نسيم الربيع العربي يهب في الشارع القوقازي.
يزخر شمال القوقاز بل وروسيا ككل بالكثير مما يحاكي ما تسبب في اندلاع الاحتجاجات العربية.
صحيفة جزيتا رو –
قسم تعليقات وتحليلات.
كتب: سيرغي ماركيدونوف- زميل زائر في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، الولايات المتحدة.
ليس من الضروري تخويف الروس "من السيناريو العربي" فشمال القوقاز، الذي لدينا اليوم ، حاله ليس أفضل كثيراً.
باتت الاضطرابات السياسية في الشرق العربي بمثابة الظاهرة الأبرز هذا العام. فاليوم يراقب العالم كله التقلبات التي تحدث في مصر والبحرين وليبيا وتونس وغيرها من البلدان العربية. وروسيا في هذا الصدد ليست استثناء. وحسب التعبير الدقيق لعالم السياسة بوريس ماكارينكو " تتحول العلوم السياسية اليوم بسرعة هائلة إلى علوم للمصريات". وفي الواقع يصعب العثور على معلق إمتنع عن إصدار الآراء والأحكام على آفاق تطور أوضاع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أما الحديث عن مستوى المعرفة "للمستشرقين حديثي العهد" وتقديراتهم وتقييماتهم فهو قضية منفصلة تتطلب مقالا منفرداً بل حتى سلسلة مقالات. وعلى أية حال ومهما يكن، تكمن المشكلة الرئيسية بين المبتدئين بـ "علم المصريات" في السؤال التالي : "هل يمكن أن تتكرر الأحداث المصرية أو الليبية في روسيا بوجه عام أو في شمال القوقاز (المنطقة الأكثر اضطرابا في البلاد) على وجه الخصوص؟
بالنسبة لدوائر الخبراء والمعلقين والناشرين المقربين من السلطة إصبع أو علامة الإشارة في الأمور هو تقييم الثنائي الحاكم للأوضاع، فحتى الآن، "الرؤية" الأكثر شمولا لأحداث الشرق الأوسط جاءت من الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف خلال اجتماع اللجنة الوطنية لمكافحة الارهاب الذي عقد 22 فبراير 2011م. فمن ناحية، شجع الرئيس مواطنيه، مصرحاً بأن السيناريو العربي " لن يتم تمريره في أي حال ". ومن ناحية أخرى حذر ودعا إلى توخي الحذر قائلاً : " يجب أن نواجه الحقيقة. فقد أعدوا لنا مثل هذا السيناريو من قبل، والآن بصفة خاصة سيحاولون إنجازه وتنفيذه... وكل ما يحدث هناك سيكون له تأثير مباشر على أوضاعنا، والحديث هنا عن مدى طويل بشكل كاف، فنحن نتحدث عن آفاق عقود. "
وبهذه الألوان والظلال أو تلك (ولكن ضمن إطار سعة التقديرات الرئاسية) تكررت إهانات الرئيس هذه على ألسنة وأقلام "العقول المبدعة" المقربة من السلطة من مختلف المستويات والرتب. في هذه الإطار، قد تجدر الإشارة إلى التفاؤل المعتدل لرئيس المجلس العمومي في هيئة رئاسة المجلس العام لحزب روسيا الموحدة "اليكسي تشيسنوكوف" حول قوله أن عدد العرب في روسيا صغير لتفجير إرهاصات العمل الثوري داخل روسيا، وإلى الإنذار الوقائي للطليعي" كومسومول " الرئيسي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي فاسيلي ياكومينكو، الذي قال ان هناك حاجة الى" مبادرات جديدة " لكي لا نحصل على "السيناريو العربي في القوقاز". ولا يملك المرء مع تصريحات من هذا النوع سوى التكرار مبتذلاً : "لا جديد تحت الشمس". فقد تبدو هذه الأدوات مماثلة تقريبا لتلك الأدوات التحليلية التنبؤية التي استخدمتها السلطة وأيدلوجياتها في عامي 2003-2005 بعد سلسلة "الثورات الملونة" في الدول المستقلة حديثا برابطة الدول المستقلة. تلك التلميحات إلى عالم "ما وراء الكواليس"، وبنفس الثقة بأن الغرض والهدف الحقيقي "لمنظمي التحولات والصدمات الكبرى" هو إصابة روسيا.
والفرق الوحيد هو أنه في السنوات السابقة تحولت العلوم السياسية لدينا إلى دراسات الأوكرانية. " وعلوم القوقاز" وها هي اليوم ، كما في السابق ، تظل واحدا من محاور الاهتمام.
وعلى الرغم من الاختلاف الظاهري بين كل النتائج التي توصل إليها "علماء المصريات" ذوي الأمزجة المعارضة، فإنه لا يمكن وصف نهجهم بأنه خالي من تخيلات وآراء لحظية للوضع والحالة الجارية. وتماما كما هي الحالة مع خصومهم، لم يكن يهمهم جدا الوضع الحقيقي في مصر وليبيا وتونس. إلا أنهم وبسعادة مكشوفة يتحدثون عن " حلول الساعة الآخيرة " للحكام المستبدين. وفي ذات الوقت ، لا يتم الحكم على ساسة الشرق الأوسط بذوات أنفسهم. لكنهم يلبسون سمات شخصيات الفضاء والامتداد السوفيتي السابق المعروفين لنا جيداً. ونتيجة لذلك، يتم احتواء المناقشة فعليا في مشكلة "التكرار". ومع مثل هذا النهج، يذهب بعيدا عن الأنظار عدد من الموضوعات الأساسية. لكن دعونا نحاول أن نتوقف عندها ولنحدد لهذا بعض الخلاصات الهامة.
أولا، الثورة ليست فيروس. ولذلك هي لا تنتقل من خلال العطس أو المصافحة. وإذا كانت الإطاحة بحسني مبارك الذي حكم مصر لمدى طويل تطلبت نضج الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية لذلك، فإن هذا لا يعني أن هذه الظروف يمكن جلبها تلقائيا إلى شمال أفريقيا " بواسطة لجنة واشنطن الإقليمية "، ومن ثم يمكن نقلها من هناك الى جبال داغستان والشيشان.
لكي تهب الرياح الثورية في المنطقة الأكثر اضطرابا في روسيا ، يجب جمع العديد من العوامل المحددة الخاصة جنباً إلى جانب في وحدة واحدة. وهنا يبدو من الواضح جداً أن رغبتنا وحدها (أو الرغبة الأمريكية) غير كافية بالمرة لحدوث ذلك. ثانيا، عند الحديث عن الاضطرابات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط ، وكذلك عن تأثيرها الفعلي على روسيا ككل، وشمال القوقاز على وجه الخصوص، يجب علينا أن نعي وندرك أن مفهوم "العالم العربي" هو بناء مصطنع إلى حد كبير. فمصر وليبيا والبحرين وتونس هذه دول تختلف وتتباين جدا فيما بينها (من حيث العرقية والطائفية وتوجهات السياسة الخارجية). ولنأخذ مثلاً على الأقل عملية فجر الأوديسة التي بدأت لتوها حيث توحدت ضد نظام العقيد معمر القذافي دول الغرب ودولة كقطر ممثلاً عن "العالم العربي". وكما نرى، في حالة ليبيا-2011م، كما في حالة العراق- 1991م أو العراق -2003م، لا يقتصر الموضوع على شكل: "الديموقراطية ضد الطغيان". بل على النقيض، تلتقي المثالية والسخرية في نقطة واحدة، مصالح وطنية برغماتية واهتمام وقلق من أجل نظام عالمي عادل، توقعات عالية وانعدام للبصيرة الاستراتيجية. هو مشهد مطابق تماما لمشهد ما بعد الحداثة الذي يمكن أن نلاحظه إذا رغبنا في شمال القوقاز، حيث غالبا ما يقوم المتطرفون والذين بحكم وظيفتهم يتوجب عليهم قتالهم بالتغذى على قوة وموارد الجانب الآخر.
ثالثاً، ليس هناك موقفاً عربيا موحداً تجاه روسيا وشمال القوقاز بصفة خاصة ولم ولن يكون.
فبعد ان بدأت روسيا في نهاية عام 1994م أولى عملياتها العسكرية في الشيشان، واجهت روسيا مشكلة تقليل مخاطر السياسية الخارجية. فلأول مرة بعد دخول القوات إلى أفغانستان في 1979م خاطرت الدولة الوريث للإتحاد السوفيتي بأن تجد نفسها معزولة بين مجموعة من الدول الإسلامية. وبذلت الدبلوماسية الروسية جهودا ونفقات كبيرة من أجل تجنب تكرار تجربة الحرب الأفغانية. ونتيجة لذلك، أعربت سوريا ومصر عن دعمهما لخط موسكو ، أما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر فكانوا مع الإدانة. ومع ذلك، لم تدعم أية دولة "في العالم العربي (بما في ذلك دولتا الإمارات العربية المتحدة وقطر، اللتين استضافتا رسميا وفودا من" جمهورية الشيشان ") استقلال الشيشان، بل على النقيض من ذلك، لم يضعوا تحت الشك مطلقاً وحدة الأراضي الروسية. واليوم، لا نرى من جانبهم اهتمام بـ "إمارة القوقاز"، برئاسة عمروف. وبالمناسبة من الجدير بالذكر، أنه كان لموقف حسني مبارك لسنوات عديدة أهمية خاصة في هذا الصدد، رئيس أكبر دولة عربية وهي مصر لفترة طويلة، الذي أدان علنا الهجمات الإرهابية لمسلحي شمال القوقاز، وأعلن ضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لروسيا.
ومع ذلك، فإن الشرق الأوسط ليس فقط أنظمة حكومية. فهنا يمكننا أن نتحدث عن حركات شعبية مختلفة، إذا كنتم ترغبون في الحديث عن الشرق الأوسط "المجتمع المدني" (إذا كنا نعني بذلك الأنشطة التي لا تدينها السلطات والمصرح بها)، الذي لديه وجهات نظر وأطروحات مختلفة جدا. أو لنأخذ مثلاً تقديرات الإسلاميين المصريين (والذين كانوا في عهد حسني مبارك تحت ضغط وتعسف شديد من الجيش والأجهزة الخاصة) للأوضاع في شمال القوقاز. سنجد وفقا لرأي المستشرق الروسي ألكسي كودريافتسيف " أنهم لم يعودوا يتهمون روسيا بالالحاد على النقيض من شأنهم تجاه الاتحاد السوفيتي" ولكنهم يحملونها " ظلم وقمع المسلمين في شمال القوقاز، وخصوصا في الشيشان ". وفي هذا السياق، ليس من قبيل الصدفة أن المقاتلين العرب الذين أعلنوا مشاركتهم في شؤون شمال القوقاز (كحبيب علي فتحي وخطاب وأبو عمر السيف وأبو حفص الأردني وأبو الوليد الغامدي ومهند أبو أنس) لم تدعمهم أو تؤيدهم حكوماتهم. وأُتهم معظمهم في بلادهم بالإرهاب والتطرف. أضف الى ذلك أن نطاق مشاركة "الشارع العربي" في شؤون شمال القوقاز غالبا ما ينطوي على مبالغة كبيرة (وخاصة من قبل دوائر الدعاية المقربة من السلطة). وعلى أية حال، فإنه لا يمكن مقارنتها على الإطلاق بمشاركة المقاتلين العرب في أفغانستان أو العراق.
ومهما يكن، ففي خضم احتفالات "الشارع" الشرق أوسطي التي تحل محل الأنظمة العلمانية طويلة الأمد (الفاسدة وغير الديمقراطية ولكن يمكن التنبؤ بها أكثر) يظهر تخفي الخطر الرئيسي للاضطرابات الحالية. ولا أود مطابقة هذا "الشارع" مع الإسلام الراديكالي، لأن هناك مصالح ومواقف ودوافع مختلفة. ومع ذلك، فإن الدهشة لحماسة "الجماهير الشعبية" تبدو غير مناسبة. على الأقل في الوقت الحاضر من الأفضل عدم إعطاءه ومنحه سُلف ومقدمات. ففي ظل ظروف شخصنة السلطة في "عصر ما قبل الثورة، فضلا عن عدم وجود نظام تعددية حزبية فعال وغياب مؤسساته، ليست حقيقة بعيدة أن ثمار الاضطراب الحالي لن يستفيد منها سوا الراديكاليين والمهندسين القادمين "للديمقراطية الشرق أوسطية" الغير واضحة المعالم بعد.
ودعونا نتخيل للحظة فوز الإسلاميين في مصر- أكبر دولة عربية، أو تحول ليبيا متعددة الأعراق إلى عراق أو أفغانستان أخرى مع انبثاث متتابع في منطقة البحر الأبيض المتوسط. يبدو أنه في هذه الحالة سوف يدور الحديث عن تغيير جذري في التكوين الجغرافي السياسي ليس فقط في "العالم العربي". لا سيما أنه تبعا لذلك لو أصبح عالم شمال القوقاز الإسلامي وحتى لو كان التحرر السياسي له ناقص وجزئي أقرب إلى العالم الإسلامي (بمعناه الواسع). فنتيجة لذلك، والاهتمام هنا له ما يبرره، سنرى كيفي تتعالى الكلمة العربية في جمهوريات شمال القوقاز.
ومن هنا تأتي الأطروحة الرابعة.
وهي تفضي إلى أنه وبطبيعة الحال يجب الاستعداد مسبقا "لتسونامي" سياسي ممكن أن يأتي من شمال أفريقيا والشرق الأوسط. ولكن لا ينبغي تخويف مواطنينا بشدة "بالسيناريو العربي" لآن سيناريو شمال القوقاز الذي بين أيدينا اليوم أفضل قليلاًً، هذا إن كان مصطلحا أفضل وأسوأ مناسبين للاستخدام في هذا السياق.
فنحن نرى هنا ذات تركز وشخصنة السلطة غير المعقول ومؤسسات الإدارة غير الفعالة والعاملة (الشيشان كمثال) وبيروقراطية عشائرية ذات استجابة واتصالات عكسية ضيقة وضعيفة للغاية وسيادة اتفاقات غير رسمية (داغستان وكاباردينو- بالكاريا) أضف إلى ذلك اندماج سياسي قانوني ضعيف لجمهوريات شمال القوقاز وغياب الحوار مع الإسلام المعتدل (وهو ما يصب في مصلحة المتطرفين ويدفعهم) وكذلك المجتمع المدني الذي قلما يلعب دوراً إيجابياً، فهلا تظهر هذه الجماعات المتطرفة ذاتها بتعليمات من "روسيا الموحدة"، أما ما يخص العمليات العسكرية والقهر السياسي فهو فائض عن الحد اليوم في شمال القوقاز. وبهذا الشكل وبفضل النظام الإداري القائم اليوم في روسيا الاتحادية تزخر جمهوريات أكثر الأقاليم الروسية اضطربا اليوم بكل العوامل التي يمكن أن تصبح سبباً "لقدوم الربيع العربي الحالي" ، لذلك قد يؤدي التأثير الخارجي القادم من منطقة الشرق الأوسط فقط إلى ازدياد الوضع سوأً، إلا أن جذور المشاكل الحالية للإقليم ليست في الدسائس الأجنبية.
ولذلك فإن المشكلة ليست في عدد العرب الموجودين داخل البلاد أو في ألأطرف القريبة والمتاخمة. يجب البحث عن مصادر الأمراض الحالية في عدم فاعلية نموذج السلطة القائم وسياسة الدولة التي لدينا اليوم في الشيشان وداغستان وإنجوشيا وكاباردينو – بالكاريا وفي روسيا بوجه عام ، لآن أزمة القوقاز ما هي إلا انعكاس خاص لنظام إداري روسي غير فعال.
وفي ذات السياق وبالمناسبة لم يكن ينبغي على رئيس الدولة أن يتلاعب بالألغاز متحدثا عن هؤلاء الذين أعدوا لنا سيناريوهات ما سرية وخطيرة. فلو كانت هناك أسماء محددة لكان من الأفضل والأنجع الكشف عنها أمام الشعب. وإلا في المرة القادمة ستتحول صياغة أي مهمة سياسية صعبة إلى عرض لمؤامرة ومعاقبة كبش فداء عليها ومحاكاة لحل المشكلة.
SaadSayed