محمد المهدي السقال مبدع جديد
عدد الرسائل : 11 العمر : 71 الحالة : كاتب مغربي نقاط : 32205 تاريخ التسجيل : 04/04/2007
| موضوع: مـا تــبــقَّــى الجمعة أبريل 06, 2007 1:49 pm | |
| مـا تــبــقَّــى
رأيت فيما رأيت ذات يوم , ويدي تتحسس برودة في الأوصال العـطـلـى ,
وجهاً يَهل من شاشة تلفازنا المسمى وطنيا بالشعار , بهي الطلعة مزركش الألوان ,
تزينه بشاشة امرأة شبه عارية من جهة الرقبة إلى الصدر ,
شتان بين عري الربيع المطل فجأة , و عري الخريف المتهادي أمامي صباح مساء ,
كأي إنسان تحركت بداخلي , رغبة التلصص في بعض التفاصيل ,
لا أذكر من قال إن اشتهاء الأنثى في الحرام حرام , أظنه كان فقيها يعلن غير ما يسر ,
ويأبى شيطان المقارنة إلا أن ينغص علي لذة الاختلاء بالصورة المتحركة ,
تتعمد أن تكسر اتصال عيني بفتنة المذيعة ,
- *عصام* تأخر ,
تشير علي بيدها اليمنى ,
- أينك ؟
اخترقت مآقيها الذابلة , مثلي أضاعت ثلثي عمرها في الانتظار ,
غاب جسدها النحيف في عمق قتامة مدخل المطبخ ,
تزداد نصاعة شاشة التلفاز , لم تكن أوضح كما هي عليه اليوم ,
استغربت من غياب أي تجعيد ولو بالثني في حركة أو كلام ,
عيناها محارتان تغيب فيهما نقطتا بياض خلف دائرة شهباء ,
فوقهما حاجبان رقا , حتى لان سوادهما كأخدود في أفق السماء ساعة الغروب ,
تلقي إليك بنظرة تخطف البصر ,
يتحرك الراكد المسكوت عنه في حوارات الليل بين ضرورات اليومي في الحاضر ,
و حاجات الظرفي في المستقبل ,
كلما فكرت في اختبار إمكانية عودة النفس إلى النفس ,
كلما كانت لي بالمرصاد , تفت عضدي عن غير قصد ,
تذكرني باستمرار بالأزمة التي انتهينا إليها ,
تكثر من اللولوات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ,
لو أنك لم تدخل السجن,
لو أنك اخترت طريقا آخر ,
لماذا لا تقولين , لو أنك بعت كل شيء ,
ثم أعمد إلى الاعتذار لها عن طيش الشباب الذي تأخر بي , فلم يبارحني إلا ملوما محسورا ,
أعرف أنها أقل احتمالا مني لقهر هذا الزمن الخبيث ,
أقرأ في عينيها انتكاسة الأحلام المنكسرة , صمتها أحد , لا تلطفه سوى هذه اللعينة الماردة ,
كثيرا ما سألت نفسي عما تكون عليه حالها وهي مستلقاة ,
على ظهرها حينا أو على بطنها حينا آخر ؟
تملأ الفراش من الزاوية إلى الزاوية , بالكاد تستيقظ للاستواء كي تفسح لي مكانا للنوم ,
قالت بأنها تفضل استباقي إلى النعاس مخافة إزعاجها بشخيري الذي يدوي في الأركان ,
- تأخر *عصام* ,
ألن تخرج للبحث عنه؟
كل يوم يزداد يقيني بأن حواء هي التي أخرجت آدم من الجنة ,
- لعله يلعب مع أولاد الدرب ,
- في مثل هذا الجو الغاضب ؟
وانقطع صوتها متدرجا في الغياب , بآخر الحروف نحو الممر الضيق إلى المرحاض ,
إذا حكت عن زوجة رفيق الدرب القديم * الضاوي * ،
تراها تلف وتدور حذر التصريح ,
تكتفي بالتلميح إلى نجاحه في الخروج من عزلة الانفصال عن الحزب ,
- حصل لابنه على منحة دراسية في *الاتحادي السوفياتي* خلال سنتك الرابعة هناك ,
تقصدين قبل *كورباتشوف* ,
و يسود صمت برائحة الشفقة عليٌ وعليها من شماتة القدر ,
أود أن أحضنها لتفجر بين ذراعي حزنا دفينا ,
آخر مرة حضنتها , شعرت بفيض أنوثتها في وجه الجدار ,
منذ ذلك اليوم , لم تجرؤ على الاحتكاك بي , حتى في الليالي المطيرة ,
تظل بيننا مسافة البعد بين الحياة والموت ,
أتأمل العشر سنوات بيننا , يعيدني صوت رخيم إلى الإطار ,
تمتد رقبتها منحلة إلى كتفين متوازنين ناعمي بشرة فاقع لونها ,
لا هي بالبيضاء ولا بالصفراء ,
ثم لا لتبث أن تجد نفسك بين مقدمة صدرها المحمول بإحكام ,
فترى ما يشبه القباب استدارة فوق قبور الأولياء الأحياء منهم و الأموات ,
وشدتني أكثر ,
استقامتها رغم ضيق استطالة الإطار ,
فيما كانت زوجتي تعبر ما بين المطبخ والمرحاض ,
واضعة يسراها على خصرها كأنها تثبت حائطا على وشك الميلان ,
لأول مرة رأيتهما معا أمامي ,
يتباطأ الظل المنحني جهة المؤخرة , فيتَـكَوٌرُ خلفها دوائر حلزونيـة , لا تفضي بك سوى
إلى التيه ,
تجاذبني الحنين بين وجه و وجه , بين رقبة و رقبة , وبين صدر وصدر ,
انفتحت شفتاها لاستئناف نشرة الأخبار , فعلتهما ابتسامة ضيقة بحساب ,
دون أن تفقد أدنى توازن بين الصوت
المنبعث هادئا من طرف لسان , والصمت المنسكب مالحا من بين ثنايا إيماءات دافئة :
- وقد انتهت وكالة الأنباء التابعة للجيش الأمريكي في العراق ,
إلى تصنيف النساء دون الثلاثين , إلى ثلاث فئات ,
فئة الأرامل مما خلفته الحرب بين الفرس و العرب ,
وفئة الثكالى مما تخلفه حرب التحالف ضد شعب العراق ,
- أما الفئة الثالثة فلا زالت تنتظر اللحاق بالأولى أو الثانية ,
لم أرها من قبل تهتم للأخبار ,
- كانت الحرب دينية بين شيعة وسنة ,
لم تكن عرقية بين فرس وعرب ,
كانت أذنها على نشرة الأخبار ,
- إنها تتحدث عن أرامل الحرب ,
رفعت عقيرتي قليلا كي أسمعها صوتي ,
- ليتها كانت واصلت ما حملته الأخبار عن مهرجان التسوق في دبي والرياض ,
صور جميلة براقة تسر الناظرين , بعيدا عن جثت متناثرة هنا وهناك ,
لم أبال بتعليقها ,
ما زالت إشراقة محياها تثـير الفحولة المهـزومة ,
نسيت كيف يكون انتصاب الذكورة في وجه العاصفة ,
جاملني الطبيب حين اعتبرها حالة نفسية , وردها الفقيه إلى العين التي أصابتني ,
تقتحم علي ظلمتي ثانية , تبدو مصرة على إذلالي ,
تعود إلى بورصة المال و الأعمال , تفسح المجال لقراءة تقرير يسيل اللعاب :
كل المؤشرات تدل على ارتفاع مصادر الاغتناء في صحاري النفط ,
قرأت في عينيها شعورا بالاغتباط وهي ترفع بأناملها الناعمتـيـن خصلة ظلت تعاندها ,
لم أدر إن كانت تتعمد بين الفينة والأخرى , انسياب الذؤابة في تناغـم مع حركة مقدمة الرأس ,
استرقت نظرة من زاوية ضيقة ,
وجدتني أقارن بين وجهها , و وجه قدري المرتكن خلف الباب ,
بدت لي حزينة نال منها الزمن ما يكفي لظهور بثـور الكبر قبل الأوان ,
ليت نصيـبـها كان أفضل ,
ربما كانت تكون أجمل ,
ماذا حققت لها من أحلام غير السراب ,
صدقت مقالتي في الحب الذي يأتي بعد الزواج , فرهنت حياتها بمصيري المعلق بين أيدي الحكام ,
وصدقت مثلي أن الذي أنا فيه , إنما سبـبه كهـرباء التحقيقات ,
كنت مثلها أعرف أن الكهرباء يمكن أن تقتل الخلايا في الدماغ , أمـا....,
حين زارتني في السجن أول مرة ,
استعطفتها ألا تعود ثانية , خوفا عليها من عيون العسس,
امرأة في العنفوان , تزور محكوما عليه بعشر سنوات ,
تخيلتها تتمسح بالحراس كي يمددوا ساعة زيارتها ,
تغير شكل لباسها في السنة الثانية ,
ينفتح الباب المفضي إلى الممر ,
أعاند الثقب الضيق في الشباك الفاصل ,
أجاهد في قراءة طلعتـها ,
- لماذا لم تلبسي الجلباب ؟
- نحن في فصل الصيف, زحمة المواصلات على مرحلتين , أنت تعرف التهاب المدينة ,
- هل أبدو غير محتـشمة ؟
تخترق ابتسامتها جوارحي ,
- لا تخف علي , كل يوم تكبر في عيني , يزيد حبكَ أكثر ,
- أخاف عليك, جرحكِ غائر في نفسي أعمق من مكابدة الأسر ,
- لم تسألني اليوم عن أحمد , قدمه المعلم للأطفال ضمن النجباء , وخصه بمديح الانتساب إليك ,
المعلم يعرف عن قصتك الشيء الكثير ,
أبي من فوارس هذا الزمان , ظل يرددها طول اليوم ,
- وأين هو الآن؟
- صـار كثير السؤال عنك ,
لم أشأ أن أصدمه , أكدت له أنك مازلت مسافرا في بلاد الثلج والضباب ,
خطرت لي فكرة تبرير الغياب بالبحث عن
تسوية الأوراق هناك ,
أظنه يصدقني ,
يسمع مثل غيره عن العابرين إلى الضفة الأخرى عبر قوارب الموت , فرارا من جحيم الوطن ,
كل الأخبار تتحدث عن الحصار المضروب على العرب في بلاد العرب والعجم , بدعوى مكافحة الإرهاب ,
أمعن في وجه المذيعة الحسناء ,
تنتفض الرغبة المكبوتة ,
أفكر في الاقتراب منها ,
تمتد يدي إلى أسفل ,
ليـتـني كنت أقوى بعد سنين الرطوبة والبرد .
محمد المهدي السقال القنيطرة / المغرب | |
|