محمد اللغافي المشرف
عدد الرسائل : 74 الحالة : شاعر مغربي نقاط : 32318 تاريخ التسجيل : 17/03/2007
| موضوع: الرمادي الحزين...قراءة في النص الخميس مارس 27, 2008 2:02 pm | |
| الرمادي الحزين...مريم أحمد
قراءة د\عتيق الزيادي
مددت يدي لأسحب الغطاء عن جثتي المركونة بإهمال فوق السرير، الحقائب في أقصى الغرفة ترمقني بنظرة متعالية كعادتها تلك، النافذة المعلقة وسط الجدار ذرعاها مفتوحتان على الجبل ، كل يوم أنحدر نحو الأسفل، أتلمس أقدامي، أسوي هيئتي الكئيبة وأمسح عن وجهي غبارا لا ينتهي، أنحدر، أنحدر، أصعد وأصعد، لا أدري من سيخطو فوق جسدي، أنا، أنت، أقدام أسياخ، قوائم الكل يمرق دون رحمة وصدري مرجل يغلي، حمم، سعير..... أف لم أعد أحتمل سأقفز ،سأقفز خارجا. ...................... ......................
آي... زجاج النافدة يعانق أنفي بعنف، خطوتان إلى الوراء وها جسدي ممدد وسط الغرفة، الحقائب تنحني بالقرب مني تلامس ذراعي، أسدد لكمة قوية إلى عين الحقيبة أفقأ نظرتها المتعالية ثم أهرب نحو السلالم الظلمة تلاحقني أهرب وأصعد هناك فم الجبل مكتنز وأحمر مثير أقترب أكثر من الأحمر المثير وأقفز هذه المرة نحو الأسفل ، وبهدوء أرتدي ثوبي الرمادي الحزين ----------------------------
الحكي القصصي القصير كتابة أدبية دقيقة، تعتمد أساسا على تفاصيل خاطفة، وموجهة وشمولية ومتعددة المعاني، في العديد من مراحل سرد الواقعة، الحقيقية أو المتخيلة والتي تشكل المحور الرئيسي للحكاية، على عكس باقي أشكال الكتابة. لأن الحجم اللغوي الموظف قليل، بينما تكثر المعاني وفي إطار نفس شروط الكتابة القصصية التقليدية والتي صارت في التجريب السردي الراهن متجاوزة بعضا. أي أن الإطار القصصي الراهن صار أكثر تشبتا بمقاييس فن الكتابة و سبل توصيل الأفكار المنتجة لمتعة قرائية معينة، بل الحكاية نفسها، في الكثير من النصوص الحالية، صارت غائبة، أو حاضرة ثانويا، لأن الكاتب يركز على عناصر تبدو أهم بالنسبة أليه. لكن في الأخير يبقى كل نص متفردا بخصائص مميزة، استحضرها الكاتب بشكل واع أو دون وعي. قصة الرمادي الحزين، ل مريم أحمد، تندرج في إطار المتخيل القصصي الواقع بين الممكن والمستحيل، تطبيقيا، والمرتكز أساسا على فكرة واقعية وحقيقية، لأنها إن لم تكن الكاتبة أصلا لتطبيقها فأكيد أنها من المواضيع البشرية العامة، والتي يمكن أن يكون موضوعا لها أيا كان في زمن ومكان محتملين، بالنظر للمعني الذي ترمي إليه، ألا وهو الصراع النفسي والجسدي مع الرغبة والأسر. قصة الرمادي الحزين تحيل في جزء منها على ما كتبته عن الجسد عند قراءة قصيدة يا جسدي ل محمد بالبيضاء. وتحيل أيضا في جزء آخر على ما كتبته عن المعاناة عند قراءة قصيده انسلال ل محمد اللغافي. لأن هذا النص يجمع بين الجانبين، أي بين الجسد و المحنة النفسية والمادية، التي قد يتعرض لها هذا الجسد. الجسد الأنثوي بالخصوص، في مواجهة الحرمان العاطفي وتحدي الإقصاء والتهميش حد الموت أو حد البحث عن الموت من أجل حرية جسدية طبيعية قد تبدو لكنها صودرت بفعل ما عن قصد أو دون نية سيئة وذلك في شكل طقوس اجتماعيه وحواجز أخلاقية أو تربوية أو ثقافية. النص، يقدم نفسه، ويكشف عن تيمته، منذ البداية، مصرحا بأنه حكاية جسدية لأنثى صارت مهملة” مددت يدي لأسحب الغطاء عن جثتي المركونة بإهمال فوق السرير “الأمر يتعلق بسحب غطاء جثه مهملة. المصطلحات هنا قابلة لتعدد القراءات. تلك التي تصير مثل اللعبة اللغوية على طاولة المعاني. فالغطاء بمعنى اللحاف وما شابه، وبمعنى الكفن والجثة بمعنى الجسد الحي الفاقد لعنصر الحياة الذي هو الحرية، وبمعنى الجسد البارد الهامد لأنه فاقد الروح. الأمر في النهاية يتعلق بجسد حي صار كالميت بسبب الإهمال العاطفي والأسر. إنه الحرمان والحبس نفسه من جعل مجرد حقيبة تنظر للجسد بنظرة متعالية لكونها فاقدة للحرية لكن أكثر قيمة من كائنات حية تعيش في أسر المجتمع والأسرة والجنس. الحقائب هنا تدل على الحركة والسفر والخروج” الحقائب في أقصى الغرفة ترمني بنظرة متعالية” الحرمان والحبس تدل عليه أيضا مجرد نافذة لكن لها ذراعان مفتوحتان من أجل العناق وجلب الحرية. الأسر والإهمال تدل عليه عبارات صريحة في الجملة التالية/ أنحدر نحو الأسفل أمسح عن وجهي غبارا لا ينتهي/، أسوي هيئتي الكئيبة/ لا أدري من سيخطو فوق جسدي/. وهذا دليل آخر على الحرمان العاطفي والجنسي والشوق لجسد الرجل. النص عبارة عن احتجاج ضمني ضد مصادرة حرية الجسد الأنثوي في إشباع رغباته الجنسية ومن أجل الحرية والتحرر من كافة القيود. فالجسد لما يتم حرمانه من الرغبات المسيجة بالقواعد والمبادىء والقيم والقوانين والعادات والتقاليد والمحيط الاجتماعي يصير كالقنبلة قابلا للثورة من أجل الخلاص والحرية في كل حين. فيصير كالمرجل بحسب تعبير النص/ وصدري مرجل يغلي..حمم..سعير/ للدلالة على حرقة الجنس والحرية فقد وصل الجسد في النص مراحل قصوى وصعبة من الحرمان بمختلف أشكاله، وذلك من أجل القفز دون أن يهم الذي سيقع بعد ذلك" أف لم أعد أحتمل. سأقفز .سأقفز خارجا" لكن هذا الجسد اليائس لما حاول القفز للتخلص من المحن اصطدم بالنافذة. وفي هذا الموقع من النص بالتحديد يتم استحضار فكرة اللعب باللغة. فذراعا الجسد مشرعتان على الجبل وكمخرج للجسد من جهة ثانية متوهما أن المرور حر. لكن للأسف يصطدم بالزجاج للقول بأن الحرية كانت مجرد وهم ولمشابهة الزجاج بمختلف القيود المضروبة على الجسد الأنثوي بالخصوص. وهنا نستحضر اللعب بالأفكار كمثل النحلة أو الذبابة أو الفراشة التي للخروج إلى النور تكرر الاصطدام بالزجاج أو المصباح حد السقوط. وبمجرد اصطدام الجسد بالزجاج متبوعا بحركة السقوط إلى الخلف حيث تسقط الحقائب أيضا مستهزأة. لكن الجسد عاود النهوض والمحاولة من جديد بشكل أقوى. أما الجبل القابع أمام النافذة فقد صار مغريا وجذابا كأى رجل يجذب أنثى. ولأن الجسد لم يستطع المقاومة قفز إلى الأسفل هذه المرة ثم صار رمادي اللون. أي مات في الحزن شهيد الحرية والنضال. هذا النص القصصي جميل جدا وممتع جدا أيضا فقد وظف كافة خصائص القصة مركزا بالأساس على عنصر العقدة ومحاولة تصعيدها إلى أعلى درجات التأزم. وذلك في شكل صراع بين حالتين للنفس البشرية. فتم الانتصار في الأخير إلى الموت من أجل الحرية عوض التقيد الذي لا يجلب إلا العذاب الجسدي هذا النص كله لعب بالجمل والمفردات والمعاني وببعض أساليب البلاغة. وهو لعب خطير قد يجعل النص يضيع في حالة سوء الاستعمال. لكن مريم محمد نجحت بالفعل في اللعب لتمنحنا نصا ممتازا. وذلك في قالب حكائي ناجح عبر مختلف مراحل عرض الحدث فقد وظف هذا النص كما مهما من التقنيات الفنية أعطت كامل المتعة المبحوث عنها في المادة الأدبية لكن ذلك لا يمنع من ذكر بعض الجوانب السلبية في استعمال اللغة والأساليب الفنية وذلك في ما يلي.
مددت يدي أسحب الغطاء\\\\ عوض\\\\.... لأسحب الغطاء
أنحدر للأسفل\\\\عوض\\\\ ..نحو الأسفل
سأقفز إلى الخارج\\\\عوض\\\\ سأقفز خارجا
زجاج النافذة يلثم أنفي\\\\عوض\\\\ ...يعانق أنفى
تنحني قربي\\\\عوض\\\\ تنحني بالقرب مني
ألكم بقوة عين الحقيبة\\\\عوض\\\\ أسدد لكمة قوية إلى عين الحقيبة
كانت تلك بعض الملاحظات التي لن تمس في شيء مكانة النص أدبيا لأنه بالفعل نص ممتع وجميل جدا أتمنى ل مريم أحمد كامل التوفيق في نصوص أخري أجمل بحول الله ومع ألف حكاية وحكاية
د/عتيق الزيادي.13/03/2008 | |
|
مريم أحمد عضو فعال
عدد الرسائل : 111 نقاط : 32385 تاريخ التسجيل : 17/03/2007
| موضوع: رد: الرمادي الحزين...قراءة في النص الجمعة مارس 28, 2008 6:04 am | |
| | |
|