منتدى ابن امسيك للثقافة
انت غير مسجل
تفضل بالدخول او التسجيل معنا
منتدى ابن امسيك للثقافة
انت غير مسجل
تفضل بالدخول او التسجيل معنا
منتدى ابن امسيك للثقافة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى ابن امسيك للثقافة

منتدى ابن امسيك للثقافة يرحب بكم
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 صديق العصافير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سمير الفيل
مبدع جديد
مبدع جديد
سمير الفيل


عدد الرسائل : 1
نقاط : 31420
تاريخ التسجيل : 09/09/2007

صديق العصافير Empty
مُساهمةموضوع: صديق العصافير   صديق العصافير Emptyالأحد سبتمبر 16, 2007 11:06 am

صديق العصافير

بقلم: سمير الفيل

تلك ضرورة . أن أتجه إلى هناك بأقصى سرعة . فأطوي المسافات ، وأبحث عنه في الثكنات البعيدة التي أخذته ، وطوحته بعيدا عن الدار ، والعصافير ، وأسماك الزينة ، وكلاب السكك المبتردة التي كان يحنو عليها بشكل لم أر أحدا يفعله غيره.
قالت لي أمه : جاءني صوته منكسرا وحزينا .
انتفضت قلقا ، وزاد توجسي كلما أوغل الوقت في ريبته .سمعتها تبكي في حجرتها . رأيت أن أزوره على صعوبة ذلك . لم أفعلها غير مرة واحدة كنت أمر فيها بالقرب من الثكنات ، وانتظرت ساعتين حتى كادت روحي تزهق من الملل . جاءني يومها فرحا وبشوشا ومد يده ، وتحسس كيس الأطعمة والفواكه . غمز لي بعينيه : أما أنت أحلى أب .
صحت فيه وأنا أتأمله مرحا بزيارتي المفاجئة له ، ومعي صديقي الكاتب : سبحان الله . جندي يحمي الوطن صحيح.
ضحك ساخرا: أحمي الوطن بقطعة خشب لا ذخيرة فيها.
مرت المزحة على خير، وأحضر لنا زجاجتين من المياه الغازية. جلسنا معه يومها لنصف ساعة ثم انصرفنا على الفور في خفاء . المكان بعيد ، وتحوطه الأسوار من كل جانب ، أما المحاذير فأصعب من أن نتخطاها بسهولة.
قطار التاسعة الذي ركبته نغص علي ّ البقية الباقية من صفو ذهني ؛ فزحامه مروع ، والأجساد تتصارع كي تحصل على رقعة للوقوف فما بالك بالجلوس .
قالت لي وهي تصر لي بعض الأطعمة المطهية منذ دقائق في ربطة محكمة : كان صوته مشروخا من النحيب .
ـ هل أخبرك بشيء ؟
ـ لا .
ـ فلماذا أذهب ؟
ـ أنا أدري بابني .
ـ كيف؟
ـ إنه يتكتم كربه في صدره.
هل لي أن أتوجه إلى القائد فأخبره أن لي حقا على " الكاكي "حين خدمت على الجبهة لسنوات ، ودونت كل ذلك في أوراقي .
الطريق ملتو ، وأشجار الكافور مصفوفة في المنحدرات . كان يجب عليّ أن أتخطى مزلقان السكة الحديد. شعرت أن القطار دهمني ، وطسني طسا فتوجعت ، وكان الباب سيارة الميكروباس قد انزلق وسقطت بعد أن خدر الكسل جسدي فرحت أتوجع. السيارة التي ركبتها من محطة القطار حتى الثكنات كانت مفاصلها تطقطق ، وركابها محشورون حشرا كقطعة لحم واحدة . كوب ماء في يد شاب ملتح راح يقرأ " يس " ، وبرشامة صداع ، مع بعض الماء المزهرالمرشوش على الوجه.
وصلت بعد أن عدلت من هيئتي . عساكر في نفس السن الغض أشاروا لي أن أبقى قليلا في الظل ريثما يمر الضابط في نوبته الروتينية .
على الحشائش الخضراء جاءت جلستي ، وخط الجير الأبيض يحدد بوضوح المنطقة المحذورة.
وجدته يتلفت ، وبيده قفص صغير من الخيزران ، كان يحركه مسرورا . يميل بجسده الصغير ، وهو يضع الحب في قبضة يده الصغيرة ليطعم عصافيره الملونة : إحذر أن تنقر أصابعك.
ـ لا تخف يا أبت.
ـ هل ميزت الذكر من الأنثى؟
ـ طبعا ، وسأريك.
أدخل يده مترددا فانكمش طائر ، ودخل العش الخشبي في سقف القفص فيما بقى الطائر الآخر يقرب منقاره الصغير المسحوب من اليد في رهبة ينقرها نقرة إثر نقرة ، ويصدر صوتا أقرب للشقشقة الخجولة.
اقتربت من كشك الشرطة وسألت : هل أخبرتموه أني هنا ؟
ـ نعم. سيأتي .
ـ لقد تأخر .
ـ عليك بالصبر قليلا.
ـ أنا صابر.
ـ اختف هناك لو سمحت . وجودك يسبب لنا المشاكل.
في تلك اللحظة وجدته أمامي ، وقد طال شبرين. تراجع عندما رآني ، وتلجلج في الكلام : أنا نجحت.
ـ مبروك . هديتك ستكون أول الشهر.
ـ لا أريد هدية يا أبي.
ـ لكنني وعدتك.
ـ اسمح لي أن أربي الكلب .
ـ ستغضب أمك فهو سينجس لها المطرح.
ـ سأغسله بالماء والصابون كل صباح.
ـ لن ترضى ، ستنقض وضوءها.
ـ لكنني أريد أن يكون معي .
سمح بفسحة صغيرة وسع بها المكان وأراني إياه. كان كلبا بلديا رخيصا لكنه في غاية المرح . يتمسح في بنطلونه ، ويهز ذيله في حبور .
ـ لا داعي للمشاكل .
ـ والله لن أحدث أية مشكلة .
ـ أبعد عن الشر وغني له.
ـ أي شر . الكلاب تجلب الخير.
ـ يمكنك أن تشتري مسدسا بطلقات ، وتلعب " عسكر وحرامية" .
ـ لم أعد طفلا.
ـ قلت لك أن الكلب نجس .
ـ لكنني لست أمرأة لأربي قططا .
ـ لا قطط ولا كلاب.
جاءت أمه في تلك اللحظة ، وحالما وقع نظرها على الكلب صرخت ، وأقسمت ألا يدخل البيت أبدا. هي أو هو . وقد انتصرت على الكلب فقد كانت هي الأهم . رأيته يبكي ويخفي دموعه بظاهر يده قبل أن يعطينا ظهره .
مرت سيارة التعيين فاختفى الصغير وأمه ، ومرّ كلب هرم لا يشبه الكلب الذي كان الولد قد ربطه بحزام جلدي في عنقه مع شريط من الستان الأحمر منذ سنوات . سمعت لغطا وأصوات ترتفع كي يسرع العساكر بحمل "أروانات" التعيين لتدخل المعسكر بسرعة . مرت سحابة داكنة فأظلت المشهد ، وتفصد العرق على جبهتي ، وأنا أحرك مسبحتي الكهرمان في جلستي القرفصاء ، والعشب يتحرك بنسيم الشمال الذي يسري بنظام عجيب .
وضع يديه الصغيرتين على وجهي ، وهمس بصوت خاله غليظا: من أنا ؟
ـ أنت الديك؟
ـ وما لون ريشي ؟
ـ أحمر على أسود.
ـ هل أبيض أم ألد؟
ـ لا هذا ولا ذاك . الدجاجة هي التي تبيض .
ـ وما كلمة السر؟
ـ الديك الفصيح يطلع من البيضة يصيح.
رفع كفيه ، وقال لي في خيبة أمل مصطنعة : عليك واحد . لكنك كشفتني.
وخلفه وجدت صندوق صغير وبداخله مجموعة من البلي الزجاجي الملون . طلب مني أن يلعب معي " في العش ولاّ في الطار " . غلبته مرة ، وغلبني مرتين ، دققت في ملامحح وجهه كانت سمرة خفيفة تميزه ، رأيت أنه قد قصر ثلاثة أشبار ؛ لأنني حينما حملته لأدور به في البلكونة مثلما كنت أفعل كلما عدت من العمل وجدته قد خف ، وخف حتى أنني شعرت أنه صار في خفة الريشة ، وحينما أدوخ وتدور بي الدنيا أجده ينزل بهدوء ، و يضع صدره اللاهث على الكنبة الخضراء بمنمنماتها البنية ، وهو يشهق : أنت سكرت.
سألته وأنا اقرب وجهي من عينيه البنيتين : من أخبرك بمسألة السكر يا ولد؟
ـ أنت.
ـ متى؟
ـ يوم ذهبنا للصيد قلت لي أن اصطياد كل هذا البلطي أسكرك . ورأيتك تتطوح؟
ـ أنا يا ابن الذين...
حملت الصرة من جديد وحاذيت السور ، وذهبت إلى البوابة الخلفية ، فصدمت لأن الجنزير الحديدي كان يغلقها بإحكام شديد . عدت شاعرا بالضياع ، ومالبث أن غمرتني نوبة من الضيق .
قربت وجهي من شبكة الحديد بفتحتها المدورة : أهو بخير؟
ـ نعم.
ـ لماذا تأخر؟
ـ سيأتيك حالا بعد أن نجهز الأمر.
ـ ما الذي تجهزونه ؟
ـ لا شيء .
قبل أن أحتج وأضرب بقبضتي الباب المغلق ، وضعت يدي على شعره الناعم ، ولاحظت انه مبتل . ملابسه كانت هي الأخرى تقطر الماء .
قسوت عليه وأنا أهدده بالكلام : سأضربك لو كذبت علي ّ.
ـ لن أكذب.
ـ هل نزلت النيل؟
ـ نعم.
ـ لماذا عصيت أوامري؟
ـ كنت أريد أن أعرف كيف تسبح الأسماك.
ـ بالزعانف والذيل .
ـ عرفت ذلك لأنني صرت في النهر سمكة !
ـ وماذا لو غرقت ؟
ـ كان معنا طوق مطاط.
ـ إذن هو شيء مدبر.
ـ أبدا.
ـ من كان معك من الأولاد. سأخرب بيوتهم .
ـ لا أعرفهم.
كنت أدرك أنه يتستر عليهم ، ويحميهم بصمته . خلصتنه أمه من ضرباتي الطائشة . فز الولد من مكانه عندما لوّحت له أن يذهب ليغير ملابسه ، وأقسمت برحمة أبي أن أحرمه من المصروف شهرا.
ربما سمعني لأنه ابتعد عني ، واستعصم بالصمت وهو يجذف بيدين قويتين مبتعدا عن الشاطيء ، صحت فيه أن يعود ، لكنه طلب مني أن انتظر لدقائق ، وابتعد حتى لم أعد أرى القارب . بعد أن غفوت من التعب وجدته عائدا ويده تلوح لي والأخرى تحمل جرة من الفخار . كان ريقي جافا فتجرعت الماء السلسبيل . هبط من القارب ، ثم ربطه في حبل قصير مجدول بشجرة سدر ، وهزني : أفق.
أفقت فعلا فإذا السور بنفس امتداده البعيد البعيد ، وصفوف من العساكر تدخل ، ويغلق الباب من جديد. أنّت المفاصل وسمعت من ينادي باسمه . فتح الباب المواجه لجلستي بشكل موارب، وسمحوا لي بالدخول.
ـ ابني .
كان حليق الشعر .
ـ ماذا بك؟
صمته يؤرقني ، وفي عينيه دموع حبستها كرامة لشاب يقترب من حدود الرجولة.
ـ هل آذوك يابني؟
لمحت خيطا لا يكاد يرى من الأسى يتسلل إلى الوجنتين.
ـ لماذا جئت ؟
ـ لأراك؟
ـ حضورك أتعسني .
ـ لم أقصد .
ـ تحملت الألم وحدي .
ـ والآن ..
ـ أفسدت كل شيء .
ـ لماذا تعاتبني ؟ ماذا حدث ؟ هل فعلوها معك؟
ـ نعم يا أبي . دخلت السجن .
ـ وضح لي . ماذا فعلت ؟
ـ كنت في الخدمة ، وكاد زميلي يقع من طوله لأنه صائم طول اليوم.
ـ ثم؟
ـ تركت مكاني للحظات كي حضر له زمزمية ماء.
ـ ولماذا لم يذهب هو؟
ـ الواجب كان يقتضي أن أفعل أنا.
ـ لماذا؟
ـ كان يغمغم كالشارد أنه عطشان . وقد ذهبت دون أن أفكر في العواقب .ثم أن الجميع يفعلها .
أكملت : وجاء الضابط ، وأحالك " مكتبا " إلى القائد.
ـ نعم.
ـ والباقي معلوم.
ـ لكنني ورحمة جدي لم أفعل ما يستوجب العار.
ـ أعرف . لكنك أخطات. لا يترك جندي مكان خفرته.
ـ آه . قوانين الضبط والربط.
ـ بدون ذلك لا ينتظم الأمر .
ـ أكنت أتركه يسقط من الإعياء؟
ـ وماذا حدث لك هناك؟
ـ لا شيء .
ـ بل حدث .
ـ قيدوا يديّ ، وصفدوا أقدامي بالأغلال لأسبوع كامل؟!
ـ أسبوع. كان يكفي خدمتان زيادة .
ـ نعم . لم أذق النوم يا أبي أسبوعا.
تأملت وجهه الهضيم ، والتفت إلى العساكر الذين أخلوا لنا الحجرة الملاصقة للبوابة . كانوا يتحدثون في همهمة غاضبة ، وقلوبهم مع زميلهم . أبني . قال لي واحد من العساكر وهو يعدل الكاب: ابنك جدع .
وجاء صوت لشاب نحيل في نفس سمرته : طيب وخدوم .
أحضر ثالث كرسي وربت على كتفي : نحن نحبه جدا .
تحركت أصابعه على الأورج ، وتصاعدت النغمات فملأت المكان " حمامة بيضا .. ومنين أجيبها " . كنت أشجعه بهزات من رأسي ، وكانت أمي تقف بالصينية على الباب متسمرة ، وهي توّقع دقات متتالية بمشط قدمها الأيسر. غنى بصوت ملائكي " طارت يا نينة . عند صاحبها " . صدمتني النظرات المصوبة نحوي من ثلاثتهم . انصرفوا وتركوني معه ثانية . صرنا بمفردنا .
قلت لأنهي الحديث المليء بالمرارة : هي تجربة.
ـ لم تعد الحياة مقبولة.
ـ كلنا تعرضنا لأكثر من هذا.
ـ أنا لم أتعود.
غمرني السكون ، ورسفت في كثبان رملية هائلة أوشكت أن تبتلعني فصرخت في الصحراء اللانهائية : أريد جرعة ماء .
سألني ، وأنا أمد يدي بالصرة : ماهذا؟
ـ طعام جهزته أمك؟
ـ لا أريده .
ـ لو أرجعته ستقلق.
ـ ضعه هنا.
ـ حاضر.
ـ من فضلك لا تخبرها بما حدث لي.
ـ لا , لن أخبرها.
ـ قل لها أنني بخير.
ـ سأقول .
ـ وقفص العصافير الذي كنت أخبئه فوق السطوح.
ـ أعرفه . ماله ؟
ـ من فضلك تخلص منه.
ـ لكن.
ـ ولي عندك طلب بسيط يا أبي.
ـ تفضل.
ـ فتش لي عن عقد عمل عندما أنهي خدمتي.
ـ لكنني لا أريد لك أن تسافر.
ـ سأبحث أنا.
كانت ضمته حنونة ، وموجعة . في كل مرة كان يغادر البيت كنت أكتفي أن أسلم عليه بحرارة. مع الضمة الرحيمة شعرت بروحه المتعبة تنهنه .تحاشيت أن يقع بصري عليه . تسرسب صوته مختنقا : مع السلامة.
صوبت نظري إلى الرمل الأخرس . تأهبت للإنصراف ، ولم أنظر خلفي ، فيما كان العساكر يفكون الجنازير كي أعود للطريق الذي أتيت منه.

القاهرة 17/7/2007
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
صديق العصافير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى ابن امسيك للثقافة :: منتدى القصة و الرواية-
انتقل الى: