لماذا لم أرشح كتبي الثلاثة للجائزة بيان حقيقة
عبد اللطيف محفوظ
راج في الآونة الأخيرة أنني أمارس معارضة قوية داخل اللجنة التنظيمية للمرصد الوطني للثقافة، تحاول أن تفرض سياسة مهادنة تمتنع عن مقاطعة فعاليات الوزارة الوصية على الثقافة المغربية، بل تم التلميح إلى أنني أشجع على الانخراط في كل أنشطتها والترشح لجائزتها. والواقع أن شيئا من هذا لم يحدث، بالصورة التي يراد لها أن تتداول، وأن كل ما يروج محض تسريب لنقاشات جادة ومسؤولة خضناها لمدة من الزمن، داخل المرصد، من أجل إنضاج الموقف الحاسم في التعاطي مع الأنشطة الثقافية للوزارة في هذا الظرف الدقيق من السنة، الذي تتمظهر فيه قيمة وأهمية المثقف المغربي وضرورته بالنسبة للوزارة.. وإذا كانت الآراء المختلفة التي يمكن أن تكون متعارضة في البداية تتقارب لتفرز أخيرا رأيا يصبح معبرا عن موقف المجموعة، فإن تلك الآراء تُنْسَخُ من قبل الرأي النهائي للمجموعة.
ولكي أجزم في أمر ما نمي إلى البعض من أمر مشاركتي في الجائزة فإنني أؤكد أنني لم أترشح بأي من كتبي التي من حقها الترشح هذه السنة وهي كتاب "سيميائيات التظهير" الذي قيل أنه كان موضوع التداول النهائي في السنة السابقة المشهود لها بالارتباك المبين.. وسياسة التشاور خارج شروط القراءة.. والتي عرت حقيقة التحكيم. وكتاب " البناء والدلالة في الرواية"، و أخيرا كتاب "صيغ التمظهر الروائي" الذي يعتبر جاهزا الآن. وأنا لا أقاطع الجائزة فقط لأن الرأي المعلن في بيان المرصد الذي يمثل موقفي مندمجا في الموقف العام المتفق حوله، بل أيضا لأنني لا يمكن أبدا أن أشارك في إعطاء المصداقية لما لم يعد موثوقا لدي، فقد جربت من موقع الثقة في المؤسسة وفي التحكيم النزيه سابقا واقتنعت. .
إن الخلل لا يخفى على أي قارئ متتبع يقارن بين الكتب المتوجة سنويا والكتب التي نافستها، دون الحديث عن كتب تميز أصحابها ببعد النظر، فرفضوا الترشح لأنهم يعتبرون التحكيم بدء من انتقاء اللجن والخبراء وصولا إلى النتائج خاضعا للمزاجية ومجانبا للموضوعية العلمية.
ومن أجل توضيح بعض القضايا الموضوعية التي تبين فداحة ما تفرضه سياسة التحكيم من ظلم في حق المنتوج الأدبي والفكري المغربيين، وفي حق الأدباء والمفكرين المغاربة. تكفي الإشارة إلى حقيقتين تظهران أن الترشح في ظل الشروط الحالية هو مجازفة بتبييض رمادها القاتم.. تتمثل الأولى في كون آخر أجل لتلقي الكتب المرشحة هو نهاية السنة الميلادية، وأن الحسم النهائي يكون قبل متم شهر يناير، الشيء الذي يعني أن أسبوعا يستغرق في توزيع الكتب على الخبراء وأعضاء اللجن، وأسبوعا للتداول النهائي وأسبوعا أو أسبوعا ونصف لقراءة الكم الهائل من الكتب المرشحة، وإذا سلمنا بتهور كبير أن القصائد والقصص وحتى الروايات يمكن قراءتها وتمثلها جماليا والحكم عليها ولو بالحدس وتحكيم الانطباع في مثل هذه المدة.. فكيف يعقل أن تكون هذه المسافة الزمنية كافية لقراءة عشرات الدراسات النقدية والفكرية والمترجمة عن عدة لغات، والحكم عليها وتمييز الجيد منها. علما أن هذه المدة الوجيزة لا تكفي حتى لقراءة كتاب واحد وتمثله! وطبعا لا يمكن للتساؤل السابق أن يكون له معنى إلا إذا حدثت معجزة عظيمة، وكانت لجنة القراءة ممتلكة لقدرات معرفية تمكنها أصلا من استيعاب مضامين وخلفيات الدراسات.. أما الحقيقة الثانية فترتبط بمحاولات ترقيعية تم الالتجاء إليها في السنوات الأخيرة، وتكمن في توزيع الكتب التي تبدو محظوظة لكي تكون موضوع التداول النهائي، على خبراء من خارج اللجن. حيث يتولى كل خبير حسب، ما وصل إلى علمنا، قراءة كتاب واحد وتحرير تقرير بشأنه. وبناء على التقارير المعزولة المحررة من قبل الخبراء تقوم اللجنة بحسم أمر الجائزة !! والأمر المحير هنا أيضا، هو كيف نطمئن لخبير يقرأ كتابا واحدا ولا يعرف شيئا عن الكتب الأخرى المتنافسة، التي غالبا ما لا يكون قد سمع حتى بصدورها، وأنه لو طلب منه قراءة كتاب ثان منافس للكتاب الذي طلب منه قراءته، يمكن أن يعدل تقييمه للأول.. وجلي أن هذا الإجراء عبثي، لأنه لا يمكن عقد موازنة بين الكتب، إلا من خلال تحكيمها من قبل نفس الشخص أو الآشخاص، حتى يكون المعيار موحدا.. ومعنى كل هذا بوضوح، أن الجائزة في النهاية تخضع لتقييم غير مؤسس على تحكيم حقيقي. وأن انتقاء الكتب قد يكون بناء على قراءة العناوين أو المقدمات، أو بناء على انتقاء أسماء دون أخرى إما مجاملة أو إمعانا في تصفية حسابات مع أسماء أخرى..
إن ما شابها السنة السابقة، وخرج إلى العلن، وما تؤشر عليه الحقيقتان السابقتان، اللتان لا محالة ستشرطان الدورة الحالية، يدعونا إلى تذكر مسرحية عربية شهيرة، ربما تجسد حتى حقيقة بعض أعضاء اللجن (شاهد ما شافش حاجة) لفهم مسرحية (محكم لم يقرأ شيئا)، ولذلك لم تستطع أغلب الكتب المتوجة أن تفرض ذاتها في الساحة الأدبية أو الثقافية، وأغلبها لا نسمع به إلا يوم الإعلان عن الجائزة لننساه في اليوم الموالي، بينما كتب تم تجاهلها ما زالت حاضرة ضمن سلسلة الكتب الأكثر مبيعا رغم مرور سنين على طبعتها الأولى، وأنها تشكل موضوعات للأطروحات بجامعات عربية مختلفة. وما دامت الإجراءات السابقة سائرة المفعول، أرفض ترشيح كتبي.. لكن عندما تتغير الطرق والإجراءات وتتكافأ الفرص ليفوز من يستحق، ويقدر لي أن أنشر كتبا أخرى أتشرف بالترشح لجائزة وطني الذي ليس لدي في الوجود أغلى منه.[i]