مختبر السرديات عضو فعال
عدد الرسائل : 152 نقاط : 29030 تاريخ التسجيل : 29/03/2009
| موضوع: سطات ..شايلاَّه آبويا الغليمي/ شعيب حليفي السبت يونيو 18, 2011 2:20 pm | |
| روبورتاج حول مدينة سطات :
سطات ..شايلاَّه آبويا الغليمي
إلى بويا : الروح الطاهرة لمحمد بن عبد السلام بجوار ربنا الرحيم .
شعيب حليفي
في رمزية تعلو وتهبط ، يُحبُّ ساكنة مدينة سطات خصوصا ، وجهة الشاوية عموما ، رفع رؤوسهم عاليا وهم يُتمتمون ..شايلاه آبويا الغليمي ؛ في إشارة صريحة أو مجازية إلى متخيل جمعي ، ديني وثقافي، جَمَعَ أهالي سطات منذ القرن السادس عشر رسميا ( وربما قبل ذلك بكثير دون أن ندري أو نجد أثرا يدلنا ) في تجمع نواة بعدما كانت مَعْبرا لا يلتفتُ إليه إلا العابرون الباحثون عن الوصول إلى مراكش ذهابا وإيابا في أمان .
كانت هناك دواوير متفرقة من الشجعان يواصلون ضخّ الحياة في تلك الفيافي الخصبة إلى أن أصبحت تجمُّعا يسمى سطات .في نقطة آمنة وسط عيون مياه عذبة وكثيرة .. وقد أمر السلطان المولى إسماعيل ببناء قصبة ..وحولها تكاثرت النزالات ثم الأولياء وأشهرهم ، في ما بعد، سيدي الغليمي وسيدي بوعبيد ، ثم آخرون هنا وهناك ممن تأبطوا كراماتهم وتقواهم وابتعدوا عن السلطة والفساد الذي طبع عصورا لا تهدأ مدا وجزرا .
· الإمبراطورية المندثرة
ومثل أغلب المدن المغربية التي أصبح لها شأن على الخريطة ، عرفت مدينة سطات منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر عددا من الأحداث، ثم يأتي القرن 20 وما عرفته من ويلات الاستعمار والدور الهام الذي بذله أهلها ؛ سواء من رجال ونساء أهالي المزامزة وأولاد سعيد وأولاد بوزيري وأولاد سيدي بنداود وقبائل امزاب والمذاكرة وأولاد حريز ...
ما يميز سطات إنها عاصمة الشاوية ، وقد عرفت منذ الاستقلال حتى الآن عدة تقسيمات تحكمت فيها الأهواء السياسية /الانتخابية والأمنية ، وبعدما كانت مركزا إداريا لكل الشاوية ، ها هي ومنذ سنوات قليلة بدأت تفقد نفوذها ويتقلص دورها بعد اقتطاع أجزاء منها وضمها إلى مدن أخرى يتم إنشاؤها ،وكأن الأمر يتعلق باستقلال دويلات عن إمبراطورية سطات .
تقع سطات في قلب قبائل المزامزة على مساحة حوالي 3000هكتار ، أصبحت مع التوسع الأخير 6000هكتار يقطنها حوالي 120.000 نسمة حسب آخر إحصاء .أما مؤهلاتها الطبيعية والجغرافية والاقتصادية ، فبالإضافة إلى كونها تمتلك أجود الأراضي الفلاحية لإنتاج الحبوب والقطاني، فإنها عاصمة جهة الشاوية ورديغة،بها جامعة الحسن الأول والتي تتفرع عنها عدد من المؤسسات العلمية ذات الصيت الذائع.كما لسطات موقع هام على خارطة الشبكة الطرقية والطرق السيارة والسكك الحديدية بين محاور الدار البيضاء ومراكش؛شمال المغرب وجنوبه .وقد جعلها قربها من الدار البيضاء (45دقيقة ) ومطار محمد الخامس الدولي فضاء استراتيجيا للاستثمار الذي توجد له اليوم منطقة صناعية مهمة ، سواء قرب السوق أو بمنطقة تامدروست .
كما جعل تصميم التهيئة الجديد 2010/2011 توسيع المدينة في كل الاتجاهات هدفا له، مما شجع بعض كبريات المقاولات في التعمير على الاستثمار ، وذلك بفتح مناطق عمرانية جديدة (المنظر الجميل 130 هكتارا، وفي الجنوب الغربي للمدينة 400هكتار بالإضافة إلى 135 هكتارا كتعبئة للوعاء العقاري الخاص بالمنطقة الصناعية ، فضلا عن توسيع مجال إنشاء مؤسسات جديدة للبحث العلمي والتكوين بإحداث كلية الطب ومركز استشفائي جامعي ومعهد دولي للسياحة ).
كل هذه المعطيات الأولية هي رهان يشجع على اكتشاف خلق مدينة سطات الحقيقة المفقودة تحت أنقاض اللامبالاة والإهمال .وإحساس المواطنين بأن الدولة قد تخلت عن المدينة وساكنتها وجعلتها فضاءً للعبور ،كما كانت قبل خمسمائة سنة خلت ، فلا أحد ينكر اليوم الإمكانيات الطبيعية والمستقبل الذي ينتظر المدينة ومحيطها .فهي على المستوي الأمني هادئة وآمنة ، وذات مناخ صحي .أهلها طيبون لهم طموح للأفضل ، وفي نفسهم ضيم كبير أن مدينتهم مهملة – عن قصد أو غيره – متروكة لمصيرها ، لم يشفع لها تاريخها الاقتصادي ولا النضالي خلال المائة سنة الأخيرة ...ويتساءلون لماذا ملك البلاد زار أغلب المدن ولم يلتفت إلى سطات ؟
· الحاجة إلى هوية جديدة
سطات اليوم في حاجة إلى مجهودات خارقة للنهوض بتنميتها وجعلها قطبا حقيقيا، له خصوصياته التي تستكمل خصوصيات الجهة كلها من الدار البيضاء إلى تادلة ..فهي تمتلك ثرواتها الطبيعية وموقعها الجغرافي ومناخها الصحي وثروة بشرية استثنائية من أطر عليا في كافة التخصصات العلمية والمعرفية ، داخل المغرب وخارجه ،دون أن تكون للمسؤولين محليا أو وطنيا ، خطة للاستفادة من خِبراتها ومعارفها ..وهذا الأمر بات ضرورة استراتيجية لتأهيلها على كافة المستويات وربطها بعقلها وبالتالي بكل المستجدات .كما تحتاج المدينة إلى جمعيات حقيقية تعمل على مشاريع واضحة وكبرى وليس إلى مهرجانات موسمية باذخة لا أفق لها . الأمر نفسه يقال على الجانب الرياضي، فقد بلع سوء التسيير والتدبير وغياب الأفق أن غابت العديد من الرياضات وتحول الرمز الرياضي للمدينة ( فريق النهضة السطاتية)بعدما كان فريقا كرويا كبيرا ،إلى نكتة في الرياضة الوطنية وهو الآن بقسم الهواة وربما بعد سنوات قليلة لن نسمع به ويتحول الملعب البلدي إلى مجرد ذكرى لفريق كان وقضى ..فتفقد مرة أخرى المدينة شئيا جديدا من خصوصياتها وقوتها.
مَنْ وراء تدمير كل شيء جميل بالمدينة ؟بدءا من تاريخها الذي لا تملك له متحفا أو إطارا يجمع كل الإرث الثقافي للمجتمع الشاوي عبر العصور؟ ..ومن يسعى إلى بذر الجحود والنسيان : فلا شوارع تحمل أسماء رجالات المدينة والشاوية من كبار المجاهدين والعلماء ؟..فلا أفق للمسؤولين الحاليين ، في جل المستويات التي تتحكم في مصير هذه المدينة ، ولا تصور لهم حول كيف ستكون سطات في 2020 و2030..وهل جلسوا يوما إلى نخبة المدينة ،من كل القطاعات والمعارف، للتفكير في هذا المستقبل المتردد والتخطيط له بجدية ..أم أن تسيير مدينة لا يحتاج أكثر مما يحتاج إليه صاحب "محلبة لبيع الألبان !!!"
إن المدينة ، اليوم ، في حاجة إلى مُراجعات جذرية في كل شيء لنفض الغبار عن الهوية التي تستحقها ، لأنها المخرج من أزمة حقيقية تعيشها ، عبر مشاريع كبرى تكون قاطرة التنمية ،تربط سطات بمحيطها من القبائل المشكلة لها والمفتوحة عليها ( المزامزة ، أولاد سعيد ، اولاد سي بنداود ، أولاد بوزيري ..) وذلك بخلق مشاريع صغرى فلاحية أو مرتبطة بالفلاحة وإنجاز الطرق المعبدة ، فكيف يعقل -على سبيل المثال - أن تبقى طريق رئيسية بين سطات ورأس العين عبر قبائل السكوريين- العراعير غير معبدة وتنتظر لعقود عديدة دون أن يلتفت إليها أحد ، خصوصا أن هذه القبائل الموجودة على مرمى نظر من سطات مؤهلة لأن تكون متنفسا عمرانيا في المستقبل القريب وتمد المدينة باليد العاملة وبعض المنتجات الزراعية الموسمية ...كيف يعقل إهمالها وتركها تعيش مشاكلها صيفا وشتاءً .
إن قبائل المزامزة ، جميعها، هي قلب المدينة ..والضرورة تقتضي الالتفات إليها والبحث عن حلول لمشاكلها من خلال خلق بنيات فاعلة في الصحة والتعليم والتكوين والطرق،وأيضا محاربة كل السماسرة الذين عاثوا في البلاد فسادا وساهموا وما زالوا يساهمون في تشجيع البناء العشوائي (دوار الحفاية مثلا) .فمن يحمي أهل المزامزة الذين استرخصوا أرواحهم وأملاكهم دفاعا عن المدينة قبل مائة سنة إبان دخول الاستعمار الفرنسي ؛ كما ساهموا وما زالوا ،منذ الاستقلال حتى الآن، في جعل المدينة مكتفية في أمنها الغذائي واليد العاملة ...من يحميها من السماسرة، اليوم ، ممن يسطون على الأراضي ويبحثون عن كل أساليب النصب لسرقة الفلاحين البسطاء، دافعهم الجشع وخلق أحياء ودواوير عشوائية تزيد من تأزيم الواقع العمراني وتعرقل "مسلسل التنمية ".
· المصير ...
لمصلحة من تبقى "أرض الكدية" – تعاونية الداخلة معلقة لا يستفيد منها أصحابها دون محاسبة المسؤولين الحقيقيين عن المشاكل المفتعلة ؟ ولمصلحة من يتم السكوت عن شخص يدعي أنه فوق القانون بمنطقة الحفاية /تامدروست قيادة المزامزة الجنوبية ترامى على عدد من الهكتارات ( أرض الظهر وبير الكزولي ) من أصحابها الورثة الذين كلما طالبوا بحقوقهم يهددهم بتلفيق التهم إليهم ..وهو يبحث عن طريقة سريعة لتحويل تلك الأرض إلى فضاء للبناء العشوائي .
من يحمي الناس من عون سلطة بحي بام أولاد بوقلو من شططه في تقمصه دور القاضي والحاكم فيسلب الناس أراضيهم .أما الحديث عما يقع في أراضي الجموع بأولاد الطالب والعلوة فذلك ملف لوحده يحتاج إلى "قيامة " لما يقع في هذه الأراضي من نهب مفضوح بواسطة النواب ومن يحتمي بهم .
لفائدة من يبقى عدد من المسؤولين ببلدية سطات يخفون وثائق المواطنين ويدعون ضياعها ، أو ذلك الموظف ، بسلوكه غير " الحميد" في مصلحة تصحيح الإمضاءات يفاوض الفلاحين على عينيك آ بنعدي على الرشوة لكي يُنجز لهم المطلوب ( وقد حضرتُ هذه الحالة ، في نفس اللحظة التي كان فيها شباب 20 فبراير يحتجون في الساحة المقابلة للبلدية على مثل هذه السلوكات الهمجية ).
إن مثل هذه المشاكل وغيرها بمنطقة الحفاية السكوريين أو قرب الغابة بأولاد بوقلو أو بداخل المدينة بحي البطوار القديم ، حي سيدي بوعبيد ، حي سيدي عبد الكريم ، بام...تحتاج إلى من يعالج مشاكلها درءا للظلم ووضع حد لتدخلات السماسرة .
سطات اليوم في لحظة فارقة.. إما أن تدخل عهدا جديدا من الحداثة في التسيير المعقلن والانفتاح على الطاقات المحلية والجهوية والارتباط الفعلي بمحيطها بقبائل المزامزة والاتحاد على محاربة السماسرة والضرب على أيدي كل المتلاعبين ..أو سيكون مصيرها مثل مصير فريقها الكروي ...
مدينة سطات اليوم في حاجة إلى هوية جديدة تُلائم خصوصيتها ؛ وإلى عقلية متفتحة تتجاوز مخلفات الماضي السلبية بتنمية الايجابيات والقيم المتراكمة ...فبعد اليوم، مصير سطات أن تكون أو لا تكون !!
-- chouaibhalifi@yahoo.fr | |
|