مفارقة أن تكون بطل مسرحية
في صالة مطار القاهرة
محمد الغربي عمران
algarby@gmail. Com
* صالة تثير الخوف
سبعة أيام بعد عودتي من الخرطوم قضيتها في القاهر ة.. زرت الشاعر الحداثي صبحي موسى في مكتبه.. ودار الشروق للطباعة والنشر.. تابعت صدور مجموعة هشام محمد القصصية من دار ميريت.. كما زرت دار العين .. وحاولت اللقاء بالروائي الصديق عبد الودود المطري والروائي والإعلامي محمد الناصر.
دوما أسال نفسي لماذا ينصح موظفي خطوط الطيران الركاب أن يكونوا بالمطار قبل الإقلاع بساعتين أو أكثر.. حتى تم سرقتي والنصب علي بمبلغ في مسرحية سخيفة عند عودتي من القاهرة إلي صنعاء.. حينها أدركت أهمية أن يحضر المسافر قبل الإقلاع بوقت كافي.
أنا دوما حريص على الحضور مبكرا إلى المطار.. وفي هذه الرحلة كنت أكثر حرص.. إلا أن ما أخرني مروري في طريقي إلى المطار على دار ميريت للطباعة والنشر.. لأخذ نسخ من إصدار القاص المتميز هشام محمد استهلكني الوقت..وحين وصلت بوابة المغادرة و بدأت بإجراءات السفر كان المتبقي على إقلاع رحلتي رقم691 ..أقل من 45 دقيقة.. على المصرية .. لم يكن وزن أمتعتي زائد كما أدعى الموظف الذي بدأ يساعدني في وزن أمتعتي.. ولم أكن أعرف بأن الشاب الذي خلف الكونتر هو الأخر رغم أناقته مشترك في مسرحية سلبي بعض المال..وأن هو وزميل له خلف كونتر مجاور هو داعم لهم.. دوما أفضل المصرية ولا أسافر إلا في ماندر على طائرات شركات أخرى.. وبالطبع أنا لا أسافر كثير.. إذ لا تتجاوز مشاركات السنوية في مؤتمرات ومتلقيات ثقافية الست مشاركات.. وعلى مدى سنوات لم أجد من موظفي طيران المصرية إلا روعة التعامل.. وجمال ونظافة وترتيب المبنى المخصص للمصرية.. إلى يوم الأربعاء 22/ 2/ 2012 في رحلة الحادية عشر مساء من القاهرة إلى صنعاء.. حينها لم أعرف أن موظفي الشركة يماطلوني في سرعة الوزن بشكل المتبع.. معتمدين على ضيق مساحة الوقت المتاح45 دقيقة التي تتناقص بشكل مخيف. أصر الموظف على عدم حملي لحقيبتي اليدوية التي دوما ما أحملها معي إلى داخل الطائرة والتي تحتوى علي ملابسي وأشيائي الخاصة ومن بينها الاب توب الصغير مع توصيلاته.. قلت له بأن يدخل حقيبتين أخريين في السير إحداها ملابس وأحذية للأهل.. والثانية مجموعة من الكتب من معرض الكتاب.. لكنه رفض إلا أن يدخل الجميع إلى السير بمافيهن حقيبتي اليدوية لجأت للشاب الذي خلف الكونتر طالبا إبقاء حقيبتي اليدوية.. لكنه أشار علي بوزنها.. قائلا لايجوز أن يتجاوز مايحمله الراكب إلى داخل الطائرة أكثر من العشرة كيلو.. وضعتها على سير الميزان وإذا بها أقل من عشرة كيلو.. لكن الذي خلف الكاونتر رفض إلا أن تكون حقيبتي اليدوية مع حقيبة الملابس والكتب.. بعد أن أدركت تعنتهما وأن الوقت يذوب بين يدي.. لجأت لأخر خلف كونت مجاور أشكي له حالي عارضا عليه بطاقة المسافر الدائم التي وصلتني مؤخرا في لونها الأزرق.. الذي رد علي بتجاهل كل ذلك لايفيد عليك بالتفاهم مع الموظف.. قال ذلك دون أن أكمل كلاي.. استسلمت ووضعت حقيبتي اليدوية .
صعقة شلت تفكيري
وبعد وزن أمتعتي قال ذلك الموظف وهو يقلب جوازي وتذكرتي بين يديه عليك وزن زائد.. قلت له كام.. لم ينطق بعدد الكيلوهات الزائدة لكنه رد علي " عليك بدفع ثلاث مئة دولار " خلته يمازحني قلت له أرجوك إسرع الوقت يمر.. ردد جملته" أسرع بدفع المبلغ لتلحق بالطائرة " صعقني شتت تفكيري.. رددت عليه لكن مامعي المال الكافي.. عندها أبتسم وهو يشير إلى الحقيبة المعلقة على كتفي.. سألت نفسي هل يرى إلى ما خلف الأغلفة.. بالفعل كان معي القليل من الدولار بداخلها كيف عرف؟
توزيع المحتوى
حين لاحظ الموظف العامل ارتباكي وحيرتي أخذني جانبا يهامسني "هات حقائبك وإتبعني"
- إلى أين؟.
- لنعيد توزيع محتوياتهن ونغلفهن من جديد..
- لماذا؟.
- أتبعني إن كنت تريد مساعدتك.. سنخفض المبلغ إلى النصف.. هيا أسرع الوقت يمر. تبعته وأنا أدفع عربية الحقائب إلى عامل التغليف .. نثر حقائبي حول الآلة.. فتحها وأخذ يعيد توزيع الكتب .. استأذنته بالذهاب إلى دورة المياه القريبة.. وحين عدت كانت ثلاث كتل قد لفت بشكل غير متناسق بأشرطة البلاستيك.. دفعت ما طلب مني لعامل اللف 60 جنيه.. وعدنا إلى موظف الكاونتر من جديد.. وذلك الموظف يحدثني بان المبلغ المقرر سيقل للنصف.. أفرحني بكلامه.. أعقب بكلامه عليك أن تقدر جهدي وتعطيني الحلوان !
أخذنا في وزن الكتل التي لم تعد حقائب من جديد قال موظف الكاونتر أذهب إلى الخزنة وأدفع الف وثمان مئ جنية إذا أردت السفر.. حاولت من جديد أن الاوعه قلت له مش قلت ثلاث مئة دولار .. قال متنرفز لايقبل إلا بالجنيه.. ثم تجاهلني.. قلت له حقيبتي اليدوية وصممتوا على أخذها مع الوزن.. لكن اليس للراكب 30 كيلو.. ظل صامتها ينظر إلى وعلى وجهه إبتسامة وديعة.. ثم أنشغل مع غيري من المسافرين.
لم أكن أعرف بأنها مسرحية حين أنخرط موظف الكاونتر وذلك الموظف العامل الذي أحب أن يساعدني على الوزن في جدل.. وفي الأخير أقنع من خلف الكونتر بان أدفع 900 جنيه فقط..
أخذني جانبا وقال " تعبت معاك.. لقد أقنعته.. وين الحلوان.. الوقت يمر والطائرة ستقلع لقد ساعدتك كثير" مددت يدي بخمسين جنيه خلسة.. رفضها ووقف غاضبا.. اكملت خمسين أخرى.. دون فائدة قال لقد خلصتك من 900 جنيه وتريد أن تعطيني مئة لن أقبل إلا بخمس مئة .. أو عد وتفاهم معه.. ولم يتحرك لإكمال إجراءات الوزن.. إلا بعد أن سلمته أربع مية جنيه بين يديه.. كان معي القليل من الدولارات.. لم يقبل موظف الخزينة الدولارات.. ذهبت إلى الصراف.. ثم سلمت إلى الخزنة بسند وصل 900 جنيه رقم 07745152148683 على الغلاف الخارجي.. ورقم 077-2412504453.. بالداخل وقد كتب عليه محمد منصور وليس إسمي.
شعرت بأنهم شبكة من المحترفين في ترويع الركاب واستغلالهم.. وهذه المفردات يحز في نفسي كتابتها لكنها مشاعري وهم يتقاذفون بي وأنا بين أيديهم في تلك الصالة.. حين كنت أستغيث بأحدهم يعيدني إلى الجلاد .. ذكرني ذلك بمشهد رأيته في قناة الجزيرة الوثائقية عندما حاصرت الضباع فريستها.. حاولت الإفلات ولم تفلت.
المسافر الدائم
وأدركت بان المسافر الدائم على المصرية هو المسافر المنتنيل على عينه.. وما أقسى تعاملهم حين يلعبون على أعصاب المسافر.. ليتحولوا إلى ممثلين يجيدون إتقان أدوارهم أحدهم جلاد والأخر منقذ.. وهكذا حتى استطاعوا استنزافي.. فهل أظل مع شركتي المفضلة في رحلاتي القادمة؟ أم عي التفكير بتغييرها.. هل أبحث عن شركة أخرى يكون الموظفين فيها أكثر رحمة.. لماذا تحولت تلك الصالات النظيفة والرائعة إلى ساحات مرعبة.. وأولئك الموظفين الودودين إلى كائنات مخيفة.. كان المطار فيما مضى يمثل لي مكان ممتع وآمن.
لم يتجاوز كل وزن ثلاث حقائبي أكثر من 50 كيلوا بما فيها حقيبتي اليدوية ولم يخصموا مالي كأي راكب من وزن بل دفعت أكثر بكثير مما علي.. لم يؤلمني مادفعته بموجب ذلك الوصل وما ألامني دفع الأربع مئة جنية الحلوان التي لو تلكأت في دفعها لطارت الطيارة.. حين أكملت الإجراءات كنت أسمع النداء الأخير لركاب الطائرة المغادرة إلى صنعاء بأن عليهم سرعة التوجه إلى بوابة G7..... سرت مهرولا وأنا أشعر بالكآبة من أولئك الموظفين الذي أساءوا إلي.
وحين وصلت صنعاء كانت المفاجأة المرة حين اكتشفت بان جهازي اللاب تب الذي بداخل حقيبتي اليدوية لم يعد موجود.. عرفت أن ذلك الشاب لم يكتفي بما أخذه مني 400جنيه فقد أخذ جهازي المليء بمشاريعي الكتابية.. وقزازتين عطر.. لقد كانت تلك المسرحية وإعادة توزيع محتويات حقائبي خطة من أجل أخذ جهازي .. فماذا أقول؟
لكن مايشغلني.. كيف عرفوا أن في حقيبتي المعلقة على كتفي بعض الدولارات.. ولماذا أصروا على إعادة توزيع محتوى الحقائب.
لا يهمني فقدان قزايز العطر.. فقط إتقانهم لتلك المسرحية وقد تحول كل من في صالة المطار إلى ممثلين في مسرحية يعرف كل فرد ما عليه القيام به.. قد أكن واهم لكن هذا ماحصل لي.. وكم هم الركاب الذي تعرضون قبلي لتلك المسرحية ومن سيأتون بعدي.. وداعا ياجهازي الصغير.. لكن من يسترد لي محتوياتك من مواد كتابية وصور أخذت في منسبات مختلفة.. من سيسترد لي الأمان بتلك الصالات..وعدم الخوف من أولئك الموظفين الأنيقين.. عليه العوض ومنه العوض.
صحن كشري
غرفة 703بفندق صغير بشارع عماد الدين أسكنه.. يوفر وجبة الفطور ضمن قيمة الإقامة.. الفطور فول وبيض وجبن.. أتعمد على غير عادتي أن التهم كل ما يقدم لي.. يطبخ الفول بطريقة مختلفة.. وعادة ما يكون الإفطار بين العاشرة والحادية عشر.. أقضي بقية وقتي في إنجاز ما علي إنجازه فأتناول سندوتش وأنا أسير كوجبة غداء.. أو صحن كشري.. هكذا ترى الناس هنا يأكلون وهم واقفون أو يسيرون.. أو انزوى أحدهم لكمل قطعة السندوتش.. وفي الليل يمكنك أن تختار الوجبة التي تحب.. وأنا أفضل السندوتش.. شاورمة أو فلافل.. أيضا الخضار والفاكهة متوفرة وبأسعار مناسبة.. يوسفي برتقال جوافة.. طماط خيار .. وكذلك جبن أبيض.. أحمل منه ما أحتاجه ليضل على الطاولة أتناوله متى أردت.. هنا الطعام لا يكلف.. طبعا من لديه نهم للطعام هناك مطاعم وأماكن يمكنك أن تبعزق فلوسك.. أتحدث عن الطعام.. لأني حين أسافر أحاول أن أطيل من أيام بقائي للفرجة والمعرفة.. أحاول أن أسوح لأتعرف فيكون الطعام في مرتبة ثانوية.. قد أكون مخطئا.. لكني هكذا أدلل نفسي بالسفر والمعرفة لا بالطعام.
كتـــــب جديدة
703.. غرفة تطل على ضجيج الشارع.. أقلب في وقت فراغي تلك الكتب التي جمعتها من المكتبات ومن المعرض.. والقلة منها أهدت من مؤلفيها لي.. أكملت قراءة رواية: الفعل لحمدي أبو جليل لأكتشف بأني سبق وأن قرأتها وأن هذه طبعة جديدة بغلاف جديد.. انتقلت لرواية قبل أن تنام الملكة لحزامة حبايب.. وهي رواية مغايرة لروايتها السابقة (اسمه الغرام ) التي كانت فيها قد ركزت على الجنس.. هذه الرواية مختلفة حيث تهم الهم الفلسطيني والشتات.. رواية (النوبي) ورواية (اللعب فوق جبال النوبة) لإدريس علي.. اشتريتهم من إحدى الدوار المشاركة في المعرض بعد أن لاحظت لافتتها للكتب السودانية فسألت أحد القائمين على البيع عن أحدث الروايات السودانية.. فدلني على إدريس علي.. وبع قرأتهما اكتشفت أن إدريس علي مصري نوبي.. فتعجبت.. والروايتين تعالجان مأساة سكان النوبة بعد بناء السد علي وترحيلهم من أراضيهم إلى أرض مصرية جديدة.. واصلت قراءتي لرواية صدفة بتجمعنا لمحمد عزب..وهذه الكاتب غير محمد العزب صاحب رواية سيدي براني.. ورواية صدفة بتجمعنا تعالج موضوع قديم .. وهو حين يفرق صديقي حب امرأة واحدة.. وهذا أنا باشر في قراءة رواية الدكتور أحمد الأصبحي (البديَّة) اسم غريب.. لكنها رواية ذا فكر قومي.قد يعتقد القارئ بأن تلك الروايات التي قرأتها روايات كبيرة.. فليست بذلك الشأن فالرواية منهن بين المائة صفحة والمائتين والخمسين.. أي أنها ليست بالروايات الكبيرة.. وأدخر الروايات الكبيرة ولن أذكر أسماءها كالعادة فهناك أصدقاء ينتظرون .. مثل: محمد عايض.. بلقيس الكبسي وانتصار السري.. وعبده الحودي وأسماء المصري محمد القعود.. ومحمد الحوثي.. ما أن يقرئون ما أتيت به حتى يطالبوني إعارتهم قبل أن أقرأ تلك الروايات.. ولهذا لن أعلن عما لدي حتى أحتفظ بتلك حتى إكمال التهامهن.
حين أجد فرصة أشغل الكمبيوتر لأكتب.. أخاف أن تخلص شحن الكهرباء حق الجهاز..أتذكر أن الكهرباء شغالة بشكل مستمر ولم تنقطع الخدمة ثانية طوال شهر..
وفوق ذلك بثت قناة الجزيرة تقرير في إحدى نشاراتها صور لأطفال يقفون وأمامهم صفوف دباب وأواني الماء.. وصوت المراسل يردد أن سكان صنعاء يعانون من شحة مياة الشرب.. ثم تحدث أحد الخبراء على أن صنعاء ستعلن خلال عشر سنوات أول مدينة منكوبة بندرة المياة فهي مرشحة خلال السنوات القادمة للنضوب.. كما أنها مهددة بهجر سكانها.. وأنها ستكون أول مدينة يهجرها سكانها.
في ظل صراع سياسي عنيف.. طرأ على نفسي سؤال على ماذا يتصارع السياسيون في صنعاء.. على ناطحات السحاب.. أم على كثرة المصانع.. الدنيا فيها السلامة.. على ماذا المفلسون يتصارعون..؟
صنعاء تلك الإيقونة الجميلة.. يتهددها العطش.. ويهددها الساسة بالدمار.. صنعاء المدينة المهانة المباحة المستلبة.. صنعاء الفاتنة التي تعمل سكاكينهم على تمزيقها.
برج الصمت
برج خشبي مكون من ثلاثة أدوار .. منصوب فوق عمارة على الطابق السابع من في شارع عماد الدين.. أطل عليها من نافذة غرفتي رقم 703 بفندق متواضع.. في البداية كنت أراقب ذلك البرج النشاز وسط عمائر من الطوب والخرسانة.. متعجبا لذلك البرج الخشبي كقلعة أنبثقت من عصور مضت.. إلى عصر ذلك اليوم حين رأيت علم أحمر تلوح به كف من وسط برج الخشب دون أن يظهر بقية جسم الملوح .. ثم كف آخر تلوح بخرقة سوداء.. وصفير متواصل.. لتحوم أسراب الحمام في فضاء ذلك الحي.. ثم تقترب هابطة فوق البرج الخشبي تتهادى أكثر من مئة حمامة لتستقر فوق سقفه.. كان سقف ذلك البرج مغطى بألواح خشبيه وضعت عليها أوعية الماء وكمية من الحبوب. .. وفي الوسط ثقوب تتسلل من تحتها أكف لسرقة الحمام إلى الأسفل.. يمدون أيديهم خفيه ليأخذون الحمام واحدة بعد واحدة وهن منهمكات في لقط الحب.. ظللت أرقب ذلك المنظر والحمام يتناقص وتارة يطيرن فزعات ثم يلوبن في الفضاء ليرجعن من جديد إلى سطح البرج.. ولم تغرب الشمس إلا وكانت تلك الأيدي السفلة قد قاربت على اقتناص ما تبقى من ذلك السرب الكبير.. عرفت بأن الكثير من أبراج الحمام منتشرة في ألأحياء القديمة من القاهرة وأن تلك الأبراج أبراج الموت.. من قانصي الحمام الذين يزودون المطاعم بمايحتاجونه من حمام.. وهكذا كلما رأيت برج من تلك لأبراج رأيتها أبراج موت.. وهي غير الأبراج التي يراها المسافر على الطريق من القاهرة للإسكندرية والمنتشرة في ريف مصر وهي تلك الأبراج المخروطية متعددة الثقوب التي تأوي إليها الحمام.