أخذ مصطلح الصحافة عبر عصور متعددة أنساق دلالية مختلفة سواء من حيث المعنى أوالمدلول، فمنذ ظهور الصحافة تنوعت معانيها اللغوية، والاصطلاحية، التي نجدها في الغالب لم تستقر على سبغه معرفية موحدة واكتست أنساق ذات أبعاد فكرية متباينة.
فقد وردت "الصحف" في لغة التنزيل العزيز وأريد بها ما كتب في رقوق أوعشب أولحاف أوغير هذا ما كان من "الصحف" التي احتفظ بها في بيت حفصة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وتلك الصحف قد إتخدها عثمان رضي الله عنه أصولا للمصاحف في "جمعه" المعروف المشهور الذي ندب له زيد بن ثابت أحد كتاب الوحي وللصحف في التنزيل العزيز حضور واف فقد جاء في قوله تعالى: " أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى " 133 صورة طه. "ام لم ينبأ بما في الصحف الأولى " 36 سورة النجم. "فمن شاء ذكره، في صحف مكرمة " 13 صورة عبس. "وإذا الصحف نشرت " 10 سورة التكوير. "إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى " 18-19 سورة الأعلى. "بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة " 52 سورة المدثر. "رسول من الله يتلوصحفا مطهرة " 2 سورة البينة.
ثم جاء عصرنا فكانت صحف جديدة وهي غير "الصحف القديمة" إنها جديدة فيها "الخبر" و "الرأي" وما يعرض في البلد من شؤون اجتماعية واقتصادية وسياسية وعلمية، وهي ليست خاصة بالبلد الذي تحرر فيه، وإنما تنفتح على بلاد فسيحة الأرجاء من أقاليم الدنيا نلاحظ على أن الصحافة قد تطورت مسمياتها عند العرب منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم في البدء أطلق العرب تسمية "جورنال/ journal " ترجمة من الفرنسية إلى أن اختار الكونت رشيد الدحداح (1894- 1813) لفظة" صحيفة "لتحل محل" "جورنال" فالصحافة معناها الشامل : من صحف ومجلات وكتب ونشرات إعلامية أودعائية وملصقات وراديووتلفزيون وسينما ومسرح وبث عن طريق الأقمار الصناعية وغير ذلك من وسائل اتصالية أخرى نتائج هذا التقدم العلمي الكبير والصحافة بمعناها الضيق ( من صحف ومجلات).
الصحيفة في القاموس للفيروزاباوي هي الكتاب وجمعها صحائف وصحف، والصحفي (بتشديد الحاء وفتح الحاء ) من يخطئ في قراءة الصحيفة والتصحيف الخطأ في الصحيفة الصحافة عند المحدثين حسب منجد الطلاب كتابة الجرائد و الصحيفة القرطاس المكتوب،، ج صحائف وصحف الصحفي { (بفتح الصاد والحاء ) الذي يأخذ العلم من الصحيفة لا عن الأستاذ
الصحفي والصحافي : الذي اتخذ الصحافة مهنة له.
أما في المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي تأليف أحمد بن محمد بن على المقري الفيومي (طبعة البولاق 1282ه)
الصحيفة: قطعة من الجلد أوقرطاس كتب فيه، وإذا نسب إليها قيل: رجل صحفي (بفتحتين) ومعناها يأخذ العلم منها دون المشايخ، والجمع صحف (بضمتين) وصحائف مثل كريم وكرائم، والمصحف (بضم الميم) أشهر (من كسرها). والتصحيف تغيير اللفظ حتى يتغير المعنى المراد من الموضوع وأصله الخطأ يقال صحفه فتصحف أي غيره فتغير حتى التبس. أما المعجم الوسيط في الجزء الأول منه، (الصحافة): مهنة من يجمع الأراء ونشرها في الصحيفة أومجلة – والنسبة إليها: صحافي (بكسر الصاد).
(الصحفي): - بكسر الصاد- من يأخذ العلم من الصحيفة لا عن الأستاذ – ومن يزاول حرفة الصحافة الصحيفة: ما يكتب فيه من ورق ونحوه ويطلق على المكتوب فيها (ج) صحف، وفي التنزيل العزيز "إن هذا لفي الصحف الأولى، صحف ابراهيم وموسى".
وإضمامة من الصفحات تصدر يوميا أوفي مواعيد منتظمة بأخبار السياسة والإجتماع والاقتصاد والثقافة وما يتصل بذلك (ج) صحف، وصحائف، وصحيفة الوجه : بشرته (ج) صحيف. وفي قاموس محيط المحيط تأليف المعلم بطرس البستاني في بيروت سنة 1867 يذكر صحف (بتشديد الحاء / مع فتحها ) ويقول صحف الصحيفة أوحرفها عن وضعها والصحفي من يخطئ في قراءة الصحيفة وهومنسوب إليها بحذف الياء على القياس والصحيفة قرطاس مكتوب وجمعها صحائف، صحف.
وقد أشار الفيكونت فيليب وى طرازي في الجزء الأول من كتابه (تاريخ الصحافة العربية) إن أول من استعمل كلمة الصحافة بمعناها الحالي – أي الاصطلاحي – كان الشيخ نجيب الحداد منشئ جريدة ( لسان العرب ) بالإسكندرية، ويعرف الصحافة بأنها صناعة الصحف، والصحف جمع صحيفة وهي قرطاس مكتوب. غير أن بعض اللغويين ظلوا لا يعترفون بهذا المعنى الاصطلاحي الجديد للصحيفة والصحافة، ففي الإفصاح في فقه اللغة تأليف عبد الفتاح الصعيدي وحسين يوسف موسى (القاهرة 1969 ) تعرف الصحيفة بأنها الورقة التي يكتب فيها.
أما أحمد فارس الشدياق (1804/1888) فقد فظل لفظة "جريدة" التي جاء في معانيها: - قضبان النخل المجردة من خوصها (بضم الخاء) الواحدة –
أما إبراهيم اليازجي (1906/1847) فاستعمل لفظة "مجلة" للدلالة على نوع مميز من الصحف أصدره مع الدكتور بشاره زلزل وخليل سعاده واهتم بالقضايا العلمية والطبية والأدبية في شكل محلل موسع، سماه مجلة "الطبيب". أما ما جاء في معجم لاروس فان كلمة جورنالزم journalisme - أي مهنة الصحيفة ومعنى مقابل (برس press-) أي مجموعة ما ينشر في الصحف، وقد فرق المعجم بين هذين المعنيين، فذ ل على الأول بلفظ الصحافة (بكسر الصاد) كالصناعة وعلى الثاني بلفظ الصحافة (بفتح الصاد).
ويعطي اسم الصحيفة باللغات الأجنبية الدلالة الأولى لأهمية، حداثة الخبر، فالاسم باللغة الإنجليزية " نيوز / news " يدل على حداثة الأخبار إذ أنها جاءت من كلمة نيوnew ، ومعناها جديد إلى جانب أنها تدل على عالمية الأخبار، لأن كلمة نيوز news، تتكون من الأحرف الأولى للجهات الأصلية الأربعة الشمال north والشرق east والغرب West والجنوب south.
وتدل كلمة تريتنخ zeitung على الزمن وكلمة جورنال journal على اليوم وقديما كان (اليوم) هوأسرع الوحدات الزمنية لنشر الأخبار، وقد كان الفيلسوف شوبنهاور Schopenhauer يسمي الصحافة بأنها (عقرب الثوان لأحداث العالمية).
لقد تعددت مواقف الأعلام والمشاهير حول طبيعة رؤيتهم للصحافة التي نظروا إليها حسب نزواتهم الشخصية التي تخدم مصالحهم الذاتية وهذا ما جعل تأويل المعنى بالنسبة إليهم يتضارب، فمنهم من كان رفيقا بها، ومنهم من ناصبها العداء، فنعتها بأسوأ النعوت، وينتمي أمير الشعراء أحمد شوقي إلى الفريق الأول : فقد قال لكل زمن مضى آية وآية هذا الزمان الصحف لسان البلاد ونبض العباد وكهف الحقوق وحرب الجنف فيا فتية الصحف صبرا إذا نبا الرزق فيها بكم واختلف فإن السعادة غير الظهور وغير الثراء وغير الترف ولكنها في نواحي الضمي ر هوباللؤم لم يكتنف. وقال ليون تولستوي: "الصحف نفير السلام وصوت الأمة وسيف الحق القاطع ومجيرة المظلومين وشكيمة الظالم فهي تهز عروش القياصرة وتدك معالم الظالمين".
أما الذين خاصموا الصحافة فكثيرون: نذكر منهم على سبيل المثل لا الحصر القيصر نيقولا الثاني إذ يقول - جميل أنت أيها القلم ولكنك أقبح من الشيطان في مملكتي -
في حين قال كاستروأحد رؤساء حكومة فنزويلا السابقين: لا أخاف بوابة جهنم إذا فتحت بوجهي، ولكني أرتعش من صرير قلم محرر صحيفة وقال دياز رئيس جمهورية المكسيك "أود أن أكون صاحب معامل الورق والحبر لأحرقهما" وقال السلطان عبد الحميد الثاني بعد خلعه: لوعدت إلى يلدز لوضعت محرري الجرائد في أتون كبريت ورغم هذه الرؤى المتباينة حول الصحافة فإنها استطاعت بجهد جهيد أن ترسم لنفسها خريطة بلا حدود مترامية الأطراف بعدما أخذ الدور الاجتماعي الذي تقوم به يزداد أهمية يوما عن يوم فانتشار الصحافة في العالم أصبح حقيقة واقعة لا مندوحة عنه وعن الرسالة التي تحملها على عاتقها والتي تعبر عن نبل مزاياها يقول أدولف أوخس، ناشر جريدة نيورك تايمز إنها مهنة مكرسة للصالح العام، ولفضح الألاعيب والشرور وعدم الكفاءة في الشؤون العامة، مهنة لا تؤثر الروح الحزبية الضيقة في ممارستها بل تكون عادلة ومنصفة لأصحاب الآراء المعارضة، مهنة شعارها المرشد هو" ليكن هناك نور".
أما بيار البير يقول إنها في أن واحد نتاج صناعي وخلق فكري، ولا تتبين العلة الحقيقية لوحدتها إلا من خلال تحديد الوظائف الاجتماعية التي تؤمنها كل واحدة من منشوراتها في مستويات متفاوتة
ولا يمكن أن ننكر على أن من أقوى وسائل التثقيف والتربية الشعبية، هي الصحف ولا يمكن للإنسان أن ينكر الأثر الذي تتركه الصحف ليومنا هذا على الحياة البشرية، كيف لا وقد أصبحت تمتلك زمام سلطة الرأي العام من خلال التوجيه والتأطير والتحريض في هذا الإطار يقول نور الدين طراف " الصحافة قوة ضخمة، عظيمة الأثر بالغة النفوذ، اكتسبت بل انتزعت من أصحاب السلطان لقب أصحاب السلطان فسموها – صاحبة الجلالة – ووقفت بقامتها المديدة تفرض نفسها بين القوى الموجهة في كل بلد، فسميت السلطة الرابعة إلى جانب السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية الأمر الذي جعل حكيم الأدب العربي يقول بأنها تحفظ التوازن بين السلطات الدولة وهي التي ترعى شؤون الشعب، وتكون عقليته وتعبر عن رغباته وتسمع الرأي العام لأرباب السلطان وترسم له المستقبل.
إذا (ف) بهذا الزخم الدلالي للمصطلح الصحافة من حيث المعاني والتعبيرات التي تحملها الكلمة هوالذي قد جعل منها اليوم تشكل العامل القوي في تكوين الرأي العام على الرغم من منافسة وسائل الإعلام الأخرى لها فهي استطاعت عن الجدارة المحافظة على مكانتها المرموقة رغم التحديات الراهنة في خضم ثورة التحولات التكنولوجية والمعلوماتية من أن تنسج لنفسها خيوطا تخترق من خلالها العوالم الافتراضية الجديدة وكذا اختزالها لزمان والمكان عبر الإبحار في عوالم افتراضية متعددة ومتنوعة، لتعطينا في الأخير صحف من نوع خاص يطلق عليها الآن الصحف الإلكترونية التي تشكل محطة رئيسية تستحق أكثر من وقفة فكرية وثقافية مستقبلية تعيد لهذا المصطلح الزئبقي حقه في التعريف الوافر.
المراجع
إبراهيم السامرائي، مع لغة " الصحف " الإعلام العربي دورية الدراسات الإعلامية، العدد السابع والثامن، ديسمبر 1984
د جان جبران كرم، مدخل إلى لغة الإعلام، مطبعة دار الجيل سنة 1986
الدكتور خليل صابات، الصحافة رسالة واستعداد وفن وعلم، دار المعارف بمصر
عبد الباسط محمد عثمان، الصحافة قضايا ومشكلات، دار العمير 1985
فؤاد افرام البستاني، منجد الطلاب، دار الشروق بيروت1986
المعجم الوسيط، الجزء الأول والثاني، المكتبة الإسلامية
Albert, Pierre : La presse, collection « sais-je ? p, u, F
Dictionnaire de la langue française© éditions de la connaissance, 1995