شعيب حليفي ، ميلود العثماني ، عبد الرحمان غانمي ، نور الدين صدوق ، محمد عطيف ، محمد عرش ، مصطفى لغتيري ، ادريس قصوري ، بوشعيب الساوري ، عبد الوهاب الدبيش ....يناقشون الثقافة والدستور بالمغرب
المثقفون المغاربة
والدستور
· تقرير : الزوهرة الغلبي
إلى وقت متأخر من الليل ووسط أمطار الخير ، غصت خيمة الندوات بساحة السراغنة - الدار البيضاء بجمهور متنوع جمع المثقفين والباحثين وعموم المواطنين بمن فيهم رجال السلطة العلنيين والسريين ،ضمن معرض الكتاب في دورته الرابعة المنظم بإشراف الجمعية البيضاوية للكتبيين وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء ، يوم الجمعة 22 أبريل 2011 ..وذلك لحضور الحلقة النقاشية في موضوع : " كيف نُفكر في دستور المستقبل".. للملمة الأسئلة الأكثر إلحاحا ، المُقيمة في ثنايا نقاش لا يبترد ، هويته القبض على طمأنينة غير مزيفة ، وتشكيل الإحساس بالشخصية المغربية التوّاقة باستمرار إلى النقد والتجدد ، نأيا عن الانتكاس واليأس والانتظارية .
وقد ترأس هذا اللقاء شعيب حليفي الذي دعا إلى ضرورة سماع صوت المثقفين والأدباء المغاربة في ما يجري ، وهم الذين كانوا سبّاقين إلى ثقافة التغيير والانتقاد والاحتجاج ، وقال :"نريد دستورا نكون بعده متحررين من الظلم والقهر والاستعباد والجهل والفقر والبطالة واليأس ..متحررين من الذين أنتجوا كل هذه الأمراض المزمنة وجعلوها واقعا مقيما ... ممن انتهت صلاحيتهم وما زالوا راغبين في خنق أنفاسنا .."
ومن أجل فتح النقاش استعرض مضامين الدستور الذي عرضه علي باي العباسي ( ضومنيكو باديا ) على السلطان المغربي المولى سليمان في سنة 1805 معلقا عليه ومشيرا أن سيصدر قريبا ضمن عمل متكامل في منشورات مختبر السرديات .
الورقة الموالية كانت لعثماني الميلود( دكتور في الآداب وناقد أدبي ) بعنوان "الإصلاح الثقافي جزء من الإصلاح الدستوري " ، تطرق خلالها إلى أن قضايا الإصلاح الثقافي لا تقل أهمية بأي شكل من الأشكال عن قضايا الإصلاح الاقتصادي والسياسي. بل أنه يمكن القول بأن أي إصلاح اقتصادي أو سياسي لن يضرب بجذوره في المجتمع إلا إذا أصبح جزءا من الثقافة السائدة لدى الشعب ومن وعي أغلبية المواطنين به. فالإصلاح الثقافي يتجه إلي عقل المواطن ووعيه وفكره ويؤثر علي موقفه و رأيه تجاه الإصلاحات السياسية والاقتصادية. وإذا كان الإصلاح السياسي أو الاقتصادي يهدف إلي تغيير النصوص الدستورية والتشريعات والمؤسسات فإن الإصلاح الثقافي يتجه إلي الإنسان الذي يتعامل مع هذه الإصلاحات وذلك بهدف إيجاد المناخ الفكري لاقتناع المواطنين بها واعتبارها جزءا من ثقافة المجتمع. وهذا هو الشرط اللازم لتفاعل المواطنين مع عملية الإصلاح وتحويل النصوص والتغييرات المؤسسية إلى واقع حي ومعيش.
وأضاف بأن النظام الديمقراطي إذا كان يستند إلى الدستور والقوانين والمؤسسات البرلمانية فإنه يستند أيضا وبنفس القدر إلي مجموعة من القيم والأفكار بدونها تكون المؤسسات الديمقراطية مجرد هياكل دون مضمون أو محتوي. قيم مثل التسامح السياسي والقبول بالتعددية الحزبية وتداول السلطة واحترام الرأي الآخر وتبني الحوار أسلوبا ومنهجا لحل الخلافات. فليس من حق أي مجموعة أو حزب في المجتمع الديمقراطي أن يزعم امتلاكه للحقيقة الوحيدة الكاملة والمطلقة بل أن القيمة العليا في الديمقراطية هي قيام الأحزاب والقوي السياسية بطرح أفكارها المختلفة وبرامجها المتنوعة وقيام الطبقات الاجتماعية بعرض مصالحها ومطالبها. ويتم الوصول والاتفاق حول السياسات المتبعة من خلال الحوار بين هذه الأفكار والمطالب والمصالح.
وفي تدخل إدريس قصوري ( دكتور في تحليل الخطاب ومحلل) اعتبر الدستور بمثابة أرضية لتخليق السياسات العامة منطلقا من سؤال حول كيفية تطبيق الدستور ؟ ليناقش الموضوع انطلاقا من نقطتين: الأولى تتعلق بالأوضاع المستفحلة في العالم والمتمثلة في الفقر وبالبطالة والاستبداد ، ثم معضلة المشاكل السياسية والاقتصادية ، ولهذا لا توجد برلمانات حقيقية، كما لا يوجد قضاء وأكثر من هناك توجد لوبيات تؤثر على مراكز القرار .
وهذا التعقيد ينتج فجوة بين الغرب والجنوب ،كما تحدث عن ضعف الاقتصاد الذي ينتج البطالة ،وعن الديون المتفاقمة داخل الدول العربية التي لها دور كبير في تبعية دول الجنوب ، وكل هذه الأحداث وغيرها جعلت الدول الغربية تعيد النظر في ترتيب أوراقها ، الذي نتج عنه عنف داخل العالم العربي .وانتقل بعد ذلك ليتحدث عن شروط الاندماج داخل الحراك الذي يعيشه العالم والمتمثل في المواكبة وعدم الرجعة .
أما نور الدين صدوق ( ناقد أدبي ) فتحدث عن غياب رأي المثقف في مثل هذه الجلسات والتي من خلالها طرح علامة استفهام حول عدم مشاركة المثقف في الدستور ، ويجب أن تكون المشاركة واسعة شاملة ومشتركة بين المثقف والسياسي ؛ كما تحدث مصطفى لغتيري ( قاص ) عن ارتباط المثقفين بحركة التغيير والاحتجاج متوقفا عند المسألة الدينية ، وتحدث عن فعل إقصاء الإنسان البسيط غير الممثل في مثل هذه المحطات التاريخية في البلاد وختم تدخله بالتأكيد على ضرورة وضع بند يخص المثقف داخل الدستور والذي ظل مغيبا لمدة سنين .وتدخل محمد عرش ( شاعر) عن الحاجة إلى المثقف العضوي وجدل السياسي والثقافي ؛ بينما انتقد بوشعيب الساوري ( دكتور في الآداب وناقد أدبي ) المرجعية الدستورية ذات الأصول الأجنبية والهادفة إلى حماية فئة ؛ أما الدستور فهو رهين بمفهوم التعاقد المبني على المصالح المشتركة ، متحدثا عن مفهوم التعاقد الذي يهدف إلى المساواة بين الأطراف .أما عبد الوهاب الدبيش ( دكتور في التاريخ ) فقد انطلق من اتفاقية الاستقلال الموقعة مع الفرنسين بتاريخ 2 مارس، مؤكدا على قراءتها وأن الدولة المستقلة تتحكم في أمورها الداخلية دون الخضوع لضغوطات أجنبية، ورجع إلى الوثيقة التي تنص على الاستقلال تحت دائرة النفوذ الفرنسي.كما تناولت سلمى براهمة ( قاصة وباحثة ) المثقف ودوره في الدستور المراجع مطالبة بضرورة إشراكه في هذه التحولات والاعتراف بخصوصيته الثقافية ودسترتها ، وألحت على ضرورة مناقشة هذه الإشكالية .أما عبد القادر خلدون ( روائي ) فبدأ بالتحديد المفاهيمي للثقافة ، ثم تحدث عن مصطلح المبدعين عوض المثقفين ، والمبدعون على جميع المستويات رافضون فرض الدستور على المثقف.
وتدخل محمد عطيف( كاتب وفاعل نقابي) معرفا بهيمنة الإعلام الذي يهلل لأناس لم تكن موجودة في الساحة قبل بروز التعديلات الدستورية ، حيث أنها كانت مخبأة في أوكارها واليوم أصبحت تتكلم وتقنن ، مركزا على أسلوب الانتقال السلمي الذي يجب على المغرب أن يسلكه، وفق شروط منها أولا إسقاط الفساد وقلعه من جذوره ،وللإعلام ضلع كبير في ذلك ،وطرح سؤالا حول مدى جدية الدولة في الإصلاح.
كما قدم عبد الرحمان غانمي ( دكتور في الآداب وناقد أدبي ) ورقة تحدث من خلالها عن الاستقلال والديمقراطية وعن المراحل الأساسية في الدستور منذ سنوات مثيرا سبب اعتقال الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل نوبير الأموي سنة 1992 ، فالقضايا المطروحة الآن في الدستور ليست بالجديدة علينا، وإنما هي مطروحة منذ عقود ، مؤكدا على أن الدولة عليها استثمار هذا التحول من أجل التغيير ، كما تحدث عن ضرورة أن يكون النقاش فكريا عوض أن يكون إيديولوجيا، ويجب طرح مشروع شمولي من أجل إبراز السياقات العامة التي تراعي الاختلافات والتعدد داخل المغرب،كما تناول التغييب داخل المجتمع المغربي بحيث انه لا يجب التحدث عن حركة 20 فبراير فقط والحال يجب النظر إلى الحركة الاجتماعية ذات الأصول الاجتماعية والتي تتضمن حقوق المواطنين مثل الشغل والتعليم والصحة ... حتى لو تم وضع أحسن الدستور في العالم لا نستفيد منه ما لم يكن هناك إصلاح اجتماعي .
وعن دور المثقف في المرحلة الحالية تدخل الشريشي المعاشي وعبد الحق نجاح وسعيد غصان ( نادي القلم المغربي ) متحدثين عن الدور الحقيقي للأدباء الفاعلين وضرورة الانخراط في النقد والتقويم . كما تدخل محمد محي الدين (باحث )في نفس السياق الداعي إلى المزيد من تفعيل الحراك ؛ أما أنيس الرافعي (قاص) فقد قال بأن الدستور الذي يتم التهيء له سيأتي على مقاس ورغبة الدولة وأنه يجب رفع القداسة حتى يصبح الجميع قابلا للمساءلة . وطرحت الزوهرة الغلبي( باحثة ) المادة 21 من الميثاق الدولي والتي تنص على أن الشعب هو مصدر سلطة الحكم ،فيما تدخل كل من عبد الله الكلخة ومحمد فلاح وآمال الحسيني وعبد الله شكربية ... لطرح قضايا الحرص على دستور حقيقي نابع من حاجات الشعب المغربي الحقيقية .