و من ثم من أجل رفع الحرج عن الحديث عنه و عن مكوناته و مظاهره، ومن بعد ذلك جعله يكتسي طابع العادي و الطبيعي...و تخليصه من أحكام القيم و الأخلاق و الدين المناهضة له و المدينة لتواجده...
و طبعا هو الجسد عماد الإبداع و محور مضامينه...الذي ترى هي المبدعة "المتنورة" أن تحرير الإبداع حوله حتما يؤدي إلى تحريره... و بالتالي إلى تحريرها هي الموسومة بالنقص من طرف الدين و التقاليد.
لكن هذا الطرح لا يمكن أن يصمد أمام "المنطق" التَّخَيُري الذي تتبناه الحداثة، و الذي يُحَكَّم بعد ذلك فيما يتعلق بمواضيع أخرى خارجة عن نطاق الجسد، وعن حرية التعبير عنه، و عن احتياجاته و رغباته، و في نفس الميدان...أي ذلك الأدبي...
إذ ما القول في نص متفاقم الجمالية لغة وأسلوبا، ويصور ثم و يبرر ضمنيا القيام بتفجير للجسد ـ عملية إرهابية دنيئة ـ أ فتحتسب آنذاك عذوبة اللغة و شاعريتها و جمالها وحدهن، أم أن النص سيحمل عبئ تمرير رسالة عنف مقيت مخرب ما...
فكما يجب شجب النص المحمل بالعنف، يجب فعل المماثل بالنسبة للنص المحمل بالانحراف الخلقي، ذلك "العنف القيمي" المبيح للتفلت و لركوب موجات الانحلال و المجون بحجة حرية استعمال المرأة لجسدها كيفما تريد و تشاء... فكلها أدواء و تعصف بصحة و باستقرار المجتمعات.
و حتى إذا كان هنالك من حيف تقاليدي منع المرأة من حق جسدي شرعي لها، فليكن التصوير هادفا و نظيفا، و غير موسوم بالسوقية و الانحطاط، و غير مسوق لصور جنسية مشينة لا يبتغى من ورائها سوى إثارة الغرائز و إشعال نار الشهوات...
فالنص الأدبي يمكن أن يكون المتميز، و ذلك حتى و لو لم يتحرر من سلطة القيم و من الأخلاق، إذ هو قادر على تصوير الواقع بحذافيره...لكن دون ابتذال، وكذلك دون عرض لوقائع مغرضة يمكن استيعاب مرمى مجملها و ملخصها دونما تفاصيل مثقلة و مغرقة في وحل السلوك، لا يمكن إلا أن تعمل على تطبيع السقوط و التردي و الانحراف.
إذ ـ كمثال ـ ما هو الأفضل بالنسبة نص أدبي يتحدث عن الاغتصاب، أهو تصوير اللقطة كلها وبكل التفاصيل "المثيرة"؟
أم الاكتفاء بالتلميح لبقية ما هو معلوم كينونته في فعل الاغتصاب صيانة للمشاعر من التقزز و الصدمة، و للغرائز من الاستثارة والاشتعال؟
و كمحاولة للتفكير حول قضية التحرر الكامل من كل قيد أثناء الفعل الإبداعي، و الذي تتبناه هي الأديبة الحداثية و تراه الحق و الصواب، و من ثم تتوسله من أجل الإغراق في الحديث حوله هو الجسد، أدعوها، هي و كل من يؤمن بضرورة عدم احتساب المضمون عند تقييم جمالية النصوص الأدبية إلى التأمل حول الإبداع في موضوع يعتبر محرما و غير أخلاقي عند من يؤمن نظريا ب"الحداثة":موضوع "المحرقة اليهودية"...
إذ أو يمكن لأي كاتب ـ حتى الغربي ـ أن يبدع نصا يفيض جمالية وشعرية، ثم وينفي المحرقة، ثم ويصفق ذلك الغرب الحداثي لإبداعه دونما احتساب للمضمون؟؟؟؟
ثم أو يمكن له ذلك الأديب أن يشيد بالإسلام و يدافع عنه ثم و يُجَوِّد القالب حتى النخاع، ثم و ينال الرضا و الإطناب و المديح منه ذلك الغرب؟؟؟
لا شك و أن الغرب الحداثي يُحَكِّم إيديولوجيته و الفكر السائد فيه من كل المضامين الواردة في كل النصوص الأدبية، و ذلك قبل إبداء الرأي فيها هي الأنساق المستعملة في الأجناس الأدبية الحاملة لتلك المضامين.
و ما أجاز من نصوص إبداعية للمسلمين، و كال لها المديح، بل و توجها بالجوائز، إلا من بعد ما تضمنت قدحا في الإسلام و أهله، و تجريحا له و لهم، و إكبارا له ـ هو القبلة الثقافية الفكرية ـ و لقيمه و مبادئه!!!و ذلك رغم تردي القالب و هزالة الجمالية وانحسار الجودة.
هو المضمون إذا ذلك المعتبر حتى عندهم!!!
و هي الكذبة إذا عدم إقحام المضمون حين تقييم النص عند سدنة الحداثة الذين اقتبست منهم تلك المبدعةََََ!!
و هو الهراء أيضا عدم السماح بتدخل القيم و الأخلاق عند مبتكري عجل الحداثة و مؤلهيه!!
فالنص الأدبي المصور للقطات الجنس الرخيص و المعبر عن حاجيات الجسد الآبق المنحرف لا يمكن أبدا أن يتسم بالجمالية مهما جملت عباراته و نُقِّح أسلوبه، و ذلك لقبح المعاني الواردة فيه، تلك الداعية إلى نشر الفوضى و العبثية، و تلك المؤدية إلى القضاء على الاستقرار الاجتماعي الرهين بتواجد القيم و المبادئ الربانية الممتوحة من تعاليم الدين.