خالد الداودي مبدع جديد
عدد الرسائل : 19 نقاط : 30625 تاريخ التسجيل : 15/02/2008
| موضوع: قدر القاتلة السبت مايو 10, 2008 4:25 pm | |
| قدر القاتلة ولما نزل قضاء صفعة،ستحدث جرحا،نزيفا لم ينضب إلى الآن.عندما تسللت تلك القاتلة في غبش الليل لتغتصب السذاجة.انقضت على فريستها ليبدأ مسلسل الصدمات والكدمات والهلع والرعب ومسلسلات الإهانة،تخنيع الإرادة،إذلال الأنفة والرفعة والسمو والمجد. وتوالت الهزائم والفشل والسخرية إلى متى؟حتى تنتحر الأنفة،حتى تذوب الأعضاء،وأطيل في العزلة وأقيم شهورا في غرف مظلمة حتى أنمحي وأصير لا شيء،ذكريات تسيل لها الدموع فقط. وحيثما استمر شبح قدر القاتلة فالشذوذ المجتمعي صار محسوسا كذات مخالفة للبشر،ذات فردانية تعيش في خوالج نفسها تتلذذ بعوالم واحدة.وأما الحب فتتطهر الذات حتى يصير أنقى وأطهر عاطفة،أصدق الأشياء. وحيثما صارت ذات مسالمة مستسلمة تبحث عن وجودها،عن توازنها،كثر استغلالها واحتقارها من طرف نفوس خسيسة،تدهس الضعفاء. وتسكن النفس لتناجي الماضي منذ قدر القاتلة.تقلب التاريخ،تمحصه،تندم،تأسى،تريد الفرار،الخروج من نفق الحدث المأساوي،لكن هيهات.فهي سجينة بحر الذكرى إلى متى؟إلى أن يحين السكون،وتخمد عواصف الصدر وهيجان الذكريات،وتتوالى الصدمات ليصير الصدر داميا أشبه بغشاء رهيف جدا،لأنفق بسخاء لحمايته بصدور حنونة. عندما استسلمت النفس الهلعة للهوان وتقدمت أنا وأبي مكرها نحو الخنوع،أتجرع الإذلال.أمشي نحوه،والضعف مسيطر غالب،لم أكن قط أتصور أني سأساق كطفل صغير نحو ساحة الخنوع وأحتاج لأغشية وقائية من آباء وإخوة وناس وأشياء تقيني الحر والقر والكلام النابي والخوف والهلع في الأمكنة الخالية. صارت النفس أشبه ببيضة محمولة في يد طفل صغير،تحمل إلى المدرسة،تركز النظر.تلقي بعض الدروس،تقاوم ألم الرأس وتعود في المساء لتبلع حبات مهدئة ويتيه الذهن في مساءلة قدر القاتلة اللعينة التي تسللت في غبش مسائي مشؤوم لتدمر المستقبل برائحة عطرها الفظيع وجسدهاالبظ.وتحاول إيجاد توازنها،إيقاف الطريح بأدوية مضادة للانهيار.ذات تركز النظر.تطيل في الشرود،تحاول أن تبحث عن هنيهة أمان.لكن هيهات هل يعود ما قبل قدر القاتلة. وأطيل في الشرود والتأمل في أطفال يلعبون،أركز النظر في تلميذة لأقرأ مصيرها وأكتب كلمات وصفية ساذجة جميلة معبرة.لتنشر في الجريدة.أتوجه صباح مساء أبدو كفرد لا كالآخرين.إنسان ملطوم بصفعة القاتلة الذي صار شبحها يطاردني حيثما حللت. كان بإمكاني أن أتجنب الصفعة لكن الشعور بالندم هو من كان السبب،ليس القاتلة في حد ذاتها.ربما التجارب القليلة هي من كانت السبب.المهم أن القاتلة أصابت الهدف ومسلسل الهزائم توالى. امتلأ الإناء ولم أعد أقوى على إفراغه،سوى الفرار نحو العزلة،وأنا أجتر الماضي أحاول أن أرافع ما وقع ويبدو الرجل الأصلع المتسلط والمسؤول المنافق الذي ضغط على الأنفة والشرف لتدمير الذات وأنا أجتر الهوان تحت أشجار وارفة الظل تتأملني بحنو وشفقة.أبدو بلا حول ولا قوة بعدما انفجر القلب دقات تعلن بداية مسار جديد.آلام الصدر وطبيب القلب القاسي والأرق الذي امتد ثلاث أشهر حتى حين حلول موعد مضاد الانهيار المعلوم الذي خمد ثورة الذهن قليلا.لكن صفعات الأصلع المتسلط والمسؤول المنافق الذين يقتنصون الضحايا ويضربون السذج بحد السيف لم يكونوا إلا نفوسا تتلذذ في تدمير الآخر ،التلذذ في ذلك التيه لتندثر في سموات الألم والتعب والبحث عن مخرج من مأزق الرهاب والعودة إلى سنوات الطفولة وها هو سيزيف الصغير الذي ينتظر أباه حتى يعود من السوق لأنه محتاج إليه.لا يمكن العيش بدونه،يخرج من المنزل،يتأمل الطريق،يترقب قدومه وقلبه يرتجف،يخاف من عودة الهلع.ولكن كيف تحول ذلك الفتى اليافع المتحمس الطموح الثوري إلى سيزيف يحاول الخروج من نفق الهلع،طائر مكسور الجناحين،حلمه أكبر من إمكانياته،يحاول أن يخترق الحواجز،أن يكسرها بأسنانه،بكل ما أوتي من قوة.هل القدر السيزيفي قدر كل الطموحين المتحمسين أم أن الخلل فيما اعتقده،فيما آمن به،في التربية التي تلقاها،أم صفعة المدرس أمام باب القسم المهترئ هي السبب كما قال الطبيب النفساني القاسي.أم أن القدر السيزيفي وراثي عائلي،كيف تحول أسامة إلى سيزيف.يطيل في الشرود،يسخر منه الآخرون.أم أنه في حقيقة الأمر ليس إلا سيزيفا ولا يستحق إلا أن يكون سيزيفا .أما القيادة والثورة وتروتسكي..كل هذه الأشياء تحتاج إلى شخصية قوية خاضت معارك الطفولة وصفعات الأقران وخبرت الأيام،لكن الأسى والندم لا يفارق سيزيف الصغير. كان علي أن أصرخ في وجه القاتلة اللعينة،كان علي أن أرفض،بل كان علي عدم المبالاة بالآخرين ،لم يكن ليعي الفلسفة حينئد،الفلسفة كسلوك. وهاهو سيزيف يحاول أن يصعد بصخرته في الجبل،يحاول أن يقاوم الرهاب،يحاول الخروج وينهار بضربات قلبية متتالية تدمر جرأته،لم يستطع النوم في المنزل لوحده إلا بعد حين.استطاع أخيرا أن يجد مكانا هنيئا في أيدي الأصدقاء والناس،يتصرف كطفل صغير يحتاج إلى تحديد ملابس وفطور صباحي وتسريحة شعر وذهاب إلى المدرسة.لكن في سلوكه بعض الاختلاف فصار يبدو سابق لعمره،جدي أكثر من اللازم.تبدو الصلابة في مواقفه،في كل شيء. وبما أن الحروف والعبارات والهالات المكونة حولها نلزمها أن تكون بلسما يداوي الجرح،فما هي إلا أحبال واهية متقطعة نتمسك بها حين الفقد.وأنا أمشي تلطمني قطرات الغيث أتوجه إلى الطريق المعبد،أصيح بأعلى صوتي،أقاوم التسلط،وهيجان العواطف والعواصف الجافة،تسقط دمعات حارة مرة من سماء الاعتصار،أصل إلى المدينة المقعرة حامل المشاريع والأفكار والاحباطات وطيف اللعينة الذي يفارقني وقلبي الذي أشده دائما بيدي مخافة أن يسقط،يطاردني اللامعقول في بعض اللحظات حتى أتمناه،أفضله،أرفع أمتعتي،رأسي أشعت متسخ،أتكلم،أصرخ وأصيح في القرى بحثا عن الحقيقة،عن الأمان،عن الذات المفقودة. وأتيه في الرفعة،أستمتع بها في سموات الخيال وأزينها بمصابيح الحروف تهب ريح الإبداع،ينبع من عيون الجرح،لأتنزه عن عيون الانتقاص الوضيعة التي تريد تدمير النفس الأبية الحالمة. ألتقط الحروف من ريح أزهار النباتات في الطريق،في البحث عن نابغة في مستقبل تلاميذ بؤساء،أبحث عن ثائر وسط الموتى،أنتشله،لأن سم القاتلة سرى في الجسد،أتيه لحل مشكلة هذا المنتفض الصغير الذي يحقق الأحلام الضائعة والطموحات الموؤودة. وحينما ظننت أن الحروف تعوض ما ضاع،تعلقت بها،حسبتها الحقيقة لأصدم،أكتشف أن الحقيقة دينار والإنسان درهم تافه. ووجدت النفوس تتخاطفها المصالح تصارع من انتزاع حقها من غنائم مدنسة وتروح فرحة لكسبها.لا تهمها العبثية المهم أن تلبي رغباتها وتنال متعتها، ومن حين لآخر أعود لغنيمة أوراقي البالية لأقرأ العبارات الساذجة الحالمة،التي لم تصور الجرح،لم تعبر عنه،ما زالت الندبات قليلة،لكن حينما تكاثر قطر الندبات والكدمات صارت العبارات أشبه بأدوات حادة تخدش الأكباد والقلوب،صارت أشبه بجيف في الخلاء،أشبه بجثث بريئة مذبوحة بدون دفن،صارت كأولاد زنا يبحثون عن وجود في دنيا الاستقامة،أشبه بجنود معاقين،وطيور مكسورة الجناح.
| |
|