أحمد الهيبة بن الشيخ ماء العينين
ولد في (( تيزنيت )) عام 1877 ، و توفي عام 1918
تلقى العلم على يد والده و على علماء مراكش و فاس
تولى شؤون زاوية والده بعد موته و زعامة القبيلة .
جمع الدكتور محمد الظريف شعره و حققه ، و صدر عن دار النجاح الجديدة 1998 .
ما كنت أول مدنف
أحمد الهيبة
ما كنتُ أولَ مُدنَفٍ قد شاقهُ(*)
زهرُ الربا وتمايُلُ الأغصانِ
والوُرْقُ يهدلُ والغناءُ مرصَّعٌ
بمباسم الآرامِ والغزلان
ومجالسُ الفتيانِ والفتياتِ في
أُنسٍ من الأنغامِ والألحان
ليلُ التّمام على البطاح إلى الصبا
حِ، فيا له من مجلسٍ وأوان
أو في رياض الدُّورِ، والأضواءُ في
مِشكاتها تزداد في اللمعان
ونمارقٌ وطنافسٌ وأسرّةٌ
بمنازه الأمراء والأعيان
أو تارةً حادي الرحيل بـ«تيرسٍ»(1)
يحدو وهذا سائقُ الأظعان
وإذا هوادجُ أقبلتْ تمشي وذي
سارت وهذي لم تزل بمكان
فكأنها سفنٌ ومُزنُ سحابةٍ
مُزجتْ جوانبُها بأحمرَ قان
يحملنَ غزلانَ الخمائل والشمو
سَ الضارياتِ(1) وجوهرَ العقيان
السالباتِ لكل لُبٍّ حازمٍ
بترجرج الأكفالِ والكثبان
يبسمنَ عن بَرْد الأقاح ولؤلؤ الْـ
أصدافِ، بل وتنسّم الريحان
وسَرَتْ سُلافةُ خمرهنَّ على الغصو
نِ اللُّدْنَياتِ فَمِسْنَ كالنشوان
كلُّ المحاسنِ والملاحة قُسِّمتْ
من حسنهنَّ كفتنة الشيطان
وكذاك هنَّ، فلم ينلنَ ملاحةً
حتى صحبنَ مُثيرةَ الأحزان
ورديّةُ الخدّين، ضامرةُ الحشا
حقفيّةُ الأردافِ تحت البان
بدريّةٌ، ليليّةٌ، شمسيّةٌ
سينيّةٌ، بَرْديّةُ الأسنان
يا حُسْنُ، يا كَفْلُ، وُقِيتَ ترجْرُجاً
يا ألطفَ الـمَيَسان والـمَيَلان
يا بدرُ، يا شنبُ، وُقِيتَ السُّكْرَ من
خمرِ الرضاب وسكرة القُضبان
رفقاً بصبٍّ لا يفيق وما لهُ
إلا الضَّنى وتولُّهُ الولهان
للّهِ أيامُ الصِّبا ولَحبّذا
ليلاتُ لهوٍ هيّجتْ أشجاني
دهرٌ يُسوِّغ لي النسيبَ ويحسُنُ التْـ
ـتَشْبيبُ فيه تطرُّباً بمغان
لا زال يبتسم الأقاحُ بصحبهِ
والوُرْقُ ساجعةٌ على الأفنان
وعيونُه تحكي لنرجس أرضهِ
وتسلُّ أسهمَها من الأجفان
والظلُّ يقصر بالنسيم وتارةً
يمتدّ لا يخلو من الميَسَان
ومدامعُ العشّاق تنهمل انْهِما
لَ المُزنِ بالياقوت والمرجان
النومُ ممنوعٌ على أجفانهم
وقلوبُهم تزداد في الخفقان
ما أغفلَ الرقباءَ في أيامهِ
ولَكَم زها طرباً بما أرضاني
يا ما أُحيلاه وأطيبَ طيبَهُ
وأُهيلَه ومجالسَ الخُلاّن
وبدورُ تمٍّ مُدلجون ليالياً
متجلببين صقالةَ الأذهان
ما بين أبلجَ فوق سرجٍ أو على
ذُلُلٍ عِتاقٍ ضُمَّرٍ وهِجان
أدباءُ أذكياءُ أهلُ تَطرُّبٍ
ظرفاءُ أهلُ الشوقِ والهيمان
قرنوا اللطافةَ بالظرافة، والملا
حةَ بالفصاحة في أتمّ بيان
ما الدهرُ إلا هكذا أمَّا سوى
هذا فهُو ضَربٌ من الهذيان