يوميات معرض الكتاب
بالدار البيضاء
· أنجز هذه اليوميات : سالم الفائدة – ابراهيم أزوغ – الزوهرة الغلبي – الزوهرة صدقي – سميرة مترجي – أسماء نافع
يستمر معرض الكتاب في دورته الرابعة بساحة السراغنة – الدار البيضاء بأنشطة ثقافية وفكرية يساهم فيها مثقفون وأدباء من مختلف الحقول الثقافية ؛ وفي ما يلي يوميات جديدة لأنشطة أخرى :
الأربعاء 13 أبريل
نسق أشغاله شعيب حليفي بحضور عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك عبد المجيد قدوري،الذي تقدم بكلمة مركزة حول تيارين مختلفين يتوزعان العالم ، راهنا ،بخصوص الإصلاح والتغيير ، أحدهما براغماتي ، وثانيهما مفاهيمي وخلص إلى أنه لكل منهما مزاياه وسلبياته، غير أن هذا الأخير، هو الذي يطفو حاليا على السطح، وتنهجه كلية الآداب، باعتماد توجه بناء الإنسان الذي تكمن ثروته في شبابه المتمثل في إشراك الطلبة في الانفتاح على محيط الكلية، وعلى العالم أيضا.
تناول الكلمة بعده عبد الواحد خيري،رئيس مركز الدكتوراه بالكلية ،مشيرا إلى أهمية اللقاءات الثقافية المنفتحة على محيطها في ترسيخ تقاليد أدبية وثقافية تجعل هذه الأخيرة فعلا مشاعا في المجتمع، وليس حكرا على فئة دون أخرى .
في الجلسة الثانية التي نسقها الشاعر محمد عرش قدمت قراءات شعرية متنوعة،شارك فيها ثلة من الشعراء وأهل الزجل ، إلى جانب شاعرة صغيرة لا يتجاوز عمرها خمس سنوات .كل ذلك مر في جو حميمي حظي بإعجاب وتقدير الجميع.
فمن ديوان "خارج التعاليم، ملهاة الكائن" قرأ الشاعر رشيد الخديري قصيدة تنم على أن هذا الديوان يحتفل بتيمة الموت بشكل مناقض للطبيعة المأساوية لهذا اللغز الكبير ولعله وهو يقرأ قصيدته كان كمن يتغنى بالحياة وزخمها مما جعله يشد أسماع الجمهور إليه بفخامة الكلمة الشعرية وسحرها الآخاد . وبعد أمينة الإدريسي والطاهرة حجازي اللتين قرأتا قصيدتين جميلتين ،كما صدح صوت الزجال لحسن باديس الذي استقطب كثيرا من الجمهور الذي وفد كي يستمع لبعض قصائده ،ختمها بنوع زجلي يسمى السلام وهو النوع الذي لاقى ترحيبا لافتا..
الخميس 14 أبريل
افتتح الجلسة نور الدين صدوق انطلاقا من كتاب فاتحة الطايب( أستاذة بكلية الآداب الرباط)، مبينا أهمية الترجمة ودورها الفاعل في تلاقح الثقافات وتثاقف الأعراق المختلفة مذكرا بأن الترجمة في بلدان متقدمة تحظى بأهمية قصوى وتتقلص أهميتها في البلدان العربية إلى أقصى الحدود. بعد ذلك أعطى الكلمة إلى فاتحة الطايب لتقدم نبذة عن كتابها وانطلاقا من استعراضها لمسار حضور الأدب العربي الحديث في المشهد الثقافي الفرنسي، خاصة بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، خلصت الباحثة في تقديمها إلى أن جائزة نوبل، التي منحت لروائي عربي، تزامنت مع بداية النشاط الفعلي لمعهد العالم العربي بباريس، وانخراط الروايات العربية وبشكل متواتر في مسار ترجمات الروايات الأجنبية إلى اللغة الفرنسية، ساهمت بشكل كبير في الرفع من اهتمام فرنسا والدول الأوروبية بوجه عام بالإنتاج الروائي العربي، وهذا ما يؤكد حسب الكاتبة على "ارتباط عملية الترجمة إجمالا بإشعاع الكتابة، الذي يفترض فيه )أي الإشعاع (الارتكاز على تميز النصوص في لغاتها الأصلية".
وأشارت إلى أنه إذا كان يحق لمن يتأمل في الانقطاعات المتتالية لحلقات "النهضة العربية"، وتعثر المسيرة الثقافية العربية بوجه عام، أن يطالب بالتفعيل المعقلن لحركة الترجمة إلى العربية، حتى يصبح هذا العصر عصر الترجمة بامتياز بالنسبة للعرب ـ من منطلق كون الترجمة سلاحا فعالا في معركة التحديث واكتساب الوعي في بلدان ما يسمى "بالعالم الثالث" ـ يحق لنا نحن، أيضا، الإعلان ولو بحذر شديد- ونحن نتأمل في حركة ترجمة الرواية العربية إلى اللغات الأوروبية في العقود الأخيرة - بأن الزمن الترجمي لم يعد أحادي الاتجاه، فعملية المثاقفة بين العرب والأوروبيين في المجال الروائي أصبحت تجري، رغم كل ما يعتورها من نقص وقصور، في اتجاهين بدل اتجاه واحد، بفضل تدعيم جائزة نوبل ـ النسبي ـ لتفاعل الرواية العربية مع منطق حداثة تتأسس على دينامية التمازج والتفاعل، وتزامن هذا الأمر مع اضطرار جل الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة إلى التزود بالإنتاج الروائي المزدهر خارج أوروبا، لملء الفراغ الذي تعرفه أنساقها الثقافية على مستوى الإنتاج الروائي المتميز.
وفي الجلسة الموالية التي أشرف عليها مختبر السرديات وماستر الدراسات الأدبية والثقافية بالمغرب، افتتح اللقاء الذي ترأسه نبيل لهوير، الباحث سمير ملاح في ورقة بعنوان "نفض التراب عن قبر التاريخ " في رواية سعد السعود لعبد الرحيم حبيبي ،حيث أشار الباحث في البداية إلى النفس الشعري الذي كتبت به الرواية وهي تنهل من معين الواقع والذاكرة عبر شخصيات تتميز بعفويتها وبساطتها ومرجعيتها التاريخية ،كما أشار بعد ذلك إلى مسألة الأسماء الرمزية المرتبطة بالحضارة المغربية ،والتي اختارها الكاتب لشخوصه بغاية تبيان دورها في بناء المغرب عبر التاريخ ،قبل أن يخلص في النهاية إلى أن الرواية تقدم مادة حكائية خصبة ومتنوعة ،بعيدة عن كل توجه إيديولوجي أو إسقاط مباشر الواقع.
في الورقة الثانية قارب الباحث تغولت وانمير رواية "كائنات من غبار " لهشام بن الشاوي ،مبرزا كيف جاءت هذه الرواية لتعكس رؤية الكاتب وكذا آثار الاغتراب والإقصاء والحرمان المادي والمعنوي على نفسية شخوصه الروائية ،كما عمل فضح عدد من القيم البالية المتوارية خلف لبوس القيم المجتمعية .الأمر الذي جعله يغوص في عوالم متعددة ،داخل روايته مخلخلا ومخترقا للمحظور ،وقد ذهب الباحث في نهاية مقاربته إلى أنه يمكن إقحام هذه الرواية ضمن خانة الرواية الأطروحة التي يحتل فيها السارد حيزا مهما وقلقا وجوديا ملازما تفضح كل ما تمر عليه عين السارد مفصحة عن المسكوت عنه .
أما المداخلة الثالثة فكانت للباحث محند أوحمو عن رواية "ليلة إفريقية " لمصطفى لغتيري ،فقد توقف عند تجربة الكاتب واصفا إياه ب"الكاتب المتعدد والأصيل "،لينتقل بعد ذلك إلى عالم الرواية متتبعا أهم أحداثها ،فالروائي في نظره مشغول البال حول بعض القضايا التي تتناول الواقع والحياة .تتناول الرواية أيضا تمثلات الإنسان المغربي عن الآخر الإفريقي ،بملمح حكائي منشغل بأدق التفاصيل ،المرتبطة بحياة الكتاب و أحلامهم ،في النهاية اعتبر الباحث الرواية رواية حداثية عن غمة الإنسان في الواقع المغربي .
السبت 16 أبريل :
حول موضوع " المرأة والأنا " انطلقت أشغال المائدة المستديرة بورقة الباحثة سعاد مسكين:"المحكي النسائي المغاربي، الذات والاختلاف" ،حيث عملت على طرح خصائص الكتابة الذاتية المغاربية من خلال تناولها لثلاثة أعمال روائية ،"مراتيج" للكاتبة التونسية العروسية الناتولي ،التي تناولت قهر السلطة للذات المغتربة التي تعلي من الفشل في الحب والاندماج والمشاركة في الحياة العامة ،بعدها تناولت رواية "فوضى الحواس"لأحلام مستغانمي ،مبرزة مختلف مظاهر الفوضى داخل الرواية ،التي تبين فوضى المخيلة ،فوضى الذات الأنثى وتيمة الحب ،وازدواجية القيم ،لا مبالاة الذات الأسئلة الكبرى للذات الأنثى؛ الرواية الثالثة كانت للمبدعة المغربية زوليخة موساوي الأخضري "الحب في زمن الشظايا"،وهنا توقفت الباحثة عند تشظي الذات،من خلال تشظي لغة الكتابة بين لغة التذويت ولغة التشخيص .
المداخلة الثانية تقدمت بها سلمى براهمة ،حول الأنا كمحور للإبداع ،موضحة كيف أن الإبداع عند المرأة يدور حول الذات وقضاياها ،وهو إبداع جاء كرد فعل يعارض طرح نرجسي ،إلى جانب ذلك ذهبت الباحثة إلى أن هذا الإبداع يمتلك خصوصية تستحق أن ينتبه لها النقد ،كما أبرزت الفرق بين تناول الكتابة الذكورية والكتابة النسائية للذات فهي موضوع عند الأولى ،وذات عند الثانية لأنها تستعيد ذاتها ،وعليه فحضور الذات حضور محوري .
وحول موضوع الذكورة والأنوثة في الكتابة ،تدخلت المبدعة مليكة الصراري ،التي توقفت عند الأشكال الحاصل في الكتابة بمفهومها الذكوري والنسائي،مستحضرة تجربة الشاعر نزار قباني ،في تعابيره الأنثوية عن المرأة،قبل أن تخلص في نهاية مداخلتها إلى ضرورة التركيز على أدبية الأدب بدل الغوص في مثل هذه الإشكالات .هذا وقد تلى هذه المداخلات نقاش واسع بين الحاضرين الذين أكدوا على أهمية البحث في الإبداع النسائي ،كما أشار بعضهم، إلى ضرورة إقامة المزيد من الندوات والبحوث لإضاءة هذا الأدب وتقريبها إلى القارئ.
الجلسة الثانية شهدت لقاء مفتوحا بين القاص المغربي حسني مبارك وجمهور معرض الكتاب ،حيث نسق أشغال هذا اللقاء شعيب حليفي الذي تحدت في البداية عن أهمية المعرض في التأسيس لثقافة بديلة ،كما نفي في كلمته وجود أي أزمة للقراءة في المغرب مبينا ما يشهده المعرض من إقبال للقراء والزائرين ،قبل أن يعرج إلى تجربة حسني القصصية ،تناول الكلمة بعده القاص حسني مبارك ليتحدث عن تجربته وعلاقته بالقصة التي تشكلت مع اطلاعه على نصوص قصاصين عالميين بدرب السلطان ،فكان نتيجة ذلك أن ينشر عددا من القصص في الثمانينات ،قبل أن يصدر مجموعته الأولى "رجل يترك معطفه " وهي تجربة قصصية صادقة في ما تقدمه عن الواقع والحياة .
بعد ذلك اتخذ اللقاء شكل حوار بين الناقد شعيب حليفي والمبدع حسني ، حول عدد من القضايا المرتبطة من بينها ،سر احتفاء حسني بالصورة ،وموقعه ضمن المشهد الإبداعي القصصي بالمغرب؟ ،ثم علاقته بكل من الرواية والسينما ؟.
كتفاعل مع هذه التساؤلات حاول حسني ،بداية، إبراز علاقته المبكرة والمستمرة مع السينما،مستحضرا تلك الحقبة التاريخية التي كانت فيها درب السلطان تعج بدور السينما ،والتي ساهمت بقدر وافر في تشكيل الوعي الثقافي والسياسي إلى جانب الأندية السينمائية للشباب البيضاوي ،إلى جانب ذلك تحدث عن الانغلاق الذي يميز الكثير من المجموعات القصصية ،قبل أن يعود في الأخير للحديث عن علاقته الوجدانية بالسينما ودورها في تشكيل عالمه الأدبي .
الأحد17 أبريل2011
وحول موضوع "كازا بلانكا في ذاكرة الصورة" بحضور عدد من الباحثين والمهتمين في التاريخ والتراث المحلي للعاصمة الاقتصادية بالمغرب ...انطلقت أشغال الندوة العلمية بخيمة الندوات والتي صادفت احتجاج حركة 20فبراير بالحديقة المقابلة لمعرض الكتاب، كما تزامنت أيضا وانتصار فريق الرجاء البيضاوي واحتفالات محبيه ومشجعيه مما جعل درب السلطان، وساحة السراغنة تحديدا محجا لعدد لا يحصى من المواطنين البيضاويين وأضفى على جمالية المكان الشعبي مسحة وطابعا سحريا بتعدد لقاءاته وتمايزها واختلافها.
افتتح اللقاء الذي نسق أشغاله الأستاذ إبراهيم فدادي معبرا عن أهمية هذه الجلسة التي تشكل فرصة لدعوة شباب مدينة الدار البيضاء إلى التعرف على التاريخ المحلي للمدينة، ولتحفيزهم وتحسيسهم بضرورة الاهتمام بتاريخ هذه المدينة إذ لا يمكن – على حد تعبيره- كتابة ومعرفة تاريخ المغرب،ما لم نبدأ بمعرفة وكتابة تاريخ هذه المدينة العريقة في التاريخ، ولا يمكن كتابة تاريخ المدينة ما لم ندون تاريخ أحيائها..
قدمت المداخلة الأولى الباحثة بشرى روقي التي عنونت ورقتها ب: من كازابلانكا إلى الدار البيضاء ركزت فيها عن الأصل التاريخي لتسمية المدينة مستحضرة لمختلف الروايات التي كانت وراء تسمية مدينة الدار البيضاء، مؤكدة في معرض حديثها عن إشكال تعدد روايات التسمية، أن تاريخ المدينة يجمع بين التاريخ القديم والمعاصر مشيرة إلى أن أقدم إنسان في شمال إفريقيا كان بمدينة الدار البيضاء كما يؤكد ذلك البحث الاركيولوجي الحفري.
المداخلة الثانية للباحثة فاطمة العدام حول أنفا( الدار البيضاء) بين الخراب وإعادة التأهيل، والتي بينت من خلالها كون المدينة ظلت مهملة لفترة طويلة من الزمن دون أن تشيد؛ مستندة في ذلك على البحث في التاريخ الوسيط لمدينة الدار البيضاء، منتهية إلى القول بأن المدينة تمت إعادة بنائها بعد الزلزال الذي لحقها في عهد سيدي محمد بن عبد الله، ومنذ ذلك الزمن - تقول الباحثة- والدار البيضاء تتوسع وتكبر مؤرخة بعمرانها لمغرب قديم ومعاصر جامع للعتيق والعريق.
فيما ذهبت المداخلة الثالثة التي قدمتها الباحثة في التاريخ المعاصر فاطمة إزم إلى الحديث عن الأهمية الاقتصادية للمدينة، والتي لم تكن بحسب البحث التاريخي وليدة العشرينية الأخيرة كما يعتقد الكثيرون، وإنما مند التاريخ القديم للدار البيضاء كما أبرزت الباحثة أهمية استحضار انتفاضة الشاوية 1907 ليس للتأريخ للمدينة وحسب، وإنما للتأريخ وفي التاريخ الوطني بشكل عام ، وانتهت الباحثة إلى تجديد الدعوة إلى البحث والتنقيب في التاريخ المحلي للمدينة الذي لازال في حاجة إلى من يكتبه.
تلى المداخلات نقاش جاد عبر فيه الباحثون والمهتمون بالتاريخ والحفريات والتراث المحلي للمدينة عن أهمية اللقاء، وأكدوا من خلاله حاجة المدينة إلى تضافر الجهود لتوثيق وتدوين تاريخها، أدان البعض الآخر ما لحق وطال مآثر عمرانية عريقة وعتيقة من تدمير بقرارات رسمية تفسد في اعتقادهم الهوية الحقيقية والتاريخ المادي الشاهد للمدينة وتعدم ملامحها العمرانية.
بعد هذا اللقاء ،توالت الأنشطة الثقافية الموازية لمعرض الكتاب بساحة السراغنة بتقديم و توقيع كتاب كمال فهمي وهو بعنوان لعبة الحلم، وتنسيق عبد الله قدوري ؛ والكتاب هو عبارة عن مسرحية تيمتها الرئيسية الانتظار . رحل من خلاله الكاتب في رحلة مشوقة و ممتعة و استشرف آفاق مستقبل واعد بين الماضي و الحاضر و المستقبل .وواصل الكاتب حديثه عن مسرحيته التي بدأ كتابتها منذ 20 سنة منطلقا من منظور فلسفي استوحاها من قصة حي بن يقظان منتقلا من الرمزية إلى الواقعية محددا خاصياتها و مشيرا إلى عدة أمكنة بمدينة الدار البيضاء . عالجت مشكلة الانتظار المرتبط بالألم والقلق و عدم التواصل الإنساني . كما أبرز بعض مشاكل المغرب لتنتهي المسرحية بولادة إنسان جديد بالمغرب متطلعا إلى مجتمع حداثي.
الاثنين 18 أبريل
كان موعد الجمهور مع لقاءين ثقافيين متميزين، عرف الأول، الذي أدار أشغاله شعيب حليفي ، تقديم كتاب : " pierre loti au Maroc- de la place de l'autre dans le récit de voyage" ، استهله حليفي بتقديم مؤلفة الكتاب، سميرة الطويل( أستاذة بجامعة ابن زهر )، كما تحدث عن أهمية المؤلف في سياق الدراسات المهتمة بالنص الرحلي، مشيرا لمركزية موضوع الغيرية والآخر، والذي لا تكاد دراسة رحلية تخلو منه. بعد ذلك تناولت سميرة الطويل الكلمة كي تقدم كتابها حول رحلة الفرنسي "بيير لوتي" (1850-1923)، التي قام بها هذا الأخير لمدن مغربية كفاس ومكناس، بداية القرن العشرين، وحاولت الباحثة رصد تجليات نظرة الآخر للمغرب في هذه المرحلة انطلاقا من الأوصاف التي طبع بها "لوتي" أرض وأناس المغرب في رحلته، نظرة تدخل فيها الجانب الأيديولوجي بشكل جلي، في محاولة لتبرير دخول الاستعمار.
بعد ذلك، فتح النقاش بمشاركة الحضور، حول ما قدمته سميرة الطويل عن مؤلفها ، وعن النص الرحلي بشكل عام.
اللقاء الثاني لهذه الأمسية، حاورت فيه الباحثة سميرة ملال، الأديب والإعلامي محمد الاحسايني، حول تجربة هذا الأخير الإبداعية والصحفية، وقد استمتع الحضور بلحظات حوارية شيقة، تعرف من خلالها على مسار الاحسايني الموسوم بإصدار أربعة نصوص روائية ،هي على التوالي:(عناصر منفصمة، ومذكرات كلب غير عابئ ولا مخدوع، وإصحاحات من سفر الخطيئة، وآخرها: الأزمنة السبعة) ،وعن علاقة الأدب بالصحافة، اعتبر ضيف الأمسية أن الإبداع يشكل جسرا مشتركا بين الاثنين، كما أن العمل الصحفي ، في نظره، يلامس العمل الأدبي السردي بالخصوص، كونه يتشكل من مجموعات صغيرة من الوقائع والأخبار. غير أن الفرد يكون أكثر حرية وإبداعية في العمل الأدبي المتخيل منه في العمل الصحفي المطبوع بالواقعية، وضرورة التحقق من الخبر إضافة إلى الرقابة الممارسة عليه.
واختتم اللقاء بحوار مفتوح ، هذه المرة بين الاحسايني والجمهور الحاضر، حيث شكلت مواضيع الإعلام الثقافي، واللغة الإعلامية، والتجربة الإبداعية لمحمد الاحسايني أبرز ما دار فيه.
الثلاثاء 19 أبريل 2011
مرة أخرى يشارك مختبر السرديات وماستر الدراسات الأدبية والثقافية بالمغرب في حلقة حول النصوص الروائية المغربية. في مستهل الحلقة ذكر منسق الجلسة محمد الهرمودي بأن الروايات محل الاشتغال تتميز بحداثة صدورها وأن ذلك شيء يحسب للباحثين الذين كسروا روتين الاشتغال على نصوص طالما ظلت هدفا لعناية الدارسين؛ ثم أحال الكلام للباحث عبد العزيز الضيف الذي شرع قراءة ورقته التي وسمها بـ"مقاربة تكوينية" لرواية "أوراق الرماد" لمحمد العتروس، مفصلا الحديث عن "رؤية العالم" ممثلة في البطل الإشكالي للرواية الذي يمثل الشخصية المغربية بأسئلتها الوجودية وتشظياتها وانكساراتها وتمردها ونقدها القاسي للمجتمع وثقافته.
الورقة الثانية كانت مع الباحث الموريطاني محمد بن بادي بعنوان "لا صوت يعلو صوت المؤلف"/ مقاربة في ضوء المنهج البنيوي لرواية "الرهائن" لمحمد صوف. وقد حاول من خلال هذه المعالجة أن يتوقف عند محطات أساسية وعناصر تحكم نسق الخطاب الروائي وتشكل كيانه البنيوي ليخلص إلى أن "رواية الرهائن هيمن عليها المؤلف بشكل مطلق فقد تحدث بدلا من شخصياتها وفكر عوضا عنهم حتى باتوا فعلا "رهائن" ليس لحيواتهم الخاصة... بل هم رهائن وأسرى لدى المؤلف نفسه.
أما الورقة الثالثة فقد كانت مع الباحثة سميرة ملال وقد اختارت لها عنوان "جدلية العوالم الممكنة: الواقعي والأسطوري" في رواية "دموع باخوس" لمحمد أمنصور وفي بداية معالجتها التي استنجدت فيها بالمنهج السيميائي قدمت ملخصا لمحتوى الرواية بينت من خلاله الخطوط العريضة لها والشخصيات الفاعلة فيها والأحداث المؤثرة في سيرها موضحة أن الرواية انطلقت من واقعة سرقة تمثال "باخوس" من مدينة "وليلي" وما عقب هاته الواقعة من أحداث دامية أودت بسكان قرية قرطاج ومن بينهم والد السارد "أنور" ،الذي عاش تحت وطأة التعذيب الذي مورس عليهم من طرف جهاز السلطة خلال عملية الاستنطاق؛ ليشكل هذا الحدث أثرا توليديا للكتابة بما هو جرح نازف اعتمل في ذات الكاتب ورافقها في مختلف محطات حياتها.انتقلت بعد ذلك الباحثة إلى دلالات الرواية من خلال عنوانها ثم المفاصل المشكلة للقراءات الممكنة
الورقة الرابعة والأخيرة كانت مع الباحث محمد محيي الدين حول رواية "هموم بطة" لأحمد المديني؛ مذكرا أن هذه الرواية تختلف عن روايات المديني الأخرى مركزا في بحثه على مكون الشخصية في علاقتها بمشكلات السرد مما أتاح له تأويل العديد من المحطات ذات الدلالات التي لا تبدو بسهولة في السطح .
الجلسة الموالية جاءت حول كتاب "التنشيط الإذاعي أي مفهوم وأية ممارسة" بحضور كاتبه المدني دروز ؛ وقد نسقت لهذا اللقاء الزهرة الغلبي الباحثة في مجال الإعلام والاتصال، مستعرضة أهم الخطوط التي تطرق لها الكاتب في مؤلفه والذي تناوله في ثلاثة فصول : عنون الأول بخصوصيات الخطاب الإذاعي ودرس من خلال الفصل الثاني مدى انفتاح الفضاء السمعي والبرمجة ، لينتقل في فصل ثالث ويعطي إحاطة شاملة عن تقنيات التنشيط مميزا بين الهوية والمهنية ، مركزة على القيمة المضافة التي أتى بها المؤلف محاولا خلق مجال للمعرفة والتكوين في تقنيات العمل الصحفي خاصة المذاع.
وفي كلمة المدني دروز تحدث بداية عن علاقة الانترنيت بالإذاعة ، باعتبارها مصدرا مهما للمعلومة متسائلا حول مدى صدقها و جودتها كما تحدث عن عولمة الإعلام وتعميمه ، وانتقل ليتحدث عن دور الإعلام في التنمية ووسائل الاتصال وطرح سؤالا حول التنمية هل تنمي الإنسان اقتصاديا واجتماعيا ،أم تمده بالوسائل الضرورية تحديدا الإعلامية من أجل تنمية اقتصادية ومستدامة؟
وتحدث المؤلف أيضا عن الوضع الإعلامي في المغرب منتقدا الموارد البشرية غير الكفيلة بإنجاز الغاية المنشودة منه ، مركزا على دور التكوين المستمر كما تطرق إلى مبدأ الاستقلالية في العمل الصحفي طارحا مبادئ أخرى كالحرية والصدق والأمانة المهنية بالإضافة إلى الجانب الفني في العمل الصحفي ، وبعد ذلك فتح باب المناقشة الذي عرف تدخلات غزيرة ومتنوعة...
الأربعاء 20 أبريل
حول موضوع: "أدب الطبقة العاملة"، يوم 2011، على الساعة الخامسة زوالا، بخيمة ومن تنسيق نادية شفيق شارك ثلاثة قصاصين مغاربة "يوسف بورة"،"سعيد رضواني"،"محمد كويندي"، الجمهور الحاضر بانكساراتهم وطموحاتهم و آمالهم، و تجاربهم المنبعثة من فضاء عالم القاع، بالإضافة إلى مشاركة الباحثتين"سميرة مترجي"، و"الزوهرة صدقي بإلقاء الضوء على أدب مزجت كلماته بعرق من كتبوه، أدب تفوح منه رائحة الفقر و الكد و القهر ، رائحة القاع.
الورقة الأولى في هذا اللقاء قدمتها الباحثة سميرة مترجي، لرواية "جراح" ليوسف بورة عنونتها ب(جراح: قراءة بالذاكرة في حياة القاع و أناسها)، حيث اشتغلت الباحثة على الذاكرة و آليات اشتغالها، التي تسير وفق مسار تركيبي بسيط يقوم على التوقف الذي يشكل عتبة بين الغوص في السابق و التهيؤ للاحق، و التكرار باعتباره حلية كلامية تفيد التوكيد من جهة و التنبيه من جهة أخرى، ثم التقييم لبعده الأخلاقي الذي يحضر غالبا في ساعة التجربة الذاتية.
و قد حاول الكاتب في جراح النبش في حياة القاع حيث التهميش و الإقصاء من خلال ما عاشه و ما عايشه، فكان أن أجهد ذاكرته في الاسترجاع و الاستذكار ليسجل حياة أناس خالطهم حتى النخاع، أناس يعيشون خارج التاريخ في اللازمان و اللامكان.
بعد ذلك صرح يوسف بورة بأن كتابه "جراح" هو ملامسة خجولة لمغامرة الكتابة، التي اكتشف أنها من أصعب الأمور التي يقدم عليها الإنسان خاصة إذا كان موضوعها يتطلب سبر أغوار الذات والغوص في متاهاتها، فقد غاص الكاتب في طفولته ومراهقته المشردة من خلال روايته "حقيقة دامعة"، لتأتي "جراح"، شاهدة على مرحلة شبابه، و ما طبعها من مراجعات فكرية وسلوكية كان محورها انفتاحه على عالم الكتاب و فضائه الرحب، متمنيا إتمام ثلاثيته السيرذاتية .
تحدت بعد ذلك الكاتب محمد كويندي، عن الصعوبات التي واجهت الأدب العمالي، و رأى أن هذا الأخير استوقفته إشكالية المصطلح، و اعتبر أن الكتابة هي إعادة توازن للحياة، التي نؤدي فيها جميعا أدوارا إما قسرا أو اختيارا، ثم أورد أمثلة عديدة لأدباء عمال استطاعوا قلب موازين الأدب و طبعوا أسماءهم بمداد امتزج فيه العرق بالدماء، من قبيل "زكريا تامر" الذي اعتبر أنه أثار ضجة في مسار القصة القصيرة، و "عبد الرحمن منيف" الذي أحدث طفرة في مجال الكتابة عن ثقافة الهامش، و يرى الكاتب أن كل مبدع يفكر فقط في اللغة لا يكتب، لذلك عليه أولا أن يفرغ مكنوناته عن طريق الكتابة ثم يتبعها بعملية التنقيح، ليختم بأن الكتابة شقاء كما هو الوعي عند كانط .
و اختارت الباحثة الزوهرة صدقي الحديث عن "المتاهات السردية " عنوانا لمداخلتها التي تمحورت حول المجموعة القصصية "مرايا" لسعيد رضواني، معتبرة أن الأعمال الفنية التي تلفت الانتباه إليها، هي تلك التي تعرف كيف تجمع بين المضمون و الشكل و اللغة في بوثقة محكمة بحيث ترقى فنيا إلى درجة يستحيل معها تخيل شكل آخر لكتابتها غير الشكل الذي ظهرت عليه .و القاص سعيد رضواني لم يطل علينا إلا بعد أن أحكم فن السرد و أحاط بخصائصه الفنية و الجمالية مما جعل قصصه جديرة بالمتابعة و القراءة، و ترى الباحثة أن القاص لم يتخذ المتاهة موضوعا أو فكرة في مراياه، بل اتخذ موضوعات و قضايا اجتماعية و نفسية من قبيل (الجنس، السرقة، الاغتصاب، الجشع، القتل، البطالة...)، موضوعا لمتاهاته السردية، فالمتاهة عنده تكمن في اللعب بالعوالم المتعاكسة المتصادية التي تدفع بالقارئ و منذ الوهلة الأولى إلى اتخاذ الحيطة و الحذر خشية الضياع في المتاهات السردية لمراياه و ذلك رغبة منه في إنتاج قصص مستفزة لا منومة.
تناول الكلمة بعد ذلك القاص سعيد رضواني ليبوح لنا بمكنونات الأديب العامل، الذي يقاوم في كل لحظة انشطارا محتملا، و كاتبنا يجهل كيف أصيب بلعنة الكتابة في بلد لا يقيم تماثيل لمبدعيه، بل تماثيله أجيال تناوبت على تقلد مسؤولية الثقافة فزجت بها في الدرك الأسفل، ليبقى المبدع وحيدا في حربه اليومية من أجل إثبات وجوده أمام أسرة تُحَمل قلمه و أوراقه وزر تدهور أوضاعه الاجتماعية، فيظل يتفتت حتى يتلاشى ثم يقال مات كاتب.
و في ختام هذا اللقاء افتتح باب نقاش عميق حول الأديب العامل و ما قدمه من عطاءات لحقل الأدب.