كلمة "بيت الشعر في المغرب" و " بيت الصحافة "
شعراء إعلاميون
لِعلاقةِ الشعر بالإعلام وُجوهٌ عديدةٌ ومُتباينة في آن. ما يَربط بين طرَفيْ هذه العلاقة يَحتفظ أيضاً بما يَفصلُ بينهُما. إنّها مُتجذرةٌ في المشهد الثقافيّ العربيّ الحديث مُنذ أن عرَفَت الصّحيفة، زمنَ ظهور الإعلام المكتوب، سَبيلها إلى هذا المشهد الثقافيّ، ومُنذ أن انخرط الشعراء في إمداد الإعلام بالمُتابَعات الثقافيّة والإلماعات التأمّليّة. والتاريخ الثقافي الحديث في المغرب شاهدٌ على الدّور الذي نهضَ به الإعلامُ المكتوب في استقبال القصيدة وتأمين تداوُلها، وعلى ما نهضَ به أيضاً هذا الإعلام في مُصاحَبَة الشعر نقديّاً، سواء عبر الإضاءات التي كان يُوفّرُها الإعلاميّون، أو عبر حُضور الشاعر في وسائل الإعلام، إن مُساهَمةً في إثرائها أو مُزاوَلة للمهنة المُرتبطة بها.
لمْ يكُن، إذاً، الإعلام المكتوب، فترةَ ظهوره، فضاءً لاستقبال القصائد وحسب، بل اتّسع لاحتضان أعمدة شعراء أتاحوا للشعر أن يفعلَ فعله في آليات الإعلام وأن يُمَكّن الصحافة المكتوبة من ماء الخيال والإبداع قبل أن ينتقل هذا الفعلُ إلى أنماط الإعلام الأخرى. احتضانٌ يَسمحُ بالتمييز بين تجلّيّيْن من تجليات العلاقة بين الشعر والإعلام.
ثمّة، أولاً، شعراءُ مغاربة اتّخذوا منابرَ إعلاميّة لإضاءة قضايا شعريّة وغير شعريّة، عبر نفَسٍ هيّأ للمعرفة الشعريّة أن تَسْريَ، في الصُّحف، بَدءاً، وفي الإعلام المسموع فيما بَعد، ثمّ في المرئيّ والتكنولوجيّ لاحقاً، على نحو مَكّنَ الشعراء، في تجربتهم الإعلاميّة، من إنتاج أفكار وقراءات وتآويل تحوّلت في العديد من الأحيان، بَعدَ تَجميعها، إلى كتُب بالغة الأهميّة، ممّا كشفَ، من حيث الوَجهُ المُضيء للإعلام، عن حَيَويّة المنبر الإعلاميّ في النهوض بالثقافة الحديثة.
وثمّة، ثانياً، شعراءُ مغاربة اقترنَ مصيرُهُم المهنيّ بالإعلام، فكانت مُزاولتُهم له مُرتبطة بإلزام الوظيفة ومُتطلّباتها وإكراهاتها، غير أنّ هذا الإلزام ظلّ مُحصَّناً لديهم بالظلال النديّة التي يُوفّرُها الشعرُ في قيظ اليوميّ، ويُتيحُها الكلام السامي في زحمة الإخبار، ويُهيّئها الخيال
والتأمّل البعيد سَنديْن للتخفيف من إيقاع الإعلام وآلته السريعة وزمَنه المحكوم بالآنيّ والنافر من الإبطاء.
لقد أخذ اختراقُ الشعر للمُمارَسة اليوميّة، لدى الشعراء المُزاولين لمهنة الإعلام، مَلمحيْن: الأوّل جسّدَهُ، من جهة، النّفَسُ الشعريّ الذي ميّزَ لغة هؤلاء الشعراء، كما كشفتْ عنه، من جهة أخرى، المعرفة الإبداعيّة، بمُختلف مُكوّناتها، التي كانت تسري في كتابتهم وتمنحُها حصّتَها من العُمق. والملمَحُ الثاني تجسّدَ في اختيار هؤلاء الشعراء العملَ في الملاحق الثقافيّة أو البرامج الإذاعيّة الخاصّة بالإبداع الأدبيّ، على نحو جعلَ مادّةَ الاشتغال أقرب إلى الاهتمام الأصليّ لهؤلاء الشعراء.
إنّ ظلالَ الشعريّ المُخترقة للمُمارَسة الإعلاميّة تجعلُ الإعلامَ، في مُزاولة بَعض الشعراء له، يَعملُ كما لو أنّه يُعارضُ إيقاعَهُ وضُغوطَهُ وآلياته. ذلك ما يُحوِّلُ سريانَ الشعريّ في مُمارَسة هؤلاء الشعراء لمهنتهم الإعلاميّة إلى مَوضوعٍ خليق بالتأمّل والتفكير.
ومن ثمّة، فإنّ بيت الشعر في المغرب يَنوي، بهذه المناسبة الدّالّة، مُناسبة اليوم العالميّ للشعر، التي فيها يَحتفي بشُعراء يُزاولون مهنة الإعلام، أن يُنظّم في الشهور القليلة القادمة، بتعاون مع "بيت الصحافة" ندوة أكاديميّة بمدينة طنجة، تقاربُ اللقاء السعيد بين الشعريّ والإعلاميّ، وتُنصتُ لوُعوده وامتداداته، وتُسائلُ تعثّراته وما يُمكنُ أن يَعتريَهُ في التنامي السريع الذي يَعرفهُ الإعلام التكنولوجيّ.