قطعة من النثر الفنى
ماذا ؟ !
د.كمال يونس
Kamalyounes_55@yahoo.com( 1 )
ماذا أفعل بغضبتي ؟! وهى فورة بركان آه آه فكم غضبت قبلا فلم تتعد كونها فورة ماء من غليان في براد الشاي . أو موج منكسر . منحسر. علي شاطئ صخري عنيد . يحيله رذاذا أو وهما . بعدما سحر أذني أنين العبارة . منتفضا أهب في جسارة . وأحبط . أشعر بمرارة . يهدني التعب . ألوذ بفراشي . يغشاني الدفء . يغلبني نوم بأضغاث أحلامه . تواكلت . فأوكلت الدعاء للنسوة . والأطفال . في ليال شتوية .
***
( 2 )
ماذا أفعل بغضبتي ؟! . وقد تفرقنا ما بين شيعة و سنة .وآه آه . كم هنًا .و أرضي . تتقسم . قبائل . دويلات . تتجزأ . تتفتت . والشرق الأوسط مهيض الجناح . هزيل . مرتعش . متعدد الأوصال . ومد الحزن ثقيل . طويل. وصرختي تقطعت منها الحروف . والخوف يجثم على أنفاسي أنا الملهوف . وسيوفنا مشهورة في وجه الأخوة . الفرقاء . وكم من غيابات جب
. يلقى فيها الشقيق الأشقاء . الصورة مهزوزة . كئيبة . مشوهة الملامح
و الأبعاد . والدم العربي النازف . وطأته الأقدام . على أرصفة الطرقات .وعلى الجماجم تتواصل ـ بلا هوادة ـ ضربات .وعلى الوجه والقفا الصفعات.
والتذكير بأمجاد الأمة صار ترهات . يمليه العجز المتمكن من أجساد . يمرح فيه الدود . وتنبعث منها رائحة الأكفان . فيا دمع العين . لك الله . من ذا يكفكف ؟!.آه فالأحداث الجسام أعاصير و أنواء . وعدونا لا يهدأ له بال . ومازال يكيل لنا ضربات . تتلوها . ركلات . وصفعات . وطعنات .
***
( 3 )
ماذا أفعل بغضبتي ؟! . وقد رددت في تظاهرات ـ متزاحمة الرايات ـ صرخات.
شعارات . لها خطف البرق . ووقع الرعد . وأنا الغاضب ذو اليد المغلولة .أناملى مرتعشة . أدركتنى الكهولة . مذ وضعت سلاحى . فهل أتخذ من الورق قلاعا؟! . ومن الغاب سيوفا؟! . ودروعا ورقية؟! . امتطى حصانا خشبيا؟!
. أم أستحضر روحاً جنية؟! . فأركب بساط الريح . والقلب جريح . أنشد أشعارا أبكى فيها الماضي التليد. وأنا الفارس البليد .أين غضبتي من غضبة أجدادي ؟!. فهل أدعو الله أن يهبني سلاحا؟! . أم حنجرة ذهبية؟! . تحملها شعارا راياتى.
***
( 4 )
ماذا أفعل بغضبتي ؟! . كم من عدو جاء يزهو . وهزمه جندى. لفظته أرض الطهر مندحرا. وأتى الصهيوني .قاتل الأنبياء ومعه كل الأعداء. وليس في زمن المحنة وجاء. وهيئة أمم غرقت .وتدلهت في كراهيتى. حتى الثمالة في جب من كراهيتها لى. وارتضت سفك دمى. وقدر لي أن أشكو لها. فمن يسمع شكاواي؟!.يقتل ولدى. من ذا ينجى ولدى الآخر؟!.وتجتمع الحناجر من إخوتى. لإدانة وشجب. وعويل ولطم. وتشكيك وهدم. فيذهب ريحنا. يقتل ولدى المذعور. في حضن الأب المقهور. أفتديته. فأبوا إلا أن تغتال براعمي .وسحقونى أنا الأب . ليس غريبا. فعليهم دوما غضب الرب .فجعونى في فلذة كبدى. وأنا الأعزل إلا من إيمان بالرب .
***
( 5 )
ماذا أفعل بغضبتي ؟!. وهى كغضبة أهل العراق .يبكون . يولولون. ينوحون .يشقون الجيوب كل عام في كربلاء. فلا الحسين تجمعت رأسه والجسد الشريف. ولا وقف على قدمين ليبرئهم من دمه الطاهر. يأمرهم أن كفوا البكاء.فما زال أخي قلبه معى. وسيفه وديناره مع الأعداء .فهل يا ترى قدري دوما لوعة وتحسرا وبكاء ؟!.أنى لي قناديل تضيء طريقي لئلا ينطفئ بريقي .فتمتلىء شراييني حمية وشهامة.أنى لي نهر الأردن؟!. ليعمدني فيه طفل حجارة.متوجها للقدس.مغتسلا من ماء زمزم. لأحرر المسجد ثم أصلى.أخى. لاتهرول. لا. لا تتذاكى.فلن تجديك مواثيق سطرت على صفحة ماء آسن.مع نذل دائم خلف الوعد. ونقض العهد. دع شجارك معى. وارتيابك في نواياى.لا ترفع سيفك في وجهى.وادخرها عنترية أمام العدو.هات يدك. ذي يدى. لا تنأى . لا تدر لي وقت العسرة ظهرك.
***
( 6 )
ماذا أفعل بغضبتي ؟!.وسيف الجد معلق على الجدار زينة. خابت البريق. يعلوه الصدأ. والدرع صار للثريد قصعة .وقلادة الشرف يلهو بها الأحفاد. فلا رثاء للأبطال . ولا بكاء للأطلال. العاجز أنا بلا رباط الخيل. بلا مهابة. حتى دعوتي غير مستجابة. ومن كانوا فرسانا عموا وصموا. عن عبرات الثكالى.وصراخ اليتامى. وصهيل الخيول صار أنينا حين ودع الفرسان الصهوات.
***
( 7 )
ماذا أفعل بغضبتي ؟!.حين تتعثر خطاي في أشلاء التلاميذ الخمسة.حين أقلب في بقايا حقائبهم المتناثرة. فأجد حروف الهجاء. ثائرة غاضبة. تشكلت على سطور الكراسات المحترقة. تتساءل في أسى وذهول .هل ضاع دم الأبرياء هدرا؟!!. هل لو سئلت أنكر ثلاثا؟!!. لا. لا أعرفه. ويصيح الديك؟!!.وتنتحب الحروف تنعى مصابها الأليم . ترفض أن يعزيها فيه أحد .تبث الأنين. تشيح عنى بوجهها. ولكن. ذي شهر زاد. خرجت من بين السطور .من كتاب محترق في بغداد.مهرولة. ترفض انتظار الصباح .ضاقت ذرعا بما جادوا به عليها من الكلام المباح. وتنادى السياف . كى يقطع رقبتها .ويصيح الديك.
***
( 8 )
ماذا أفعل بغضبتي ؟!.وقد اعتبرت فحشا وعقوقا إذ أعلنت .وجرما إذ أسررت .تحريضا على الإرهاب. يخشون أن أنتفض يوما. وأقف على قدمين. أقول لا. آه. فالغضب شرف. ترف. رفاهية. لمن يملكون كلمتهم. ويشترون بأموالهم كلابا مسعورة. يرسلونها في الطريق كى تقطعه. الغضب حق لمن إذا مات منهم فرد. أقاموا الدنيا ولم يقعدوها. وفرض على أن أقف . متقدما صفوف العزاء. أردد كلمات التأبين. وتسفح مقلتي رغما عنى. الدمع غزيرا. أدرأ عن نفسي التهمة. فأنا المجرم دوما. استبان الأمر أم لم يستبين.
***
( 9 )
ماذا أفعل بغضبتي ؟!.عقلى تنور يفور. نذير بالطوفان .فلا سماع لما يحمله الأثير من نحيب ونواح. ولكن عقلي عاص. يؤز. يؤز . لضعف قوتي وهوانى. العالم حولي يتجهمنى. لما ملك عدو أمرى. يحرك الخيوط. وأنا الدمية ـ كما يشاء ـ ويشرب من دمى متى يشاء. وقبيلتي على رأسها الطير. بلا حراك .وآكلوا العيش بالجبن. مدعوا الحكمة المصبوغة بالذل.يزجروننى. ثم يتلطفون. يربتون الكتف العليل. لا تبال .وأنس الأيام الخوالى. هيا هيا. تجرع معنا. من نفس قنينة الهوان. فاليوم خمر. وغدا خمر. والنوائب ملها من فواق.
***
( 1. )
ماذا أفعل بغضبتي ؟!.أألتمس العرافين. وقراء الكف.وقصاصى الأثر ؟!!.
والدم تشكل على الجدران. على التراب. بقيعان الأحداث. تتخلله الحسرة. تجثم على الشطآن .من ذا يجيد الكهانة؟!. من ذا يخترق الحجب؟!!. يسعى وراء الغيوم. وراء النجوم. يكشف الأسرار .وما يخبئه لنا الغد ؟.فهل جاء ذو نواس بنار؟. أنا وأهلي وقودها. والقعود الشهود. النمرود وفرعون وهامان .وهولاكو و جنكيزخان. وصليبي قديم مهزوم يتشفي. وصليبي العصر الألعبان. وإسرائيل بطواغيتها. سفاحي الزمان. فليخبرني العرافون . ببواطن الأمور. من ساسة في سوق النخاسة. متى يحين قتلى حرقا في الأخدود.
***
( 11 )
ماذا أفعل بغضبتي ؟!.وقد تناثرت الحروف على الشفاه. بائسة. يائسة.ومحراب الكلمة مزدحما بالدخلاء .في غفلة من أهلها .تسلل الشويعر الدعي بأقرانه. وخصيانه. وجواريه. يثرثر .يهاتر.يلوى لسانه .يهتك الحرمة .يتبعه الغاوون .يتسابق محموما على الفتات .من أى مائدة ؟!!. لا فرق .يزاحم القطط والكلاب. يمرغ الخد على الأعتاب.. القرد يرتدى طرطور المهرج.. يرقص بالعصا.. يلقون إليه الموز.. ليضحك السادة.. ويكتسب الحظوة ليكون بوقا للأعداء.. فهل يستشعر مثله الألم؟!!..هيهات.. هيهات.. سكرة الدنيا تنسيه.. ويتناسى.. فلا أنين الأمة يوقظه. ولا يؤرقه البكاء. منتفضا يرقص بالعصا. يهز زيله. وطرطوره. يلبى النداء. حين يستثيره رنين الذهب. يلقيه على الأرض له الأعداء. أو وسوسة حلى النساء. قصف قلمه الزائف. فمداده النفاق والرياء. والكاتب الحر الأبي في ركن منعزل. طوى جناحيه على حزن دفين. لما تصدر المحراب الدخلاء. متى ينتفض حامل الكلمة أبيا؟. حتى لا يكون الصدر قبرا للكلمات.
***
( 12 )
ماذا أفعل بغضبتي ؟!.وحرب البسوس ما زالت دائرة.جساس يقتل كليبا فداء ناقة. بذرت الشر في كل الأنحاء. لا أحياء على أرضنا البسوس تريد. لا أشقاء أحباء بل فرقاء .والحسرة تترعرع. والخيبة تزدهر .ويسيل الدم أنهارا. والقاتل والمقتول في النار .فجار من استباحوا الحرمة .والبسوس تقهقه .فما كان لمسعاها أن ينتصر. إلا حين يقتل كل منا الآخر .وتتسلم أرضهم منهم طواعية. والحسرة في صدري تترعرع. وإحساس بالخيبة يتملك. وضحكات الشماتة تعلو. تعلو . رنينها في أذني كدقات الناقوس.
***
( 13 )
ليتني من أطفال الحجارة. بغضبة طهر رواها بدمه. غضبته بشارة .كم يجثونا الحجر أمامه.يتوسله. ألق بى. امنن. اتخذ منى جمرات .ويلثم يد الطفل رجاء. كى يرمى به عدوهما .ينتفض الحجر .ويعود فيتوسل طفلا آخر . غير شهيد أول .حملته الملائكة في تحنان .ذا عرس شهيد. لكن يتملص منها. توسلها أن تطلقه.تمهله.يسأل لله أن يبعثه. يرد فيه الروح. كى يلقى أحجاره. يكمل مشواره. تواقا للنصر. من ذا يكمل؟.من ذا يكمل؟!!!.