فراشة الضوء
كامي بزيع
عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام، صدر للشاعرة والصحفية اللبنانية المقيمة في أسبانيا "كامي بزيع" مجموعتها الشعرية « فراشة الضوء ». المجموعة تقع في 108 صفحة من القطع المتوسط، وتتضمن 40 قصيدة متنوعة. تصميم الغلاف: ياسمين عكاشة.
" كامي بزيع " اختارت « فراشة الضوء » عنوانًا لمجموعتها الشعرية، كأنها تتماهى بها، كالفراشة تعرف أن مصيرها الاحتراق، لكنها لا تتوانى عن تقبيل القنديل، تعرف أن طعم القُبل سوف يكتب لها النهاية، لكنها تخطو نحوها بشجاعة شرط أن تكون من الضوء، لأنها لا تريد العتمة ولا تعترف بالظلام، بل تنشد النور وتموت به؛ ولأجله.
في أربعين قصيدة؛ أو صورة شعرية إن صحَّ التعبير؛ توجز الشاعرة تجربتها الشعرية ما بين عامي 1997 و 1999م، أي قبل الدخول في الألفية الجديدة، لكنها بذلك تؤكد نبؤة الشعر وعدم انتمائه إلى الزمان والمكان، فتبدو القصائد بلغة حداثية كأنها كُتبت اليوم، الشعر لا يعترف بالساعة، بل هو كالولادة، حدث منذ غابر السنين، ويحدث الآن، وسيحدث دائمًا.
لغة رقيقة شفافة هي التي صاغت كلمات قصائدها، ليس فيها ما يصدم أو يخدش، وقد كان اختيارها للعنوان موفقًا، فالفراشة ليس لها أظافر ولا أنياب، إنما قوتها في هشاشتها، وفي عذوبتها القاتلة، وحريتها ليس لها حدود طالما الفضاء مجالها، والضوء هدفها.
في البساطة يكمن الجمال، هذا ما تعبر عنه المجموعة الشعرية "فراشة الضوء"، التي تلتقط الموضوعات العادية لكنها تدرجها في قالب من الرشاقة والنعومة، حتى لتحتار إن كان من يكتب هذه القصائد شخص آخر، أم انك نفسك من يكتب!!
تمرد رشيق على السائد، وكبرياء أنثى لا تعرف الهزيمة، يستشف من وراء الكلمات، فهي تقول في في قصيدة "اختصار":
تعودتُ ضياءَك
الظليل
لن يهزمني
غيابُكَ الوديع
لن أرفعَ رايتي البيضاء
• • •
قبلَكَ كنتُ
وبعدَكَ أكون
أنا فراشةُ اللهب
لا تغويني
القناديلُ النائصة
• • •
أحـزن لأجلكَ ليس أكثر
فأنتَ ظـلٌّ لوجودي كنت
تنيرُ دربَكَ مِنْ عطري.
أحـزن لأجلكَ ليس أكثر.
وكأنها بهذا تعلن انتماءها إلى الجيل المتمرد الذي يرفض الطاعة ويثور على الإذعان، ولكن بدون أن تجرح، بل بالكبرياء والحب والموهبة تؤكد وجودها دون أن تعتبر شريكها في الحياة عدوها، بل على العكس؛ هو ملهمها الأول والأخير.
وإذا كانت الوحدة هي ملاذ الشعراء وموطن سكونهم وراحتهم فلها حصتها ايضًا لدى الشاعرة التي تقول في قصيدة "أرقام":
- 1 -
أجلسُ صباحًا
أفكاري قهوةٌ باردة
والحقيقةُ نغمٌ سرمدي
تترددُ
في زوايا الكون.
- 2 -
أجلسُ مساءً
تموءُ عيناي
الوحدةُ صديقٌ حميم
مِنْ يقرعُ أجراسي
ويدخلُ كهفي
المسحور ؟.
- 3 -
الوقتُ مكانٌ يتربصني
موتٌ يختصرني
وأمامي السرير
لم يكن الليلُ
قادمًا بعـد.
- 4 -
أنام..
وعمري يرقـدُ جانبي
أستأنسُ به
أسندُ رأسَهُ على صدري
وأغني له لينام .
تختصر به نهارًا كاملاً من الصباح إلى الليل حيث النوم، يتحول إلى عبء والعمر سنوات مرهقة، لا تستطيع الشاعرة التي تتحمل وطأة وجودها، لأنها تجد بها حمولة لا طاقة لها بها، إنه العبء الوجودي، الذي يبحث عن الأجوبة.
ويعود الفرح ليرفرف على لحظات وجودها، وهي تقطفها في كلمات لتبدو مجموعة "فراشة الضوء" حالات متقلبة للإنسان بكل أطيافه وهمومه وسعادته وشقائه وأمله وخيبته، فهي تقول في قصيدة "ضوء":
- 1 -
عندما أنتظرك
يصبح للأوقاتِ الهاربةِ مني
ألفَ طعمٍ وطعم
وأصير أنا..
دائرةَ الضوء.
- 2 -
عندما أنتظرك
أسترجعُ الشرارةَ الأولى
التي أحرقتْ حقولَ قمحي
فأضاءتْ فصولَ الحياة.
- 3 -
عندما أنتظرك
أرتِّل بقيةَ القصائد
المخبأةِ منذ الطفولةِ الغابرة
وأعرفُ..
أنها لم تُكتبْ يومًا
إلا تجسيدًا لضوءِ
عينيك .
رحلة ممتعة من الانفعال والشغف والحب والشوق هي التي تلون المجموعة الشعرية "فراشة الضوء" التي تخطف المرء في نزهة عذبة من واقع التفاصيل اليومية لتدخله إلى عالم السحر والرقة والرومانسية المتغلغلة في أعماقنا، صور شعرية خاطفة وحالات إنسانية تلامس كل واحد منا، إنها دعوة للإبحار معها إلى حيث الكلمة تصبح وردة، والوقت يتوقف ليرسم خرائطه من جديد على صفحات قلم شغوف وروح تائقة إلى الحرية والضوء.
"كامي بزيع" تهدي مجموعتها إلى أخيها الشاعر "بزيع بزيع" الذي علمها القصيدة، وهو الذي ترك دراسة الطب لأجل القصيدة، حبيبته التي لم ترض لها شريكًا، فالشاعرة هي ابنة عائلة أدبية امتاز غالبية أبنائها بموهبتهم الشعرية الفذة، وتفتحها المبكر على الشعر، حتى يقال عنهم إنهم "يولدون شعراء من تأثير الماء في قريتهم زبقين".