باراك أوباما (وهو أحد أبرز رموز الآخر الغربي/العالمي) فى القاهرة وخطابه فى أكرا ـ غانا التى زارها مؤخراً، ستجده فى غانا السوداء يشدو بالحرية لإفريقيا السوداء، أما فى القاهرة العربية فيحرص أوباما على تجاهل قضية الحرية، ويستبدل بها حديثاً انتهازياً عن الاقتصاد والتجارة والبيئة!..تُرى ما الفرق؟!
الفرق يعرفه المتخصصون، وأنا منهم، فالغرب فى تعاطيه مع إفريقيا يميز بين إفريقيا السوداء (إفريقيا جنوب الصحراء) وإفريقيا العربية (الشمال الإفريقي)! صحيح أن الغرب حرص على خلق ودعم آخرية محلية فى إفريقيا السوداء، إبان الحرب الباردة، لكن هدفه كان مواجهة المد الشيوعي فيها، وليس إدامة تخلفها..
والدليل أنه بمجرد إنهيار الكتلة الشرقية واختفاء الخطر الشيوعي، توجه الآخر الغربي/العالمي بزعامة الآخر الأمريكي نحو تخليص إفريقيا السوداء من وباء الآخرية المحلية، وعمل ولا يزال على تحقيق الاستقلال الحقيقي لدولها، الأمر الذى دفع البعض لاطلاق مسمى "الاستقلال الثاني" على هذه المرحلة، اقتفاء بمرحلة خروج الأوروبيين من إفريقيا السوداء فى بداية ستينيات القرن الماضي!
وقتها تساءلنا: وماذا عنا معشر العرب؟ ألم يأن لربوعنا الطيبة أن تتخلص من الآخرية العربية/المحلية أسوة بإفريقيا السوداء؟! ولم يلبث الرد المؤلم أن جاء: وماذا عن الثأر القديم، أخرجتمونا من التاريخ مرتين، ولن نسمح بتكرار ذلك(4)!
بيد أنه بوقوع أحداث الحادى عشر من سبتمبر، لم تنج النخب العربية الحاكمة، باعتبارها حجر الزاوية فى هيكل الآخر العربي، من ثورة الغضب الأمريكي، وشهد النهج الأمريكي تجاه النخب العربية الحاكمة تحولات راديكالية، على الأقل نظريا! فلأول مرة تُثمن الولايات المتحدة المقولات الأنسنية في خطابها الموجه للعالم العربي، على خلاف تثمينها السابق للنخب العربية الحاكمة، ومساندتها لها في تكريسها لمبدأ الاستقلال السلبي وإدامتها لتخلف الذات العربية!
ولعل نظام الراحل صدام حسين كان بحق أبرز ضحايا الغضبة الأمريكية..
إذ أنه طبقاً لتقرير اللجنة الوطنية الأمريكية الخاص بهجمات الحادي عشر من سبتمبر(5)، استند تنظيم القاعدة بصورة ملموسة إلى الأتباع من مختلف الدول العربية، وهو ما بدا واضحاً في تشكيل المجموعات التي اضطلعت بتخطيط وتنفيذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر ضد أهداف أمريكية، حيث حمل أعضاء تلك المجموعات جنسيات عربية مختلفة، فضلاً عن اضطلاع خالد شيخ محمد بالتخطيط لتلك الهجمات، فبرغم انتمائه لأصول عرقية غير عربية، إلا أنه نشأ وتربى في الكويت، وانتمى لجماعة الإخوان المسلمين في السادسة عشر من عمره. وفى الولايات المتحدة، حصل على مؤهله الجامعي في الهندسة الميكانيكية في 1986. ومنذ ذلك الحين، بدأت رحلته التي قادته إلى التخطيط لهجمات سبتمبر 2001. وهى الهجمات التى أسفرت عن إزهاق آلاف الأرواح في دقائق معدودة، وتدمير برجين تدميراً كاملاً، فضلا عن تدمير جزء من مبنى البنتاجون..
وكما هو معروف، لم تلبث الولايات المتحدة أن أعلنت أن الهجمات إعلان صريح للحرب عليها! وبذلك بدأ فصل جديد في تاريخ الاستراتيجية الأمريكية، خاصة في شقها المعني بالعالم العربي، فقد اعتبرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين، النخب العربية الحاكمة التي طالما نعمت بالمساندة الغربية لها، مسئولة عن تكريس الأجواء القمعية المؤهلة لإفراز أمثال مخططي و منفذي هجمات الحادي عشر من سبتمبر! وهو ما شكل ـ من وجهة نظرها آنذاك ـ تهديداً صريحاً للأمن الغربي بصفة عامة، والأمن القومي الأمريكي بصفة خاصة..
ولسوف أختم هذه الجزئية بسؤال أجابت عنه ممارسات الادارة الأمريكية الجديدة، وخطاب أوباما فى القاهرة: هل كانت الولايات المتحدة، بوصفها زعيمة العالم الغربي، جادة حين أعلنت على لسان رئيسها السابق جورج بوش(6)، فى أعقاب هجمات 11 سبتمبر، أن اطاحتها بالنخبة الصدامية، إنما ترمى لمساعدة دول العالم العربي على التخلص من نسخ الآخر العربي، وكذا مساعدة الدول العربية على استبدال استقلالها الحقيقي باستقلالها السلبي، عبر جعل العراق نموذجاُ لما ينبغي أن تكون عليه الدولة العربية فى المستقبل؟! أم أن الاطاحة بالنخبة الصدامية جاءت لاستعادة الهيبة فحسب، والبحث عن بديل مُروض؟!..
نحو تثوير الأمل فى مجتمعاتنا:
قارئي الكريم، لم يبق لى الآن، بعد أن تطرق حديثى، الذى أظنه قد طال بعض الشيء، إلى تحليل ظاهرة الأمل، وتوضيح جناية الآخر على الأمل فى مجتمعاتنا ـ أقول لم يبق لى سوى الدعوة لأنسنة الأمل فى مجتمعاتنا العربية المتخلفة، بمعنى أن نُفقد آمالنا سلبيتها ونجعلها آمالاً حقيقية، لا انتظاراً أبدياً..
أعلم أن الاغتراب الثقافي لشعوبنا والآخرية البغيضة، خاصة الآخرية العربية/المحلية، يقفان حجر عثرة فى طريق التثوير المنشود! وأعلم كذلك، ربما أكثر من غيري، صعوبة، إن لم أقل استحالة، تخليص أمالنا من تشوه لحق بها!
غير أن هذا لا يبرر، ولا ينبغي له أن يبرر، فقدان الأمل، لأنه عندما يختفى الأمل، لا يبقى للحياة من معنى! ففعل أمل هو حالة من الوجود، إنه حيوية داخلية، حيوية شديدة، تدفع صاحب الأمل للتغيير والتطوير، لا لهدر الحياة..
الأمل هو عنصر باطني فى الحياة وفى ديناميكية الفكر! فلنطمح إلى إحداث تغييرات عميقة فى ممارستنا وفى تمهيدنا الفكري للحياة! ولنميز كل أشارة حياة جديدة، ونتشبث بها! لنكن فى كل لحظة مستعدون للمشاركة فى انبثاق ما يجب أن يُولد! لنصرخ فى وجه الآخر: خلقنا الله أحراراً، فليعش عقلك ولتعش عقولنا!
الهوامش:
ـــــــــ
(1) لمزيد من التحليل لظاهرة الأمل راجع: اريك فروم، ترجمة ذوقان قرقوط، ثورة الأمل، (بيروت: منشورات دار الآداب، 1973).
(2) راجع: حازم خيري، محنة شعوبنا إدراكها الساذج للآخر، مقال منشور على شبكة الانترنت.
(3) "فى انتظار جودو"، مسرحية شهيرة للكاتب المسرحي صمويل بيكيت، ترتبط فكرتها بفكرة الأمل السلبي أو وثنية الانتظار، وذلك حين نُنفق أعمارنا، على أهميتها وندرتها، فى انتظار ما لا يأتى، نُنفقها فى انتظار اللاشيء..
(4) راجع: صامويل هنتنجتون، ترجمة طلعت الشايب، صدام الحضارات ـ إعادة صنع النظام العالمي، (القاهرة: سطور، 1998)، ص 338 – 339.
(5) اعتمد الكاتب في رصده لأحداث 11 سبتمبر على الرواية الأمريكية، ليس لكونها الأكثر مصداقية ، ولكن لكونها الأكثر تأثيرا في مجريات الأحداث راجع:
National Commission on Terrorist Attacks upon the United States, The 9/11 Commission Report: Final Report of the National Commission on Terrorist Attacks upon the United States, (New York: W. W. Norton, 2004).
(6) United States of America, The National Security Strategy of the United States of America, White House, September 2002 .