عزيز باكوش مبدع جديد
عدد الرسائل : 8 نقاط : 31075 تاريخ التسجيل : 17/11/2007
| موضوع: الشاعرة المغربية ثريا حمدون ترتاد فضاء نورانيا ع الخميس يناير 10, 2008 1:03 pm | |
| تقديم : عزيز باكوش صدر أخيرا للأديبة المغربية ثورية حمدون الطبعة الأولى لمؤلفها الجديد " الشاهد الذي لم يمت" وذلك ، عن دار القرويين بالبيضاء= المغرب الإصدار المومأ إليه ، ديوان شعري يقع في 87 صفحة من الحجم المتوسط. صمم غلافه ذ : واعلام مصطفى ، و يتضمن اضمومة من36 قصيدة تصدرتها قصيدة - مدينة العناكب – المغول في الزمن العربي- محاكمة زيد.....اختفاء- الحرف اللامرئي. الديوان في الجوهر ، إهداء الى ذاكرة ناجي العلي شاهد العصر العربي الردئ ، وثابته الذي لم يتحول ، والذي يظل على الدوام " يسكن بداخلنا كالشجرة الطيبة، يتجول في بستان الحروف ،و يبحر في ذاكرة الصمت وصخب الأشياء ، ينظر يسمع ويتكلم". ويشكل ديوان " الشاهد الذي لم يمت " حسب ما جاء في مقدمة كتبها الراحل الدكتور محمد أعمارة وثيقة إثبات شاهدة على زمن ليس كالأزمنة السابقة التي تكونت داخل دورتها حضارة الآباء والأجداد. لكنه زمن بمعنى مختلف تماما، زمن " ينطلق منه المضمون الشعري ، وتلتقطه حاسة سادسة تشيده في فضاء بعض القصائد... ويتميز بالإحباط .. حيث تصير فيه المدن مقابر للأحلام ، التي يتعلق بها الوجدان الإنساني المتطلع الى الأجمل والأرقى." ويبدو أن اهتمام الشاعرة ثوريا حمدون بالهم العربي ،"حتى ان العبد لا يدري على أي شيء يبكي.." هو ما جعلها في قلب الاهتمام لشعراء مغاربة وعرب. فالشاعرة ثورية حمدون حسب احد الشعراء المغاربة شاعرة عربية تحمل هما عربيا ، يبدأ من اللغة العربية وموقعها من الإعراب العربي ومن الخلاف العربي الذي يستمر بإصرار ..ومن النحو الى الحياة حيث الياس يصارع الأمل..وحيث الآلام أكباد تمشي على الأرض..وحيث القصيدة تساؤل عن النقاء الجرح الأخضر". ومنذ القصيدة الأولى " مدينة العناكب" يبدو الشعر لونا من الاحتجاج على الفوضى والضجيج" ، وثورة فائرة ضد "أسلوب المصادرة في حياة بشرية تتحكم فيها فلسفة الأقوياء واستسلام الضعفاء. تيمة مركزية ، يتأسس البوح والمكاشفة في إيغالها العميق في البؤس العربي من الماء الى الماء ، لكن الرواد والشعراء الكبار، سيدركون أن صوت الشاعرة ثريا حمدون ليس ترفا ولا لعبا على الكلمات وإنما ، سيكون إيقاعيا، يملا الشعر بالتمرد الرومانسي الذي يناسب صوت الشعر ، صوت يمجد الكتابة بدم الشاعرة، وان كان يعرف في الآن نفسه أن العناكب كعادتها تنسج بيوتها الواهية لتصطاد الكلام". مازلنا نخطو الخطوة الأولى تحملنا خطايانا وهنا على وهن بيننا مليون قرن والأزمنة عناكب فينا بعرش الردى فينا يحتضر الخزف يمتزج الخزف بالخزف والدمع المالح ينحث في الجسد انهارا ليتنا نغسل الثرى بالثرى ليتنا نغتسل حتى نخرج من الظلمات الثلاث كللؤلؤة. والشاعرة برأي الشاعر محمد صوف حزينة دائما ترسم مدينة للعناكب، وكلما ذكر الرسم تنساب صورة حنظلة ..وحيثما وجد حنظله تحضر الدماء ..تحضر الرؤوس المذبوحة وتبدو الوجوه دون وجه..دون صمت ودون صوت. لا يمكن تصفح الديوان من غير أن يستحضر القارئ شخصية حقيقية اسمها في الذاكرة الجمعية للعرب ، منقوشة بجرح اخضر ، كائن شاهد على عصر مات، لكنه الشاهد الذي لم يمت ، كائن اسمه في القواميس وفي الموسوعات العالمية "ناجي سليم حسين العلي ولد وعاش من 1937 إلى 29 غشت 1987، رسام كاريكاتير فلسطيني مشهور ، تميز بالنقد اللاذع في رسومه، ويعتبر من أهم الفنانين الفلسطينيين والعرب . رسم ما أكثر من 40 ألف رسم كاريكاتوري ، إغتيل على يد مجهول عام 1987 في لندن. ورغم فورية التحقيق من طرف المصالح الأمنية البريطانية ، ولحد كتابة هذه السطور ، لم تعرف الجهة التي كانت وراء الاغتيال على وجه القطع. وإختلفت الآراء حول ضلوع إسرائيل ،أم منظمة التحرير الفلسطينية، أو المخابرات العراقية. ولا توجد دلائل ملموسة تؤكد تورط هذه الجهة أو تلك حسب ما توصلت إليه المصالح الأمنية في هذا البلد او ذاك.
يحضر الزمن العربي في الديوان بالرغم من كونه عجينة للكتابة والمحو ، مرآة كاشفة تعكس ملامح العروبة المتآمر عليها.. وهكذا فان ذلك الزمن يبدو في قصيدة المفعول في الزمن العربي كتلة جامدة باردة ، لا اثر فيها للحياة ، لان الذين يسكنون ذلك الزمن ، ينفقونه في الفراغ ، ويستسلمون دائما لقاعدة المفعول الذي يهش عليه الفاعل بعصاه الغليظة." لكن قارئ ديوان الشاهد الذي لم يمت سيجد نفسه مرة أخرى أمام صوت متدفق يفيض احتجاجا ..وينتقل من موقع الى موقع، يتلمس الكشف عن موقف الذات الشاعرة التي تريد التجاوز، وتبحث عن لحظة كتابة يصير فيها الشعر اكبر من الهزائم والنكسات، ويتحول فيها صوت الشاعرة الى محادثات ومناجيات تتعثر بين وصف الواقع والتعبير عن الحلم ، أي بين المرارة الكائنة يقول المرحوم بن عمارة والفرح الممكن. ويرصد الشاعر او القارئ المتمعن على السواء في بعض قصائد ثوريا حمدون ، هواجسها الناطقة في الشعر وبالشعر ، ضميرا للمتكلمة التي تحسن انتقاء المنطوق به لفظا ومعنى ، والتي تريد للجملة الشعرية أن تختزل حركية الوجدان بلطائف العبارة وأناقتها. لم لا ، فثوريا شاعرة تجوب الأرض بأحلامها المتدفقة، تصافح كل الحضارات الحزينة هاربة من شر خلق، وهي تمسك في يديها جمرات تبزغ في كفها كلمات".
في قصيدتها " خيمة النور" توغل الذات بوحها عميقا في أدغال التصوف ، تتحول الشاعرة الى كائن يرتاد فضاء التحليق في عالم نوراني خاص ،لا يدرك شفافيته إلا الشعراء العميقون ، المتصوفة ، "اللذين يرون بعين القلب " لا بعين السراب. تقول الشاعرة : ولجت بوابة الفجر احبس الهواء في صدري يحط النور رحاله يطوف في جسدي يسري أدخل داخلي أسكنني أنا خيمة النور. هي لوحة واحدة ترسمها كل قصائد المجموعة لا تستثني اللوحة عن هذه القصيدة او تلك يرى محمد صوف .... قصيدة تفضي الى قصيدة الى لون الى خط الى شكل.م ص في نهاية الديوان، تكتمل الصورة قاتمة معتمة مع خيوط ضوء خافتة ، إذا تأملتها جيدا، حتما ، يضيف الشاعر ستتبين قارئا كنت او ناقدا "ذاك الطفل الذي لا نرى وجهه أبدا، ولكننا نرى ما يراه، لان ما يراه نراه نحن. هذا الطفل يعرفه القاصي والداني من المحيط الى الخليج، رغم ملامحه التي لا نتبينها لأنها فينا. هذا الطفل هو...حنظلة. ولد "حنظلة" في العاشرة في عمره، وسيظل دائما في العاشرة من عمره ، ففي تلك السن غادر فلسطين، وحين يعود حنظلة إلى فلسطين، سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر ، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء ، كما هو فقدان الوطن استثناء.
عن سبب تكتيف يديه، الى الخلف يقول ناجي العلي : كتفته بعد حرب أكتوبر 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة ، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة ، وبهذا المعنى يصبح حنظلة ثائرا وليس مطبعا. وعندما سئل ناجي العلي عن موعد رؤية وجه حنظلة أجاب : عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة ،وعندما يسترد الإنسان العربي شعوره بحريته وإنسانيته"عن موسوعة ويكيبيديا" وللحقيقة والتاريخ ، اشتهر الشهيد ناجي بشخصية حنظلة رغم انه كان لدى ناجي شخصيات أخرى رئيسية تتكرر في رسومه، شخصية المرأة الفلسطينية التي أسماها ناجي "فاطمة " في العديد من رسومه, هي شخصية لا تهادن, رؤياها شديدة الوضوح فيما يتعلق بالقضية وبطريقة حلها, بعكس شخصية زوجها الذي ينكسر أحيانا. في العديد من الكاريكاتيرات، يكون رد فاطمة قاطعا وغاضبا, كمثال الكاريكاتير الذي يقول فيه زوجها باكيا - سامحني يا رب, بدي أبيع حالي لأي نظام عشان أطعمي ولادي فترد فاطمة -الله لا يسامحك على هالعملة". هناك الكاريكاتير الذي تحمل فيه فاطمة مقصا، وتقوم بتخييط ملابس لأولادها, في حين تقول لزوجها: -شفت يافطة مكتوب عليها "عاشت الطبقة العاملة" بأول الشارع, روح جيبها بدي أخيط كلاسين للأولاد. ثمة شخصية زوجها الكادح والمناضل النحيل ذي الشارب، كبير القدمين واليدين مما يوحي بخشونة عمله. مقابل هاتيك الشخصيتين تقف شخصيتان أخريتان, الأولى شخصية السمين ذي المؤخرة العارية والذي لا أقدام له (سوى مؤخرته) ممثلا به القيادات الفلسطينية والعربية المرفهة والخونة الانتهازيين. وشخصية الجندي الإسرائيلي, طويل الأنف, الذي في أغلب الحالات يكون مرتبكا أمام حجارة الأطفال, وخبيثا وشريرا أمام القيادات الانتهازية. ثمة نكهة خاصة مميزة في أسلوب ثوريا حمدون الرشيق ... تنتقل بخفة وذكاء وموهبة أيضاً باللعب على أوتار الكلمات ونبض الوطن وقد فجرت بعض قصائدها جدالا نحويا على مستوى عربي كبير في بعض المنتديات الالكترونية . لكن الشاعرة ترد : هل هذه الجملة :"ضرب زيد عمرا" هي سبب الخلاف العربي؟ أيهما العامل وأيهما العميل؟ ومن هم العملاء تلك هي المسألة.
يشار ان للشاعرة ديوان شعري مخطوط يحمل عنوان " هوية امراة عربية".
عزيز باكوش ] | |
|