إنجاز المهدي قنديل
نظم مختبر السرديات بتنسيق مع وحدة دكتوراه تحليل الخطاب السردي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار البيضاء، يوم الخميس في الساعة الثانية والنصف زوالا بقاعة "ماستر السرد الحديث والأشكال الثقافية"، ندوة علمية تحت عنوان: "الرواية...في مواجهة الأسئلة الحارقة: قراءة في روايات محمد برادة"، تقدم بها ثلة من الأساتذة والطلبة الباحثين. وهي ندوة تدخل ضمن الأنشطة التي يسهر على تنظيمها مختبر السرديات.
باشر د/ عبد الرحمان غانمي، رئيس الجلسة، الحديث عن محمد برادة، باعتباره أستاذا تتلمذ على يده أجيال من الأساتذة الباحثين سواء داخل المحاضرات أو من خلال أعماله وإصداراته. كونه إلى جانب مجموعة من النقاد المغاربة كأحمد اليبوري وسعيد يقطين وحميد لميداني وعبد الكبير الخطيبي وعبد الله العروي وغيرهم، أسهموا بشكل كبير في بناء الثقافة العربية عامة والمغربية خاصة. لينهي كلامه بالحديث عن برادة باعتباره مثقفا يمتاز بأسلوب شخصي يميزه عن باقي النقاد، حيث بدأه ناقدا ثم مترجما فروائيا. ليعطي الكلمة إلى أول متدخل من الأساتذة، د/عثماني الميلود، والذي استهل هو الآخر مداخلته بالحديث عن برادة معتبرا إياه ممثل الثقافة المتقدمة في المغرب، بالإضافة إلى أنه رمز من الرموز البارزة في الساحة الأدبية العربية عموما والمغربية خصوصا، لينتقل للحديث عن القطيعة التي وضعها محمد برادة مع السرد الكلاسيكي، حيث بدت شخصيات روايته الأخيرة "موت مختلف" تعاني من نقص مهول في حرية الفضاءات، علاوة على جعله حياة الشخصيات حياة سعيدة وجيدة، وذلك لما تواكبه من خبرات وتجارب. موضحا أن عنوان الرواية "موت مختلف" هو ككل عناوين روايات محمد برادة، تبقى استعارية. وأن هذه الرواية على وجه الخصوص هي أشبه برأس البجع، حيث سعى برادة إلى استهلالها بطريقة مختلفة أشبه بالنصوص المسرحية-وهو أمر جديد داخل النصوص الروائية في المغرب- لينتهي إلى أن هذه الطريقة تكاد توهم بأنها عيب من عيوب السرد.
المتدخل الثاني، وهو د/بوشعيب الساوري الذي عنون مداخلته ب "أزمة الهوية في رواية موت مختلف"، حيث استهلها بالحديث عن مفهوم الهوية عند بول ريكور، معتبرا أن هذه الأخير تتطور حتى تنضج، وهو الأمر الذي حصل في أعمال برادة منذ عمله الأول "لعبة النسيان"، إلى آخر عمل "موت مختلف". بيد أن هذه الهوية عرفت أزمة سيرورة على مسار راوي الرواة، وأعطى نماذج لذلك: كالتذكر والمواجهة والتبرير.
تقدم الطالب الباحث عبد العالي دمياني بمداخلة عنونها ب: "سلطة التخييل في رواية موت مختلف. ورآى أن في رواية برادة عوالم تخييلية مغايرة، بدأت من لعب الفضاء الفرنسي في عدد من رواياته السابقة دور الخلفية البعيدة التي تضيء مسار شخصياته، وهو ما يشغل النص الأخير الركح الأساس، الذي تدور فيه وقائع الرواية، فيما يبقى المغرب فضاء ثانويا. هذه السلطة التخييلية يراها الباحث تتمثل في ثلاثة أمور هي:
ـ راوي الرواة: يشكل هذا العنصر إوالية تخييلية في الرواية، فهو يهيمن على أغلب مسارات الحكي، ويطغى بشكل كبير في المتن المعنون ب: "في بلاد الأنوار" ويتقاسم الأدوار مع الشخصية الرئيسية في القسم الأخير "كابوس مقيم.
ـ تمثيل الآخر: حيث قسمه الباحث إلى قسمين: تمثيل سياسي يتمثل في الاستقرار بفرنسا وترك البلد الأم، وتمثيل قيمي يتمثل في طابوه الجنس داخل الرواية.
ـ انشطار الذات: اتخذ هذا العنصر صورتين في الرواية: الأولى كانت في أساس التمثيل الذي استطاع أن يضيء الصراع الجواني لمنير بين مبادئه التنويرية والإنسية، والتي ظل يتمسك بها ويدافع عنها من خلال التزامه، وبين واقع يفرض على المرء الانسلاخ عن جلده في زمن عولمي عصف بكل اليقينيات وأدخل العالم في كسوف كوني. أما الصورة الثانية فتجلت في عودة المكبوت مشخصا في أسئلة الهوية الحارقة.
أما الطالب الباحث نور الدين بالكودري فقد وسم مداخلته ب: "إيديولوجية السلطة داخل رواية بعيدا من الضوضاء قريبا من السكات"، واعتبر أن هذه الإيديولوجيا تجسد خطابيا، معجميا دلاليا، تركيبيا مصالح طبقة اجتماعية معينة، وأن الكشف عنها يتطلب الحفر في صورة اللغة. وقسم هذا المفهوم إلى إيديولوجيا السلطة التي تمثلها شخصية غائبة، وإيديولوجيا مضادة للسلطة تعنى باللغة التي تفضح الظاهر والمستتر.
وجاءت مداخلة الطالبة الباحثة خديجة الزاوي موسومة ب "التخييل والذاكرة في رواية بعيدا من الضوضاء قريبا من السكات". معتبرة إياها صرحا ثقافيا تاريخيا ينضج بمحكيات دخلت في إطار قضايا سياسية تاريخية وسوسيوثقافية، يجترح فيها المبدع كوى جديدة تلمع بمواضيع جديدة، تتراوح بين المرجعية التاريخية والمرجعية التخييلية المبنية على قواعد التخييل. ثم عالجت هذا الإشكال في نقطتين اثنتين: أولهما قضايا النص: حيث ركزت على شخصية الراجي باعتباره الشخصية المحورية في المتن، ساعدت على سبر أغوار المرحلة التي سميت بسنوات الرصاص في المغرب، مشيرة إلى فترة ما قبل الاستقلال وما بعده إلى حدود الفترة الحالية. أما النقطة الثانية فتجلت في التخييل التاريخي والذاكرة: أبرزت من خلالها حيوات متخيلة ومحكيات تحاور الذاكرة من أجل استعادة ما قد يكون منتهيا في الماضي.
أما الطالب الباحث رضوان متوكل فعنون تدخله ب: "المضمر في رواية بعيدا من "الضوضاء قريبا من السكات"، واستخرج الدلالات الدفينة في الروايات من خلال الأزمنة والتواريخ التي تمثلها كل شخصية على حدة، نأخذ على سبيل المثال ولادة شخصية فالح الحمزاوي سنة 1956 وهو تاريخ استقلال المغرب، وسنة 1931 الذي يحيل على السنة التي أصدر فيها الاحتلال الفرنسي الظهير البربري. ليختم الطالب الباحث عبد الجليل أنوار بمداخلة تحمل عنوان: "الشعرية في رواية بعيدا من الضوضاء قريبا من السكات"، حيث تناول فيها نقطتين اثنتين:
العناصر اللغوية للغة الشعرية، والتي تتمثل في البياضات التي يتركها الكاتب داخل روايته-كما فعل برادة عند معرض حديثه عن حزب اليسار- ويتركها للمتلقي يضع فيها تأويلات لنفسه. ثم الانزياح الدلالي الذي مثله في الاستعارة والمجاز والكناية، ليخلص إلى أن محمد برادة يرجع له الفضل في بناء لغة سردية مغربية خالصة.