وهذه الثقافة كما أشرنا هي إحدى مرتكزات الفرجة المسرحية المغربية بل أصلها ؟
إن من تجليات علاقة المسرح المغربي ببريخت هي هذه العودة للأصول أصول الحكاية والانطلاق من منطقها باعتبارها خزانا للتراثات في الثقافات الشعبية ، ومنها خزانا لإواليات تشكل وعي الناس بواقعهم في لحظة تشكل هذا الوعي ، ولعل نحت صفة الرشدية <نسبة لابن رشد> في إحدى دراساتنا كانت بهدف معارضة صفة الأرسطية المتحكمة في قوانين وقواعد الدراما الكلامية الإغريقية كما عمل نيتشه على تفجيرها وصولا لفاجنرية المسرح الألماني في لحظة من لحظاته ، وقد عاود الكرة برتولد بريخت بحثا عن مسارب آخرى لقول الحقيقة وهو نفس الاجتهاد الذي قام به أرثور موللر مع جدلية بريخت نفسه كما أشار الى ذلك الدكتور خالد أمين فيما بعد بريخت ، وقد تأتى لنا أن نعيد السؤال في هذه العلاقة مع بريخت من منحى الفرجة في المسرح المغربي اعتمادا على أصول هذه الفرجة ، وما هي إلا هموم في عصر الإنسانية لا نملك إلا الانخراط فيها من موقع متخيل هذه الفرجة ومن أقرب أبوابها إلينا : الثقافة الشفاهية الشعبية ، والتي هي موقع ملتبس : نسميه المسرح على حد تعبير بول زمتور .
إن المسرح المغربي في انفتاحه على التجربة البريختية فيه أكثر من معنى في اكتشافه لأصوله ، حيث يعني هذا الاكتشاف عودة لذاته وقد نسمي هذا الاكتشاف باسترجاع لحظة الوعي بالعودة للذات من أقرب موقع لنبضات الوجدان الشعبي ، حيث كانت اشتغالات برتولد بريخت قريبة من هذا الموقع لأنه وكما سبق وقلنا كان ينحو قول الحقيقة هو الدقة وهنا نقترب كذلك من مفهوم المسرح الذي هو مفهوم يعبر عن جوهر عصره ، كما أن التجربة الإنسانية علمتنا أنها وليدة انخراطها في واقعها ، لهذا نجد برتولد بريخت ينجذب لتجربة المسرح الشرقي وتماهيات الممثل الصيني كما أن حضور الثقافة الشرقية في أعماله جعلته يهتدي لجوهر المسرح في عصره ، علما بأن تجارب مسرحية أوروبية أخرى كانت قد اتجهت نفس الوجهة بحثا عن لحظة إشراق في اكتشاف الإنسان لذاته ، وهذا ما نلمسه في اهتداءات المسرح المغربي ، وما نشهده الآن في رسم معالم لهذا الاهتداء والذي اتخذ له عنوانا دالا : الفرجة . وما الفرجة المسرحية إلا هذا التحييل للأصول ، والذي يأخذ معان أخرى في مجالي البحث والإبداع والذي قد نسميه تجريبا ، لأننا لا نجرب ولا نقوم بالتجريب إلا على ما هو قائم وموجود ، وما هو قائم وموجود يسكن لا وعينا فما علينا إلا اكتشافه باعتباره الحقيقة المضمرة لكنه الإنسان وبطبيعة الحال سنكون أمام هذا الطرح مخالفين لتوجهات الاندماج في المواقف والحالات الدرامية التي تهدف بالدرجة الأولى إثارة العواطف والميولات في دواخل النفس الإنسانية مثلما يقوم عليه نظام التراجيديا لدى الإغريق أو مسرح الأسرار في الكنيسة في القرون الوسطى ، مادام سؤال البحث والتجريب مخالفا في دراماتورجيا متخيل الأصول ، لأنه سؤال أنطولوجي يتوخى هذه الحقيقة المتمثلة في الحدث الاجتماعي وكيفية انتظام اللحمة الاجتماعية في واقع الناس حوله انطلاقا من التساؤل التالي :
ماذا حدث ؟ وكيف حدث ؟
للاقتراب من إجاباته دون وسيط لأن الفعل المسرحي فيه ما يكفي لجعل الإنسان يدرك سبل هذا الاقتراب ، وهذا ما توفره للمسرح أصوله والتي هي ذات الأصول الصانعة لمتخيله حيث وسمناها هذا المتخيل بالعرض المسرحي ولنا أن نمعن النظر في تجمعاتنا وملتقياتنا الجمعية والتي هي لحظات لاسترجاع ذاكرة الذات ألم نقل بأن الثقافة الشعبية هي خزان للتراثات ...
· باحث مسرحي من المغرب.