- تسجل الصفحة الأولى من رواية (دولة العقرب) إهداء إلى "الحرية.. السر الأول والمجهول للكون" وفي الصفحة الأخيرة يتساءل البطل.. "وهل قامت في مصر ثورة؟" في وصف ما آلت إليه الأمور بعد الاحتجاجات التي أدت لإنهاء حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك في 2011.
وفي الرواية ينطلق الكاتب المصري فؤاد قنديل من التسجيلي إلى المتخيل.. من وقائع اختفاء الصحفي المصري رضا هلال في 2003 وتعذيب وقتل كل من الشابين خالد سعيد في 2010 وسيد بلال في 2011 بمدينة الإسكندرية إلى اختفاء "ريم" وهي فتاة ذات حس وطني ثوري وتعمل في مجال المسرح.
ويظل اختفاء ريم لغزا بعد تعرضها لحادث مدبر إلى أن يعثر عليها "ناجي الورداني" بعد أشهر على خروجه من السجن حين فتحت السجون المصرية مساء "جمعة الغضب" 28 يناير كانون الثاني 2011.
وتعلو نبرة الحكي في الجانب التسجيلي حيث تنافس جنود "بكل إخلاص في الدفاع عن هيبة الدولة والقانون عندما انهالوا ضربا على خالد سعيد فى مقهى إنترنت... وبملامح متقززة خرجوا وفي حوزتهم الشاب صاحب الوجه البريء إلى منزل مجاور حيث أوسعوه لكما حتى تحطم فكه وتناثرت أسنانه وتدلت على جباههم وخدودهم المتشنجة وأعناقهم المتصلبة عناقيد العرق..
"أما سيد بلال السلفي ذو اللحية الكثيفة فقد مال الضباط إلى الشك في أنه من فجر كنيسة القديسين (في الدقائق الأولى لعام 2011) فقبضوا عليه ودقوا عظامه حتى فارق الحياة.. من يتعرض لأى اشتباه يفقد على الفور بشريته في نظر الشرطة. لا يدري أحد بالضبط السر في أن الغيظ ينهش قلوب الجنود... يندفعون في الضرب والتمزيق والكسر خاصة عندما لا يبدي المشكوك في أمره قدرا كافيا من الاحترام للجنود الملائكة الذين يتولون حماية الوطن والأخلاق."
والرواية التي تقع في 422 صفحة من القطع المتوسط أصدرتها مكتبة الدار العربية للكتاب في القاهرة وهي الرواية التاسعة عشر لقنديل الحاصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب في مصر عام 2010.
وتصور الرواية "ريم" باعتبارها "وردة الحي" الشعبي في القاهرة لكن الوردة اختفت دون أن يعرف أحد من الذي اختطفها وأين أخفاها ولماذا؟.. ولم يجدوا إجابة عن هذه الأسئلة لدى جهاز مباحث أمن الدولة.
وحين يخرج زميلها ناجي الورداني من "سجن العقرب" مع من خرجوا حين اقتحمت السجون في جمعة الغضب يفاجأ باختفائها فيبدأ رحلة البحث عنها ويظن أنها في ميدان التحرير فيذهب إلى هناك ويشارك في التصدي للذين هاجموا المعتصمين في "موقعة الجمل" في الثاني من فبراير شباط 2011.
وتستعرض الرواية مقدمات الثورة والأسباب التي أدت إلى أن تكون الاحتجاجات الشعبية الحاشدة حدثا لا يشكل مفاجأة للشعب الذي كاد ينفجر بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية و"الحرمان من كل شيء... الحرمان من القدرة على تخيل المستقبل... الحرمان من النوم الهانئ والآمن."
ويواصل الورادني رحلة البحث عن ريم في المكان الذي يتوقع أن يجدها فيه أو أن تعود إليه حين تستطيع ويسهر الليل في شهري مارس وابريل 2011 "عام الثورة... والشباب جميعا تأكل عقولهم تروس الفكر والغضب والحيرة وهم يرون كل خيوط الثورة تسحب من بين أيديهم ويستولي على الميادين والصحف والقنوات التلفزيونية أناس جدد يتشدقون بالكلمات الصارخة ويلوكون مصطلحات سياسية."
ويصل إلى الورداني خبر مبهم عن فتاة مجهولة الاسم والعنوان ولا يسأل عنها أحد وهي محتجزة منذ أشهر بمستشفى في جنوب غربي القاهرة بعد تعرضها لحادث أفقدها النطق فيسارع إلى الذهاب واثقا أن ريم "ليست التي تموت في يسر أو بشكل عابر أو لسبب تافه. ريم القوية المحاربة العاقلة المثقفة صاحبة الخيال المجنح."
وفي المستشفى كانت ريم فاقدة الوعى لا تشعر بالعالم من حولها وأوشك الورداني أن يفقد الوعي حين فاجأته المأساة ولعن الذين عذبوها. وقال له الأطباء إنها تحتاج إلى رعاية فائقة في مستشفى يملك إمكانات أكبر فيجتهد في تنفيذ توصية الطبيب.
وكان الطريق إلى المستشفى الكبير يمر بنفق مظلم تحت الإنشاء واقتربت عقارب النفق من سيارة الإسعاف التي كانت تدهس الكثير من العقارب فيزيد عددها إلى أن تغطي الزجاج.
وفي السطور الأخيرة تسجل الرواية أن يدي الورداني كانتا ترتعشان وهو يمسك يد ريم ويتحسس النبض إلى أن لمح هو والطبيب عينيها قرب نهاية النفق "تتأمل ما حولها" فابتسما وسأله الطبيب عما يمكن أن يقوله لريم إذا سألته عما جرى للثورة؟
فأجاب الورداني.. "سأسألها بالتالي وهل قامت في مصر ثورة؟".
عن (رويترز)