القاص محمد اكويندي انخرط مبكرا في زحمة فضاء الدار البيضاء بحكم مهنته كسائق طاكسي أدرك عن وعي كيف يعيد تفاصيل الحكايات الكثيرة التي تتناسل يوميا ، في فضاء أدركته تخمة التضاد ،....
وفي ذلك يعيد القاص محمد اكويندي لسؤال الكتابة القصصية متخيلها الجوهري ....
مجموعته القصصية الأولى" رقصة العبيد " صدرت عن منشورات وزارة الثقافة سلسلة الكتاب الأول رقم 17.
الحــــــــــــوار
سـمكــة القــــــــارورة
ماذا يعني بالنسبة إليك جنس القصة القصيرة ؟
سأجيب قدر الابتعاد عن الإجابات المستهلكة. (جنس زئبقي ،مشاغب،صعب...الخ ) باختصار شديد إنه جنس سردي ،من خلاله نهرب من القلق الذي يهاجمنا حينما نريد أن نقول قولا صادقا عن عالمنا .إنها الوظيفة العزائية للسرد ،الذي يدفعنا إلى حكاية القصص .
يفهم من قصر القصيرة أنها ذات حيز ضيق، فهل تجد في هذا الحيز متسعا للكتابة ؟
من السهل الظن أن " إدغار ألن بو " كان ساذجا حين قال إنه ينبغي على العمل الأدبي أن يكون قصيرا بحيث يمكن قراءته في جلسة واحدة ، لأنه لو تطلبت قراءة العمل جلستين لتدخلت شؤون الحياة و تهدمت الوحدة الكلية .
ما هي تقنياتك الخاصة في صياغة نص قصصي قصير؟
إن التقنيات هي الوسيلة التي توجد في متناول المبدع ليكشف عن نواياه الخاصة ،إنها الوسيلة التي يتوفر عليها للتأثير في القراء ،وإذا كان من الضروري ذكر بعضها أقول : السرد،أشكاله،أزمانه،مستوياته ،الحوار،الوصف ،التداعي،المونولوج،اللغة باعتبارها أداة صياغة القص .أما الشكل فله مسمياته كالمروحة،والضفيرة ،والكرسي الهزاز،الموزايك و الدمينو ...وهي أشكال عديدة بتقنياتها طبعا.(لو أسعفنا هدا الحيز لذكرناها جملة و تفصيلا.)
هل أنت كاتب قصة قصيرة فقط ،ام تملك مشروعا جماليا و نظريا لكتابة القصة القصيرة ؟
كاتب قصة طبعا له مشروعه الجمالي و النظري ، كما أنني أحدو حدو من سبقونا في هذا المضمار "ايطالو كالفينو" في ( نورتونيته)و إمبرطو إيكو في (ست جولات في الغابة القصصية) و كذلك إنريكي إندرسون أمييرتو ( القصة القصيرة النظرية و التطبيق) ، و هيلان بيرنت (القصة القصيرة) و محمد خضير ( الحكاية الجديدة ) ...
إن هؤلاء يمثلون لذي حفرا أركيلوجيا لهذا المشروع الجمالي و النظري.
كيف تضع البداية لقصة قصيرة ما. و متى تقرر أن تضع لها نقطة النهاية ؟
نعلم جميعا أن بداية القصة هي نواتها ، أو فرضيتها ، أو موضوعتها المركزية ، أو كما تسميها "يودورا ويلتي " بـ (سهم الخلق ) أو كما يسميها " إدغار ألن بو" وحدة التأثير أو التصميم المسبق اللازمين لكتابة قصة قصيرة .إنها النمو العضوي للأحداث ، كل هذا أتركه كما أترك الصدرية الواقية على صدري في مواجهة طلقات الرصاص المطاطي داخل الحروب الباردة و تحالف جيشها الورقي و أبدأ "بداية" القصة الحديثة التي – لا- تحدد نقطة معينة للنواة – البداية ....وكلما توالت الأوراق في السقوط أنذاك أقرر وضع نقطة النهاية .
هل تسعى إلى أن تكون كاتبا في جنس القصة القصيرة بامتياز ، أم تطمح للكتابة في كل الأجناس؟
أنا أشبه بسمكة القارورة .أحسن السباحة في هذا الحيز الضيق ببراعة ، و إن كان جنسي (السمك) - مجازا – يوحي بأنني ابن المحيطات الشاسعة ، وقادر أن أخوض فيها .لكن أقتضي بقولة كارلوس فوينتس " القصة هي رؤيا في كأس صغيرة /قارورة ".
يقول الكاتب المكسيكي خوان رولفو : ليس في القصة القصيرة ، سوى ثلاثة مواضيع أساسية : الموت، الألم ، الحب ، هل توافق وجهة نظره هاته ؟
أولا أستبدل كلمة (الألم ) بالحياة لنحدد هذه الثلاث مو ضوعات : الحياة – الموت – و الحب .
ونقول إنها أيضا ثلاثية الوجود المادي و الميتافزيقي ، أو ثنائية الوجود و العدم .أو كما يسميها "خضير " لوجوس القصة ----- هيولاها- "و نوافق وجهة نظر "رولفو" في روايته " بيدروبارامو " التي تعتمد بنية ثنائية تتناظر مع وجهي العالم الذي تمثله (الحياة-الموت) و هي ثنائية من حيث التطور السردي والتشكل و الترتيب الزمني ، ولا نوافقه في قصتيه ( طريق الشمال) و (ألا تسمع نباح الكلاب ) اللتين تشتغلان على تيمة : (علاقة الأبوة – البنوة ) و سبق أن صرح بأن القصة القصيرة علمته الانضباط ، و ضرورة أن يختفي المؤلف و يترك شخوصه يتحدثون في حرية. ..
يجب ألا نجعل مسارنا الأدبي تتمثل فيه النظرية ونعكسها في القصة ، أما الثيمات – فلا حصر لها ، وقد تتعدد بتعدد القصاصين و تعدد زوايا النظر.