حلف وارسو و الإرهابي *
صحيفة كومسومولسكايا برافدا
يوليا لاطينينا تعتقد أن الدول الإسلامية الأصولية قد تصبح العدو الأكبر للغرب بدلاً من الاتحاد السوفيتي.
تشهد الشبكة العنكبوتية الإنترنت مناقشات حارة لتعليقات الإذاعية (مذيعة الراديو) والخبيرة الاقتصادية يوليا لاطينينا على تبعات التظاهرات الشعبية التي يموج بها الشرق الأوسط والتي بدأت بالثورتين في تونس ومصر.
ونورد هنا رأي يوليا لاطينينا حول الأوضاع في الشرق الأوسط ومخاطرها بالنسبة للغرب بصفة عامة وأمريكا خاصة.
ما بعد مصر
بينما ينتشر وباء الثورات إلى الدول الشرق أوسطية الأخرى، فإننا على ما يبدو نواجه مراجعة شاملة
و"ستارا حديديا" جديدا وربما نظاما عالميا جديدا.
فنتيجة لقانون الراديكالية ستصيح الثورة في مصر أصولية. وربما ستؤدي إلى سلسلة كاملة من الثورة الأصولية التي ستزيل الديكتاتورية التقليدية في الشرق الأوسط والتي في الواقع تعتبر بقايا متحجرة للواقع الذي ظهر في ستينيات القرن الماضي، في ذروة المواجهة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. وربما ستولد مواجهة جديدة ليست أقل ضراوة وتوتراً من المواجهة بين الاشتراكية والعالم المتفتح في القرن العشرين.
وفي هذا الواقع الجغرافي السياسي ستفقد جملة مثل "محاربة الإرهاب" معناها، لأن المحاربة لن تكون ضد الإرهاب بل ضد تحالف جديد من الدول الشمولية التي ليست أقل تعصبا من الاتحاد السوفيتي في العشرينيات من القرن الماضي، تحالف من الدول التي سيصبح الإرهاب ببساطة شكل من أشكال سياستها الخارجية، ومن الواضح أن الفوز في هذه الحرب سيكون من نصيب جانب واحد فقط وهو الصين، لأنها لن تكون طرفا شريكا فيها.
أخطاء الولايات المتحدة الأمريكية؟
قد يكون من الجائز اعتبار أن ما يحدث في الشرق الأوسط حقا - وكما يأمل الأصوليون- يشير إلى غروب عصر الولايات المتحدة الأمريكية. لأنه حتى لو انتصرت الولايات المتحدة في هذه الحرب، فإن تكلفتها الاقتصادية ستكون كبيرة جدا، وليس هناك من سبيل الآن لتفادي وتجنب هذه الحرب لأن الذي يقرر ذلك ليست أمريكا. ففي الواقع الآن فقط وبعد مرور عدة سنوات نرى إلى أي مدى كانت قرارات بوش بغزو أفغانستان والعراق خاطئة وكم كبير هو الثمن الذي ستدفعه ليست فقط أمريكا ولكن المجتمعات المتفتحة كافة في جميع أنحاء العالم.
"ملكوت الله"
على الرغم من أنني أرى لكم هو وضع الأمور الآن غريب – وما أعنيه هو ظهور شرق أوسط شمولي جديد - والذي على نحو ما يمكن الترحيب به- لأن كل أيديولوجية لكي تموت يجب أن تصبح حقيقة واقعة. ففي بداية القرن العشرين كان هناك شباب يريدون بناء وسيادة الشيوعية على الأرض. وبنوها بالفعل ولكن في سبيل ذلك دمروا وخربوا الدولة الروسية. ولكن من ناحية أخرى لم يعد هناك الآن من يرغب في بناء الشيوعية.
الأصوليون الإسلاميون يريدون بناء "ملكوت الله" في الأرض - حسنا ليبنوا ما يريدون، ولكن بمرور 20 - 30 سنة، ستتضح كل الأمور، لأن الأيدلوجية لا يمكن تدميرها بكلمة ولا يمكن تدميرها بالمنطق، ولا بأي شكل من الأشكال بواسطة السلاح، ولكن الأيديولوجية ذاتها تفنى وتموت عندما يتبين انها لا تتوافق مع الواقع.
معلمو بن لادن.
"الأخوان المسلمون" ليسوا مجرد منظمة إسلامية أصولية ، ولكنهم المنظمة الإسلامية الأصولية الأساسية التي تولدت منها كل المنظمات الأخرى. ويمكن فقط مقارنة تأسيسها في 1928م بتأسيس حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي. وتلك الأيديولوجية التي طرحها سيد قطب أحد مؤسسيها "حسب الإذاعية" يمكن أن نقارنها فقط مع كتاب "رأس المال" لكارل ماركس من حيث قوة التأثير. ويكفي أن نقول أن إحدى المنظمات التابعة "للإخوان المسلمين" هي حركة حماس. وبن لادن كان في وقت ما يستوحى فكره من أفكار "الإخوان". وفي تلك المدارس التي درس فيها بن لادن كان المعلمون إسلاميون من جماعة "الإخوان المسلمين".
مفهوم الحرية بالنسبة لمعظم الثوار العرب بصرف النظر عن كونهم علمانيين أو دينيين، يعني قبل كل شيء التحرر من الإمبريالية الغربية، وليس تحقيق الحريات الفردية للناس. فأي نظام عربي يستمد شرعيته من المواجهة مع الغرب، ولوقت طويل لكي يكون الحاكم شرعياً في الشرق الأوسط لم يكن من الضروري الفوز في انتخابات ديمقراطية، بل كان الواجب إظهار العناية الأبوية تجاه الرعيّة على غرار وفي روح ما كان يظهره الخلفاء الأوائل، وكذلك السعي إلى الوحدة العربية ومواجهة الغرب .
فهم يعتقدون أن قمة وذروة ازدهار الحضارة الإسلامية كانت في فترة وحدة الدولة الإسلامية، وبناء عليه فإن الازدهار وعودة الروح للشرق الأوسط يُعلق على إقامة الدولة الموحدة، أما تشرذم العرب فهو مرتبط بفترة التخلف والاعتماد على الغرب.
وعلى مدى السنوات الـ 50 الماضية كان على الدكتاتوريات الشرق أوسطية أن تجيب شعوبها على سؤال: لماذا لم يتوحد العرب ولماذا يتخلف الشرق الأوسط عن الغرب. وللأسف، الجواب المنطقي الوحيد على هذا السؤال قدمه الأصوليون الإسلاميون. لأن الحكام الحاليين كانوا غارقين في الجماهيريات: فهم مسلمون سيئون وعرب سيئون!
ما بعد الاتحاد السوفيتي.
قبل تأسيس "الإخوان المسلمين" لم يدخل الغرب مطلقاً في مواجهة مع الأصولية الإسلامية. فقد اصطدم فقط مع الوطنية الإسلامية ومع الغضب الإسلامي أو التعصب -إذا أردت قول ذلك-.
ولكن ماذا حدث بعد ذلك، عقب ظهور "الإخوان المسلمين" - من وجهة نظري، كان ذلك شبيه بتأسيس حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي. حيث تم تقسيم العالم بين قوتين أخرتين وهما المجتمع المنفتح والاشتراكية. وبقيت الأصولية الإسلامية بالكاد مرئية وراء هذه الخلفية، وكان الجميع يغازلها.
وعندما انهار الاتحاد السوفيتي تبدل على الفور الوضع الجيوسياسي في بلدان العالم الثالث التي كان الإسلام فيها منتشراً، حيث بدأت الأنظمة الأصولية فجأة تصل إلى السلطة تقريبا في جميع الدول التي كانت في سدة الحكم فيها ديكتاتوريات اشتراكية.
ولكن متى ظهرت النقطة الحرجة الجديدة؟ ظهرت عندما أعلن بن لادن الجهاد ضد أميركا. وكان هذا بمثابة الاختلاف الأساسي بينه وبين جميع الأصوليين الإسلاميين السابقين لأن هؤلاء الآخرين أعلنوا الجهاد ضد حكامهم. أما بن لادن فاستبدل هذه الأهداف الصغيرة بهدف واحد كبير.
ويجب القول أن ذلك لم يكن فقط فتحا سياسيا لبن لادن. فقد سبق ذلك الفتح إضعاف العالم الغربي.
هذه القصة غاية في الصعوبة. لأن القرن العشرين كان قرنا من الصراع بين الحكم الشمولي ممثلاً في الاتحاد السوفيتي وبين المجتمعات المتفتحة. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي بات المجتمع المتفتح الذي أحرز انتصارا غير دموي على الشمولية يتحول بسرعة كبيرة إلى نقيضه. ففي ظل غياب العدو الطبيعي أصبحت بيروقراطية المجتمع المتفتح تتكاثر دون مراقبة، ولو لم يكن هناك مثل هذا العبث الذي تمارسه هذه البيروقراطية كالتنظيم المالي تحت غطاء مكافحة غسل الأموال أو مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، وتحديد أشكال الخيار أو وزن رغيف الخبز... وبطبيعة الحال، ظهر القلق إزاء الإرهابيين حتى على خلفية هوس هذه البيروقراطية. وبدأت المنظمات الإنسانية الدولية مثل "منظمة العفو الدولية" و"منظمة مراقبة حقوق الإنسان- Human Rights Watch " اللتين حُرِمتا الأنظمة الشمولية التي ما فتئتا تعارضها في البحث عن معذّبين جدد.
وإذا كان الغرب لا يملك الروح للدفاع عن قيمه الخاصة، فإنه من الحمق الاعتقاد بأنه سيذهب للدفاع عنها في الشرق الأوسط.
إن هذه المواجهة ستكون جد صعبة، ولن تكون أقل ضراوة من صراع الاتحاد السوفيتي والمجتمع المتفتح.
* تم تأسيس حلف وارسو من جانب الاتحاد السوفيتي وحلفائه في أوروبا الشرقية أبان فترة الحرب الباردة لمواجهة حلف شمال الأطلسي.