عن الفقدان والتلاشي

عن الفقدان والتلاشي
عندما توحدت القلوب وحزنت لمصابها،عندما أيقنت أن المضغة تلاشت في أذهان الناس..
طيف خفيف من العطف والحنان والحب راود نفوسا تشابكت بأمواج وجدانية،ورأيت الأيدي تحاول أن تمسك خيط أمل متلاش..
عندما رأيت وجه أمي يعتصر،عندما أبعدوني عنها،وانشرحت أسارير وجهها عندما سمعت بشرى خبر مفرح لتقف وتمشي هنا وهناك وحركتها قوى خفية..
وعلمت أنها انكمشت وانقبضت عندما بدوت لها مكبلا مقيدا في مكان ضيق بارد عفن وراء القضبان،رفعت وجهها إلى السماء لتدرف دموع الرجاء واستجابة الدعاء وأبي يمشي مسرعا عائدا من يوم حافل بالأخبار والمفاجآت تلطمه قطرات متناثرة من غيث وشيك،تسبقه ريح قوية مخيفة،تغمم الجو،عم الحزن،استولى الخوف من المجهول على البقاع،وأسرع الخطى برجلين خفيفتين تلطمان الأرض والتراب وتتماوج في ذهنه صورتي تتعذب،تلطم،تصفع،نظرات قاسية وتغرورق بالدموع ليقلل من حجم الخطر ويتمتم بعبارات غضب ليخفف من الحدث.رفع رأسه،بدت له الأشجار والحيطان والمنزل وامرأة تنتظر تتلهف لحركة شفتين تزفان خبر مفرح ربما يسري في الجسم ليريحه قليلا.
عندما شاع الخبر بين نباتات شائكة متناثرة في أرض حصبة يكثر فيها الحصى.
عندما دق الجرس منبها عكر صمت وسكون هذه الأرض الخالية،استشعر رعاة الخريف الأمر،وبدت خيالات من بعيد تتصارع،تتعارك،لم يروا مثيلا لها من قبل..
عندما رفعت رأسي عن الوسادة لأبتسم في وجوه تحدق في،تتأملني بحنو،تأكدت أن الناس والأشياء والأشجار والأرض تودعني كأم تفارق ابنها العاق.
النباتات المتناثرة فضلت الغمام
رفضت الشمس إلى حين
وفي سكون الليل
سمع نباح بعض الكلاب من بعيد
الرعاة كأنهم يستشعرون الذئاب
الطريق التوت على وانكمشت على نفسها
العيون لم ترى أي شيء قادم من الشمال
سوى رجل أغبر يحمل كيسا
وشياه فارة من الجو المكفهر
نحو مكان آمن
عندما ركن تلميذ إلى زاوية غلبته الكآبة والحزن أحس كأن شيئا جللا وقع في مكان بعيد،بقي يرقب الشيء المفقود يختفي في السراب تلتهمه وحوش المجهول..
عندما تحولت الذات إلى ذكرى متلاشية في أذهانهم،لقطات مؤثرة تداولتها الألسن كي تنعش الذكرى من الموت..
عندما بدت سيارة قادمة من بعيد،تجمع التلاميذ يرقبون القدوم،يتلهفون إلى لقاء يكسر زمن الفقدان ويعيد حركة الزمن.
وقفت السيارة كانت تقودها امرأة،قالت بصوت مرتفع:إن الأستاذ لن يعود.
تساءلوا عن سبب ذلك ومكان تواجده،أجابت إنه ذهب إلى مكان بعيد.

عندما تغيب الشمس ويضيق الوطن ليصبح أضيق من خرم إبرة يتسع الجرح، يتلاش الحلم بشمس لاتشرق، لكنها أزهرت نصا سرديا جميلا يعبر عن قدرة القاص وتمكنه من أدواته.

لك مني كامل التقدير والاحترام،أشكرك على القراءة والاهتمام.