خلو فؤادي بالمودة إخــــــــ
لال
وإبلاء جسمي في طلابك إبلال
أبو العلاء
بداية أعترف أن لمصر في قلبي كل التجلة والإكبار، منذ أن فتحت عقلي وقلبي وذوقي على مواجد ابن الفارض وأشجان ناجي و سرديات العميد الحلوة والفكر الدقيق الصارم عند هرقل مصر وشمشونها(العقاد) والحيوية المتدفقة عند القاهري نجيب واللحن الخالد عند صاحبة العصمة، والاندغام في الغيب المحجوب في صوت المقرئ عبد الباسط عبد الصمد،حد النشوة بالحضور والتجلي . فنهر النيل لا يغرف منه الإخوة في مصر فقط بل يغرف منه الملايين من أبناء العروبة- لهم نيلهم ولنا نيلنا- ومصر الفاتنة الخالدة بأهرامها ورمسيسها وإيزيسها وأوزيريسها هي وشم على زند الأيام وساعة في معصم الزمان، بآثارها الخالدات يأخذ التاريخ معناه وتستقيم للحياة وجهتها إلى معارج الرقي والكمال.
كان هذا موقفي من أرض الكنانة ولا يزال، في البأساء والنعماء ، وفي الزمن الأخضر والأغبر، وأنا أتفق مع شاعر النيل حين يتحدث عن مكانة مصر والشام في عروبتنا إذ يقول:
لمصر أم لربــوع الشام تنتسـب
هنا العلا وهناك المجد والحسب؟
ركنان للشرق لازالت ربوعهما
قلب الهلال عليهما خافق يجــب
خدران للضاد لم تهتك ستورهما
ولا تحول عن مغناهـــما الأدب
أيرغبان عن الحسنى وبينهــــما
في رائعات المعالي ذلك النسب؟
لقد ظلت مصر قلب العروبة النابض ، ومرتع العقل المتعطش إلى المعرفة،ومهوى الأنفس التواقة إلى الفن الرفيع، والحقيقة أن العروبة بلا مصر نهد بلا حلمة وشرايين بلا دم وكلمات بلا أبجدية وسماء بلا نجوم وحلم لم يكن رؤيا تنزل به منزلة رؤيا الأنبياء التي هي حق!
فهي منذ الفتح الإسلامي قد ارتبط مصيرها بشقيقاتها من البلدان العربية
ولقد آلت على نفسها لتأخذنّ بأسباب التقدم وعوامل الحصانة لها ولغيرها من بلدان العالم العربي ، تنجح مرة وتخيب كرة أخرى ولكنها تسعى في المضمار سعي الصافنات الجياد، وأجر المجتهد إن أصاب أجران وإن أخطأ أجر واحد.
إن مصر التي نعرفها ونحبها لا نحب لها أن تشط ،فنحن نكبرها عن كل إسفاف ، ولا نرضى لها أن تغرد خارج السرب، فحين يصر البعض على أنها فرعونية أولا وآخرا تشط عن الصواب حين تتوهم الحقيقة في أضغاث الأحلام فمصر عربية ولو كانت غير ذلك لكانت سارت في طريق الفرعونية منذ أن عبدها وليم ولكوكس وزفتها سلامة موسى في منتصف القرن مع لفيف من شذاذ الفكر ومحدودي الرؤى ولكنها دعوة تؤخر البلد أكثر من أن تتقدم بها وتشظي الجهد الوطني فضلا عن القومي!
إن محاولة فك الرابطة مع العالم العربي بدعوى أنه تسبب في تأخر مصر وعلى حساب رفاه البلد وسعادته كلام مردود وبنيان متهافت غير مرصوص، والحليف الجديد في يافا وقد غدا لسان الحال يقول مع المهرولين:
قواصد شــــارون توارك غيره
ومن قصد البحر استقل السواقيا
لن تجني منه مصر إلا الأشواك والحسرات.
وإخواننا في مصر مدعوون بحرارة إلى طرح بعض الكلمات في أحاديثهم والتخلي عن شيء من الغلو في استخدام تلك الكلمات على شاكلة: الشقيقة الكبرى والكبير،فمن ذا الذي يجحد فضل مصر وأسبقيتها غير أن فرط الاستخدام يبعث في الأنفس النفور، إن الشجرة تعطي الثمر واللفظ ينضح بالمعنى والضرع يدر الحليب بلا كلمات سالكات مجرى الطعام!
وليعتقد الكثيرون من إخواننا في مصر المحروسة أن كثيرا من الخير يوجد في بلاد العرب سواء في الفكر أو العلم أو الدين وكل يعضد ويدعم ويشد الأزر وليس في ذلك ما يدعو إلى الانتقاص من قدر الآخر أو النظر إليه زراية واستخفافا.
وإذا كانت براقش قد جنت على أهلها فأردتهم، فللسياسة نصيب من الجناية على أرض الكنانة ، إن الانسداد السياسي يحجب الأفق ويجلب العتمة، ويجعل من الحكم أولوية كبرى تصبح مصالح العباد والبلاد تبعا لتلك الأولوية وخادما لها ولو كان ذلك على حساب الإصلاح السياسي الحق
والرفاه الاجتماعي والرخاء الاقتصادي والشفافية الإعلامية.
كتاب مصر وفنانوها وإعلاميوها مدعوون إلى التفكير في مستقبل مصر العربية وليس الإشادة بماضيها أو التلذذ بإيذاء الآخرين والتطاول على تاريخهم واستخدام أقذع العبارات إلى حد السادية !
الجراح ستندمل ، والجلجلة ستشهد صلب الكراهية وليس الحب،وأبو الهول الرابض يحرص مصر بحكمة القرون وصبر الراسيات الشم سيكلأ مصر من عوادي الأيام والنيلان - الحقيقي والمجازي- سيظلان يتدفقان ماء ثجاجا وسنا وهاجا، إنها فتنة – والفتنة أشد من القتل- والحلكة لا تتسرمد.
أليس الصبح بقريب؟