لانها مسكونة بالإيجاز والشرارة التي تطلقها الكلمات المقتضبة بوجه القارئ، غمرت جائزة بوكر الدولية القاصة الأميركية ليديا ديفيس بالغبطة، ليس بالمال وحده "سبعون ألف يورو" بل بالمجد الأدبي الذي انهمر عليها بالأمس.
وسيجد القارئ العربي نفسه في حيرة عندما لا يجد شيئاً في لغته عن هذه القاصة التي تشغل الأوساط الثقافية التي تكتب بالانكليزية، مثلما تشغل الثقافة الفرنسية لأن ترجماتها لأدب مارسيل بروست وفلوبير وفوكو قدمت للقارئ بالانكليزية حسا معاصرا.
والمجد الأدبي الذي أنغمر على القاصة الأميركية "65 عاما" جعلها تتفوق في القيمة الإبداعية على تسعة أدباء من بينهم كتاب من الصين وروسيا والهند وإسرائيل وفرنسا وسويسرا وكندا وباكستان، وفق طبيعة الجائزة التي تمنح كل سنتين إلى كاتب لا يزال على قيد الحياة عن أعمال صدرت بالانكليزية أو ترجمت إلى الانكليزية.
وترعى هذه الجائزة من قبل مجموعة "مان بي إل سي"، التي ترعى أيضا مان بوكر للرواية التي فازت بها عام 2012 هيلاري مانتل، وجائزة بوكر الدولية تختلف اختلافا كليا عن جائزة مان بوكر، لأنها تسلط الضوء على مساهمة كاتب واحد من مسرح الأدب العالمي المترجم إلى الانكليزية وما أنجزه من أعمال، بدلا من رواية واحدة تمنح عليها جائزة مان بوكر.
مهما يكن من أمر، فهذه الجائزة التي تمنح كل عامين لكاتب من دول العالم المختلفة، حملت معها السؤال الذي يتناسل عن الأدب الذي تكتبه المرأة بعد أن نالت هيلاري مانتل جائزة بوكر البريطانية عن روايتها "ارفعو الجثث" والشاعرة الأميركية شارون أولدز بجائزة "بوليتزر" وقبلها جائزة ت. أس. اليوت عن ديوانها "قفزة الأيل".
الإعلان الرسمي للجنة التحكيم وصف قص ديفيس الفائزة بالدورة الخامسة بالمسكون بالإيجاز ودقة الشعر، سرد يقظ وخيال فخم يصل إلى أقصى مدى في تعبيريته بكلمات قليلة ومقاطع قصيرة.
ليديا ديفيس ابتهاج بجائزة مرموقة
تمارس ليديا ديفيس لعبة شعور لغوية مع الكلمات، فتعصرها بحنو وتمسدها كي تلتقط أقل عدد منها، لكنها توصل المعنى العميق كمعادل حسي للسرد الطويل.
لا تنس في أي حال من الأحوال، سرد جيمس جويس أو ويليام فوكنر المتماهل والطويل، وهي تلتقط أقصوصتها من الواقع، لكنها تبني ذلك بمقطع واحد لا بل جملة وحيدة.
من أجل ذلك ترى لجنة تحكيم الجائزة في أعمال ديفيس، ما يمكن تسميتها بأكثر من قصة، ربما خرافة أو حكمة، مناجاة فلسفية أو صلوات، منمنمات... وحتى مزح قصيرة، لكنها تبقى في النهاية أقصوصة أو قصة لا تتجاوز ثلاث أو أربع صفحات.
ويبدو أن وصف لجنة التحكيم يشير بطريقة ما إلى ابتكار ديفيس شكلا أدبيا طوعته لأدبها عندما توهم المشاعر في جمل موجزة، وهي تعلن عن فائز جديد في هذه الجائزة التي سبق وان فاز بها الألباني إسماعيل كاداريه في عام 2005، والنيجيري تشينوا أتشيبي في 2007، والكندية أليس مونرو في عام 2009 والأميركي فيليب روث في عام 2011.
وعادة تشغل قصصها مساحة تتراوح بين ثلاث وأربع صفحات، الأمر الذي جعلتها تؤثر في صناعة أدب الجيل الذي تلاها في الثقافة الأميركية.
وسيترقب القارئ مجموعة ليديا ديفيس القصصية الجديدة التي تمتهن التدريس الأدبي في جامعة بنيويورك في يونيو من العام 2014.
وهذه الكاتبة التي تلقت التهاني في الاحتفالية التي أقيمت في العاصمة البريطانية لندن، سبق وان فازت بجائزة "ماك آرثر" الأميركية للروية ونالت وسام الفنون والآداب من الحكومة الفرنسية.
ولدت ليديا ديفيس عام 1947، في نورثهامبتون، بولاية ماساشوستس الأميركية، وهي ابنة الناقد وأستاذ الأدب الانكليزي روبرت جورهام ديفيس، تزوجت عام 1974 من بول أوستر وانجبت منه ولدا، لكنهما تطلقا فيما بعد، وديفيس متزوجة حاليا من الفنان آلان كوت.
وتم اختيارها كزميل في الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم عام 2005.
نشرت مجموعتها القصصية الأولى عام 1976 ورشحت مجموعة أخرى لها لجائزة همنغواي عام 1986، وصدرت لها مجموعة أخيرة عام 2007، لكنها جمعت أغلب قصصها في كتاب واحد صدر عام 2009، وتترقب صدور مجموعتها الجديد منتصف العام 2014.