الحيل السردية والفنية
في مجموعة نُدف الروح محمد اكويندي
للقاص اسماعيل البويحياوي
في إبداع القاص البويحياوي القصصي. نجد الواقع يتوقف على قصده الفني، بمرسل سردي محدد في شكله، ونهائي في وظيفته، والذي هو متعلق بمسار التخطيط الصارم واللازم في ، الكلمة ، والحدث وتطوره هي عناصر مرتبطة كُلها بطريقة فيها ترو وتركيز، للتشويش على القارئ، انطلاقا من مقترح خاص ، يحمل في طياته، معنى دلالي وحيد.
لنعطي مثالا لذلك، في قصة (جوكير ) ص. 53 بحيثُ نجد كلمة واحدة هي المعنى الدلالي ،للنص، أو الفكرة الرئيسة، أو النواة، أو هي سهم الخُلق، الذي أخفاهُ الكاتب ، وهي موظفة بقصده الفني، كما أسلفت الإشارة، ألا وهي كلمة( الشريف) التي تحملُ في طياتها دلالة ،النزاهة ، والأستقامة، وحُسن الخُلق. إلا أن أُفق انتظار المتلقي بخيب ، عندما يصدمه تصرف( الشريف) ببيع صوته بمئة درهم، وبهذا الفعل الشنيع، بدا هذا الشريف في عيوني المتلقي( جوكيرا) وهذا من باب المفارقة العجيبة شريف / جوكير
.ثم أعود إلى القصد الفني ، عند المبدع البويحياوي ..الذي هذه المرة يجسد الحدث ،بدفق سرد،كطلقة رصاص متواصلة بدون انقطاع، وذلك بتقنية فنية مقصودة ،بإغفاله وضع علامة الترقيم ،حتى يعبر على فكرته ،مرجوة، متلاحمة، شكلا و مضمونا ، لنقرآ القصة المعنونة ب(في) ص 55،حتى ندرك هذ {القصد الفني الجمالي}
« 16طائرة ردادات عربية عمياء حمام الشط الحبيب بورقبية لاري سيكس شرطي رصاصة قفصة زيتون وكر حمام لاجي محمود درويش صبرا شتيلا جامعة منظمة تحرير.»
و نجد كذلك حتى نهاية هذه القصة تجسد بدورها هذه الفنية المقصودة،
«قطعت اطرافي و عرضتها للغارات الشاتية على غرفتي» « حتى الشتاء انطلقت مثل طلقة رصاص متواصلة متلاحقة بدفعة واحدة .»و من الحيل السردية و الفنية في هذه القصة عنوانها (في) الذي هو في الاصل جزء من الجملة الاستهلالية للقصة،و التي تبدو مثل ثُريا تضيؤ النص بكامله من آعلى، آو موقعها.(العنوان) لنبين بقراءتنا للجملة الافتتاحية آو الاستهلالية للنص .«على الساعة العاشرة،» و لكن الملتقى (الفاعل) وليس (السلبي) طبعا، سيقرأ الجملة هكذا: « في تمام الساعة العاشرة و الربع صباحا من ـ1ـ اكتوبر 1985 كنت آتوسد الراديو .انسل المذيع و رفع عقيرته.(في هذا المقطع نجد السارد يتوسل جهاز الراديو كوسيط فني لتمرير آحداث القصة.المبدع البوحياوي يمتلك فنية ماهرة ، و ذلك لوعيه التام بآسرار حيل الكتابة ، و ربما آعتبر هذه المجموعة من آفضل ما قرآتُ في كتابة القصة القصيرة جدا، عندنا ، لنضج فنيتها الراقية جدا،
و حتى أشرككم معي في متعة هذه الذائقة الجمالية و الفنية بإستفادتها من تقنية السينماء في تقطيع المشاهد و توضيبها كأننا أمام شريط سينمائي متلاحق المشاهد.من قصة البوهالي في(ص،57) نجد هذه التقنية واضحة «تنهمر ضمائر مي فاطنة.تضرب صدرها، تضحك، تبكي، تموت .
-يخرج با عباس،يصيح يعضي يديه،يتدلى منها (مَطوي) يراقصه ـيبوسه.يستل سواكن مي فاطنة .يقدها.نمضغ كبدها»
من قصده الفن كذلك ،ذاك الاسترجاع الطفولي .الذي آعتبره هو (الدواة) التي ينقغ فيها قلمه ليكتب ،ذكرياته الطفولية ،لنصغ للكاتب في هذا المقطع :يقترب الكاتب .يغرف من حلم الطفل و يسقي (الجنان) الحكاية .» ص.52.
إن أجمل ما في الكتابة،هو ذاك {الفردوس المفقود }الطفولة.
أعود إلى الحيل السردية و الفنية عند المبدع البو يحياوي،بتوظيفه للحلم،توظيفا محكما،من حيث نجده يمزج الحلم باليومي. و هذا ما يعود بنا إلى اشارته لبورخيس في مقدمة الكتاب . و نغني المحاضرة الثالثة.فن الحكاية.
و هذا ما يدل على استفادته من قراءة نماذج عالمية تنظيرا و إبداعا و لعلمنا آن بو رخيس كانت تستهويه تيمة الحلم،و المتاهة،و المرايا.
إن استخدام البويحياوي لتيمة الحلم لتكسير الزمن بين الماضي و الحاضر،و نقصد هنا الطفولة و الرجولة .لنقرأ قصة آية في ص.49. حتى يتجلى لنا ذلك:«و مع أنني بلغت الثانية و الخمسين من عمري.فقد عدت يومها إلى بيتي أيصبب دموعا طفولية .ارميت في سريري توسدت ذراعي و انكمشت.رائحة أبي و دفء راحتيه .محا قرصات و عضات صديقة في ظهري ،و لوح لي بهدية. مددت يدي يده .فلم تصل.تقلبت.ذراعي باردة،و حلوة لذيذة تحت لساني .»
و من الحيل الفنية و السردية.المقصودة.لذات الغاية ،هي ايهام القارئ بتواريخ واقعية. لواقعيتها الحقيقية،إلا أن الكاتب ،نجده يتدرج من اليومي إلى الغرائبي،كمافي قصة (خويلي)من،ص،60، «ينبش التراب و يخرج امرأة لها آذنا فيل يفرش لها واحدة و يغطيها بالاخرى.يمشط شعرها. يقبلها.يحك رأسها .تلهبني عيناها الشمسيتان .»
في هذه القصة بالذات نجد عنوانها هو أشبه بذاك النول الذي ينسج خيوط الحكاية، و نعني بذلك(الخال)أو خويلي .الذي هو جزء من حبفٌكة القصة :
«سقطتُ في حضن خالتي.بسم الله عليك. خطفتْ جنية عقله.خالك مربوط في انتظار الفرج .»
كما نجد الكاتب يستغل مناسبة دينية ليعبر بها عن ذاك التفاوت الطبقي،بطريقة فنية ، كما أسلف أشرنا إليه، بأن الواقع عندالبويحياوي يتوقف عند قصده الفني .كما في قصة (سيدنا قدر )ص.61.
«26رمضان1380ه.في حومتي .
أقمنا الليل بخشوع.رُفغنا إلى كبد السماء .وما إن سلمنا حتى حفتنا رائحة الجنة.قصعة عرْعرملكية كبيرة نبت فيها جبل لحم و خضر وكُسكس قرب المحراب .التف حولها لمقدمْ و الفقيه و المودن و من حباهم الله بالصف الأول.حمدل إمامنا و بسمل. ثم وقف يلحسُ يده :أيها الإخوة في الله .كُلوا من طيبات القصعات الصغيرة هناك في الخلف يرحمكم الله .
ونبقى دائما مع قصدية الكاتب الفنية، هذه المرة في قهره وتحديه للبياض، المتمثل في( الذاكرة) ، وما علق بها من نُدف الروح، والذكريات الطفولية، والتي يمثلها سواد الحبر، وهو ما يجعل البويحاوي يعبر عنها، بالتوزيع النصي.أو ما أسمها.هو. الندف، الموزع حبرا هنا وهناك، وحتى بعض من نهاية القصص ، تأتي كلماتها مجزءة عموديا وتنتهي بنقط الحذف هي كذلك بشكل عمودي، وهذا ما أسميناه في مدا خلتنا بالقصد الفني، عند القاص البو يحياوي. في قصة الواحدة حبا، ص،66،نجدهذه الدلالة واضحة بجلاء واضح جدا بحيث تنتهي بدمعتين، مكتوبة بحروف متفرقة عموديا وتليها نقط الحذف هي كذلك مكتوبة بطريقة عمودية كأنها دموع أوسائل، وهذه الطرق مقصودة لفنية تعبيرية تجسد في حد ذاتها عصارة الذاكرة ،أو كأن الكاتب يستقطر ذاكرته بهذا الرسم الكتابي والتوزيع النصي لملئ البياض/ الذاكرة وما علق بها من نُدف الروح.. التي هي هنا أشبه بأصداء السيرة الذاتية كما جاء في هذا هذا المقتطع:
«3 ابريل 1959، دوار أولاد الطالب، »إلى سن اليفاعة، وهذا لا يعكس سوى ذاك التخييل الذاتي . في ختام هذه المقاربة، يدلي لنا الكاتب بالقسم الغليظ:
«أرفع خمستي عالياوأقسم ألا أحكي لكم إلا ما قَرَ في فزعي.»