الشاعر موسى حوامدة لوكالة أنباء الشعر العربي:
أتمنى ألا يتوقف البعض عند بطولتي في المحاكم، وألا ينسى أن قصيدتي عارية
الكنتاوي لبكم- المغرب
مهمة القصيدة في الدرجة الاولى، التعبير عن رؤية الشاعر للوجود، هكذا يرى الشاعر الفلسطيني موسى حوامدة دور الشعر، وبعد ست مجموعات شعرية تخللها جدل كبير وصل بعضها إلى المحاكم القضائية والشرعية، يقر أنه لا بدائل عن الإشتغال في جمر الحروف بعيدا عن حملات دعائية فارغة أوترويج حزبي أو حكومي أو وطني، وفيما يلي الحوار:
هل يختلف احساسك الان اتجاه قصائدك بعد نشرها في كتب؟
- بالتأكيد يختلف، لم أكن أعرف كيف، أو أفكر بذلك، لكن سؤالك قادني للتفكير، وقد قفزت إلى ذهني التداعيات والصور التالية؛ صورة الطفلة أو الإبنة حين تكون واحدة من الأسرة، وصورتها وقد ارتبطت بشاب تحبه، أو تزوجت وخرجت من البيت، أو هي أشبه بعلاقتك مع المرأة، التي تعيش معها حالة حب، وحين تتزوج منها، تصبح كأنها قصيدة منشورة.
دعني أُقرِّب الصورة أكثر، وأقول؛ تظل القصائد غير المنشورة في كتاب، كأنها فتيان صغار متحمسون لدخول المدرسة، وحين يدخلون يصبحون طلابا، يخضعون للنظام، ولليقظة المبكرة وعناء الدوام، والوقوف في طابور المدرسة، والمساءلة.
تنقطع العلاقة بينك وبين القصيدة، بعد نشرها في كتاب، تصبح بعيدة عن سطوة صاحبها وشاعرها، تأخذ حكما ذاتيا، او استقلالا ليس تاما، مثل استقلال الدول العربية، تظل تبعيتها مرتبطة بدول الاستعمار، لكنها لم تعد خاضعة للإنتداب او لحكم التاج الملكي مباشرة.
لماذا نبتعد كثيرا عن الشعر، ونذهب للسياسة والعواطف، والقضية أبسط من ذلك؛ يمكن أن يطمئن الشاعر إلى مخزونه من القصائد التي لم تنشر، ولكن حال نشرها في كتاب يحس بالعري، أو يشعر بالفراغ العاطفي أو الخسارة والفقد، إلا إذا كان قد ادخر بعض القصائد ولم ينشرها.
أما احساسي تجاه القصائد المنشورة، فهو بالتأكيد الإشفاق عليها، بعد أن صارت مكشوفة الوجه لمواجهة الجلادين، وفيالق المرتزقة، وقطاع الطرق، واللامبالين، أشعر بنوع من تأنيب الضمير أحيانا؛ لماذا أفعل ذلك بجزء أو قطعة من روحي، لماذا أعرض جوهري وذاتي للمشاة والحفاة والنظَّارة؟ لكن لا بد من تحول الفصول، وتبديل الشمس مشرقها، ولا بد أن يتأخر القمر كل ليلة، ليصغر ثم يختفي نهائيا، وهذه ضرورة طبيعية، بل قل؛ قدر حتمي، ستواجهه كل قصيدة تغدر بصاحبها قبيل الشيخوخة، وتفارق سنوات الرضاعة، وتلج عمر الفطام. وهو مصير درامي واجَّهه الكثير من أبطال التراجيديا، عبر كل الحضارات والازمان والأساطير، وحتى الحكايات الخرافية. لا بد من العري والتعري، وكشف الذات لتقشر الأفعى جلدها كما يقول نيتشه، على لسان زرداشت.
*هل يمكننا ان نجد رابطا بين الشعر والصحافة؟
- لدى الشعر مقدرة على إيجاد رابط مع جرائم القتل، ومجرمي الحروب والسفاحين، وليس مع الصحافة فقط،، لكن لا علاقة ودية بين الصحافة والشعر، من باب الحرفية، فالشعر سيد حر لا يقبل التثنية، ولا يحب أن يشاركه أحدٌ سرير اللذة، وكل شاعر يعمل في مهنة كتابية مغايرة للشعر، يقوم بخيانة مكشوفة لقصيدته، يدفع ثمنها آجلا أو عاجلا، ويعرض نفسه لانتقام القصيدة.
*متى يمكننا الفصل في التعاطي مع النص الشعري بخلفيات تفسر بماهو ديني؟
-في الأفق المنظور عربيا وإسلاميا؛ من الصعب الفصل بين كل ما هو ديني وكل شئ من حولنا، بل على العكس، كأن عقارب الساعة تعود للوراء، وتتم السيطرة أكثر دينيا، على جميع مناحي الحياة وليس على الشعر فقط، وكأن هناك (ردة) جديدة نحو التدين وليس الدين، ولكن بشكل غوغائي، ولكن لأي شئ يعودون؟ هذه هي المعضلة، لأن الناس ونتيجة اليأس يعودون للقشور والمظاهر والسلبيات والسطحيات، ولكن في العمق هناك إنزياح خطير وبعيد عن جوهر الدين الذي لا يتدخل لا في الشعر ولا في الادب ولا في الفن عموما، كما كان يفعل أجدادنا القدماء، وهم يتحدثون بحرية عن كل شئ في الحياة،في الفكر والجنس والفلسفة والشعر، وما إلى ذلك.
ولكن ماذا نفعل؟ هل نتوقف عن الكتابة؟ هل نحسب حسابات تجارية؟ أم هل نضيف خوفنا إلى حساب السلطات والقوى الضاغطة في المجتمع؟ أم نتماهى مع جهامة الواقع وخرافة الجهل، أم نحترق في مواجهة الجهل والسفاهة؟
ليس من وصفة ناجعة لكل ذلك، وعلى كل مبدع أن يشق طريقه بمفرده، فلا أكثرية للغرابة والتمرد والخروج على طوابير الجهل، وقطيع الرضا.
كيف ترد على من يقولون بتراجع الشعر لصالح الرواية؟
-والعالم يذهب للتسطيح والتبسيط أكثر، فبدهي أن يتجه الناس للحكي والسرد أكثر من العمق، الشعراء جميعا يتشبثون بعدة مقولات نافلة تؤكد أهمية الشعر وشرف الميزة الأدبية، والبعض يتحدث عن أزمة الشعر، وانحسار جمهور الشعر، وكل ذلك صحيح، لكنني شخصيا لست معنيا بالكثير بتوزيع الكتب، ومقاييس سوق الكتب، سأظل أكتب كأني اكتب لكل الناس، وكأني لا أكتب لأحد، وحين أطبع كتابا من كتبي، لا أطمح ان ينافس أي كتاب آخر، وأستغرب لو قال لي أحدهم أنه اشترى كتابا لي، او تكبد عناء البحث عنه وشرائه.
اعرف كل ذلك، وأعرف أن سوق الرواية اليوم أفضل، لكني ومن باب العناد، سأظل أدرك في داخلي، أن ما أفعله هو الصواب، يمكن لي أن أنخرط في لعبة الكتابة، وشروط السوق، ولكني ما زلت أعيش حالة جمود عقلي، تتمسك وتبرهن لي أن الشعر وحده السيد، ولا مجال لمقارنته مع أي نمط كتابي آخر. هذه قناعاتي وأنا مدرك أنها غير عملية وليست مقبولة. لكن لا بأس من الخسارة والهزيمة، إن كان الامر يتعلق بكتابة القصيدة، التي أحبها وأجد نفسي مهووسا بها. ولا آبه بتراجع دور الشعر، وأزمته وانكفاء الناس عن قراءته، وانكفاء النقاد عنه، لكن ليس لدي حاليا خيارات بديلة.
*في تجربتك الشعرية الكثير من التكثيف هل هناك من مبررات لهذا الاختيار؟
-العالم مكثف، صحيح أننا نشعر بطول الزمن والكثير من الوقت الزائد والفراغ الهائل، لكن اللحظات المؤثرة والخطيرة في الحياة، دائما تكون لمحات سريعة، من هنا أميل للتكثيف لأنه يختزل الكون والحياة في ومضات، ولأن أرواحنا صارت قلقة وسريعة الإشتعال، فإن ومضة سريعة تكفي لتحطيم أو بناء أو تدمير عالم بكامله، الحروب التقليدية والسفر التقليدي، وطرق التعابير القديمة انتهت، ونحن مقبلون على زمن أسرع مما نحن فيه، ولا يجوز أن تظل خطاباتنا السياسية والأدبية والحزبية والفكرية مطولات لا تنتهي، كأننا ما زلنا نقيم في العصور الحجرية، ولم ندخل عصرا جديدا.
هذا جانب ام الجانب الآخر، فهو سبب ذاتي وشخصي، فانا دائما على عجلة من امري في الكتابة، لذا ألخص الأشياء بسرعة كي لا امل من مواصلة الكتابة، لا أنفع للكتابة المسهبة والمطولة، وأجد روحي تهرب مني بسرعة، وتريد تفريغ كل ما لديها بشكل سريع أيضا.
هل تعتقد أنه مازال هناك قارئ وفي للكتاب في زمن الانترنت؟*
- نعم القارئ موجود والكتاب سيظل سيداً، مهما تراجع مستوى القراءة ودور الورق، وحتى لو تحول الناس كلهم إلى شاشات الكمبيوتر، سيظل للكتاب سحر خاص، وسيبقى هناك من يحمل هذا السحر، وسوف ينتقل الناس قريباً إلى الكتاب من جديد، بعد أن يثبت الانترنت فشله في التثقيف، ويثبت أن متعة القراءة الورقية لا تضاهيها متعة. ولعل الجامعات اليوم منخرطة، في هذه اللعبة لعبة الانترنت لكن الناس سيعودون مستقبلا للكتاب، لأن الحياة والثقافة، لا يمكن أن تختصر في شاشة صغيرة، فهناك فضاء للكتب وللمكتبات، لم تعوض عنها كل هذه المعلومات السطحية الضخمة المتاحة عبر التكنولوجيا الحديثة.
ما جدوى الكتابة ؟*
- ليس لها جدوى إلا احتراق صاحبها، ولا يسلم أي مشتغل حقيقي في الكتابة من المس،الذي يشبه الجنون، لكن لا جدوى مباشرة من الكتابة، وسط هذا المحيط الهائل من الأمية. لكن لا يملك المبدع الحقيقي بدائل عن الاشتعال في جمر الحروف.
*ماذا عن التجارب الشعرية الجديدة؟
- جميلة جدا، وأحبها وأحب دائما العناصر الطازجة فيها، فهي متسرعة أكثر منا، وتنظر للعالم بمنظار جديد نحتاجه لا شك، كما ان التجديد في الشعر، وفي أي فن من الفنون يتم دائما بالعناصر والمواهب الإبداعية الجديدة. لكن للأسف ومع زحمة النشر، تختلط الامور على البعض، ويظن كل من يكتب أنه يقدم شيئا جديدا، لكن يمكن تمييز بعض التجارب الجيدة، وفي الكثير من التجمعات العربية بلا تحديد، بل لم تعد القصيدة والشعر، مربوطين بعاصمة معينة أو مجلة محددة، صار العالم أرحب من أن يحشر في نمط محدد، ومكان معين، وتجربة واحدة.
متى تتملكك اللحظة الشعرية؟
لا توجد وصفة للحالة الشعرية ولا يمكن وضع برنامج لكتابة القصيدة كما هو الحال في كتابة الرواية او القصة القصيرة او الدراسة، لكنني ضد ضرورة الكتابة اليومية كي لا يفقد الشاعر قدرته على الكتابة كما يقول البعض، ولا أملك بحرا أغرف منه يوميا، لأن اللحظة الشعرية مرتبطة بمزيج من التوترات والقلق والدوافع التي ربما تجتاحني في معينة أحبها، أكثر من بقية الحالات، وبعد شعوري بالذروة الجنسية، دائما أجد في نفسي رغبة بالكتابة، لكنها لا تتبلور ولا تظهر إلا حينما تشاء هي وبطريقتها، تظل مهمتي حينها إفساح المجال لها للظهور والتعبير.
*هل تتحمل القصيدة أدوارا في الحياة؟
كما تتحمل الشمس دورها، والأغنية دورها، والصبايا الذاهبات إلى موعد العشق الاول دورهن، كذلك تتحمل القصيدة حكمة الخروج دائما على نمط البيت العمودي والقصيدة المتفعلة وحتى تقليدية قصيدة النثر، وهي تركض دائما باتجاه تثوير اللغة، وإحيائها من جديد، ورغم القداسة التي تتمتع بها لغتنا لكنك ترى معي كيف استطاعت القصيدة إنزال اللغة من السماء إلى المقاهي ودفاتر الطالبات وشفاه المغنين.
مهمة القصيدة في الدرجة الأولى، التعبير عن رؤية الشاعر للوجود، فلسفته السرية لصياغة الحياة، وفق نمط شعري غير تقليدي، وهي في هذه السيرورة ترسل شراراتها للأرض الرطبة، والباردة لكي تسخن وتدفأ، وتتحرك البذور في باطن التربة، وبالمقابل تساهم في تخضير نبات المعنى وخضرة اللغة، وتحاول إعادة صياغة الطين من جديد.
ما الذي يمنح قصيدة ما خلودا في وجدان القارئ ونحن في زمن متسارع؟
* ليس بالضرورة أن تخلد أجمل القصائد، ربما يساهم الوجدان الشعبي في لحظة ما بتخليد قصيدة ركيكة او بيت شعر سطحي، في العمق لا يُحتفظ بالقصائد العميقة إلا في الكتب، وفي الثقافة الشفاهية يردد الناس ما يصلح للحكم البسيطة أكثر مما يصلح لتثوير الوعي، ويتناقل المتناقلون ما يساهم في تثبيت اليقين اكثر وما يقلل من شقاء الحياة وشر الوجود، أما الشعر الحقيقي فهو يشبه النار المقدسة، والشعر الوجودي ثقيل على العامة لهذا تحتفظ الأساطير ببعض الديمومة فيما يساهم الدين في تكريس بعض المفاهيم الشعرية، لكن الغيوم العابرة لا تتوقف بثقلها في السماء بل تترك ماءً يحيي الأرض وهذا هو الشعر.
كيف ترى موسى حوامدة في عيون القصيدة القادمة؟
*ربما تحررني القصائد الجديدة دائما من عقدة الطمأنينة، والركون إلى منصة الثقة، دائما تذهب رياحي باتجاه آخر، عما توصلت إليه، ولذا لا أعرف كيف سأرى نفسي بعد لحظة او عمر معين، ولا أملك تصورا لما سيتبلور من قصائد، تحملني إلى أفق جديد، أو مناخات جديدة، أو منزلقات أبعد، لكنني لا أفضل الاستقرار، وأرفض التنميط ، وأفرُّ دائما إلى جهة أبعد.
ألا تخشى قصيدتك الزمن؟
* بالتأكيد كل أدب مهدد بالزوال، كما كل الثقافات والبشر، ولكل أثر في الوجود عمر افتراضي سيعيشه، ولا أفكر كثيرا في أهمية الزمن، ولست من الذين يعولون على الاجيال القادمة، فلها حين تجيء، آفاقها وأمزجتها ونظرتها لكل شئ، وربما تتخلى عن كثير من هذا الإرث الثقيل عليها، وتجد لنفسها لغة متطورة، أكثر منا، وآفاقا شعرية أعلى مما وصلنا، هذا شيء بديهي وطبيعي، وربما تنساق وراء موضات وعصرنة وتكنولوجيا تبعدها عن الجوهر الحقيقي لثقافتها، لا شيء مضمونا غدا، والأرجح ان العودة لنا قد تكون كنموذج لدراسة التراث الغابر، وشكل الإنجازات الأدبية والثقافية في عصر العولمة المدمر هذا.
تركت مجموعاتك الشعرية صدى طيبا ، هل أنت منحاز اليها الان بنفس الرضى؟
- على الإطلاق، لدي دائما هاجس التغيير وعدم الرضا، ودائما أفكر بالتخلي عما كتبت والهروب إلى لغة جديدة وعوالم أحدث، وتجتاحني رغبة أحيانا بحرق الكثير من القصائد، لكني أتردد لحظات حينما أجد أن البعض أحب حتى تلك القصائد الاولى، فأقول ربما ساهمت في بلِّ شفاه البعض، أو في منحه بعض الشعور باللذة، كما أنه لا يجوز لي بعد الخلاص من الكتابة والنشر، أن أنقلب على مؤلف غيري، لان ذاك الذي كتبها لم يعد "أنا" لأني لا أحس اليوم بمثل ما كان يحس "هو" من قبل، ولا أرى العالم كما كان يراه، ولا أفكر بطريقته، وربما كان يرى أفضل مني، ويفكر بحكمة أكثر مني، أو بجنون أقرب شعريا مني، لكني اليوم لست "هو"، فلا أترك الحكم على ما اقترف لمن لا يجد وصلا به، ربما تقطعت بيني وبينه السبل، ولا بد من احترام تجارب الآخرين.
*هل تتفق مع تعاطف الساحة الثقافية مع الكثير من المبدعات رغم ضعف مايقدمنه من انتاج ابداعي؟
-هذه ظاهرة تشي بتخلف العرب عن غيرهم، وتشي بأن عقدة الذكورة وتمييز المرأة عن الرجل، حتى لدى المثقفين والمبدعين موجودة، كما هي لدى الناس العاديين، لأن الاهتمام المبالغ فيه بالأسماء النسوية، لمجرد أنها "نسوية" وتريد التعبير عن مكنوناتها، والوقوف صفا مع الرجل، تعني تخلفا مزدوجا تمارسه المرأة التي تتوهم هذه العقدة، ويمارسه الرجل أيضا الذي يساهم في تكريس بعض الأسماء المفتعلة.
اما في العمق فقضية الحرية والتحرر واحدة، والكتابة لها جنس واحد، والأدب لا يعرف التفرقة، لذا تم إغراق الثقافة العربية حديثا بقائمة طويلة من المسميات، والأسماء مما ساهم في تخريب الذائقة أولا، كما ساهم بعض النقاد في ذلك، وبعض دور النشر، ووسائل الإعلام، بترويج بعض الظواهر والأسماء النسائية، على حساب القيمة الأدبية .
لو كنا أحرارا في العمق، ولا نؤمن بالتفرقة، لما ارتجفنا حين نرى تلك الصورة الجميلة، لهذه الروائية، أو تلك الشاعرة، ولتعاملنا مع النتاج الإبداعي، وليس مع الوجه والجسد الأنثوي.
* لمن يقرأ موسى حوامدة؟
- لا تهمني الأسماء الشائعة كثيراً، أتوقف كما قلت لك عند الكتب والنصوص بلا انطباعات مسبقة، حتى لو رُوِّج للبعض، بل أحيانا، أهرب مما يروج له كثيرا، وأخشى أن الترويج يكون لتغطية ضعف معين.
*ما الذي أضافته الترجمة الى مشوارك الابداعي؟
-شعور لذيذ انك مقروء ومفهوم من قبل بشر جدد وثقافات جديدة يقرأون قصائدك بلا مواقف قطرية أو رجعية مسبقة وبلا انطباعات متأصلة من قبل، وهذا وهم الانطباع الاول، قبل القراءة فانت حين تدخل إلى اسم مكرس ومشهور ومروج له لن تجرؤ على التشكك فيما تقرأ، ولا التمتع بالنفور أو الإعجاب مما تقرأ، كما تقرأ لاٍسماء طازجة وغير معروفة.
الترجمة هي نوع من الشعور بهذا الطعم الذي لا تجده إلا نادرا في العالم العربي فهم يقرأونك بخلفية معينة وبنمط واحد ومحدد وبانطباعات منقولة نقلا ومرسخة من جهات مختلفة، لكن القارئ غير العربي قد يقبل عليك بطريقة مختلفة.
كلمة أخيرة؟
- قلت كلاما كثيرا ماذا سأقول بعد؟
*قل ما تشاء عن الشعر والقراءة وعنك؟
*أتمنى ان أقرأ عربيا بشكل دقيق لا أريد حملات دعائية فارغة ولا ترويج حكومي ولا حزبي او وطني فقط أريد ان يتعامل معي القارئ بشكل محايد وان يدخل كتابي بلا خبرة سابقة وبلا نوايا مسبقة وبلا قسوة كما أتمنى ان لا يجفل من دهشة الشعر وان يترك روحه تعبر عما تراه وتشعر به، وأن يبتعد عن المقارنات والاحكام الجاهزة.
كما اتمنى ألا يتوقف البعض عند بطولتي في المحاكم وألا ينسى ان قصيدتي عارية، لا تريد تهليلا أو تقليلا ليدخلها بلا أفكار جاهزة وبلا نظريات معدة سلفا، وليتحرر القارئ من عقده عسى يحررني من عقدي أيضا.