حوار مع الشاعر نجيب خداري، رئيس بيت الشعر بالمغرب :
رهاننا كبير على أن تتسع دائرة تلقي الشعر
• في ظل العزوف الذي يعرفه المشهد الثقافي، ما الدور الذي يلعبه بيت الشعر في المغرب في تجاوز هذا الوضع؟
- لا شك أن المشهد الثقافي المغربي، بمكوناته الأدبية والفكرية والفنية، غني ومتنوع. لكن من النادر أن يجتذب النشاط الثقافي الجادّ جمهوراً واسعاً. وهذا هو الرهان الصعب الذي تواجهه الجمعيات الثقافية الجادة في بلادنا، ومن ضمنها جمعيتنا. ومع ذلك نجتهد في أن نجتذب جمهوراً كثيفاً لاحتفالات تسيلم جائزة الأركانة العالمية للشعر، التي أصبحنا نقيمها، سنويا،ً في مسرح محمد الخامس في الرباط. ونعتز بكون السنوات الثلاث الأخيرة قد عرفت تحوّلا رائعاً في نوع الجمهور وكثافته المتابع لهذا النشاط الثقافي المتميز. كما نحاول أن تكون مناسبات شعرية أخرى، ومنها المحتفية باليوم العالمي للشعر، مغرية لجمهور واسع ومتنوع.
وهذا ما نجترحه في سبيل مقاومة حالة العزوف عن كل نشاط جادّ في بلادنا. لكن يبقى أن المسؤولية في هذا العزوف يتقاسمها، في نظري، ثلاثة أطراف رئيسية:
- الفاعل الثقافي والفني الذي ينبغي أن يبتكر أساليب متطورة في عرض إبداعه.
- الفاعل الإعلامي الذي يتعين أن يكون مؤهلا بما يجعله في مستوى مواكبة الحدث الثقافي الفني مواكبة مضيئة ومحفزة للفعل الإبداعي ولمتلقيه معاً.
- الفاعل التربوي التعليمي؛ وهو جذر الأزمة. فالمدرسة أو الجامعة التي لا تفلح في تنشئة أجيال منفتحة على مباهج القراءة، ولذائذ الفن، وضرورات البحث العلمي، ومتطلعة لكل أشكال المعرفة، هي مدرسة أو جامعة أحق أن تغلق إلى الأبد. ومن المحزن أن يكون خريجو مدارسنا وجامعاتنا، في كل صنوف تكوينهم الأكاديمي، لا يقرأون، ولا يعون ضرورة متابعة الإبداع الفني الجاد، وليسوا مؤهلين للانخراط العميق في مجتمع المعرفة، وفي عصرنا الذي لا ينفك يعرف تحولات علمية وإبداعية وفكرية هائلة.
• ما الإضافة النوعية التي يقدمها بيت الشعر للمشهد الثقافي المغربي؟
- اختط بيت الشعر في المغرب، منذ تأسيسه سنة 1996، مسارًا متميزاً لحضوره الثقافي واضعاً سقفاً عالياً من الأهداف والطموحات التي زاوجت بين الهم الوطني والعربي والعالمي، في الآن ذاته. ومدار اهتمامه تأكيد اعتبار الشعر والشاعر وضرورتهما في راهننا الصعب، وتأكيد رسالتهما الحضارية التي تتمثل العصر وتتجاوزه.
وانسجاماً مع هذا الأفق الفسيح الذي رسمه بيتنا لنضاله الثقافي والإبداعي، عملنا على إطلاق مبادرات ناجحة من مثل اقتراح الاحتفاء بيوم عالمي للشعر على اليونسكو، وهو ما استجيب له بالفعل سنة 1998، وتنظيم مهرجان عالمي للشعر، وجائزة الأركانة العالمية للشعر؛ مما أسهم في إضفاء حيوية غير معهودة على المشهد الشعري المغربي الذي أضحى أكثر انفتاحاً على الأفق العالمي للقصيدة الحديثة واهتماماتها وتطوراتها.
ويمكن للراصد الموضوعي أن يعتز معنا بما أصبح لبيتنا، رغم حداثة سنه، من مكانة مرموقة ضمن بيوت الشعر العربية و الدولية، بل أصبح في موقع اقتداء من عدد من البيوت الصديقة.
• هل لازال هناك متذوقون للشعر؟ وما الفئة المستهدفة من أنشطة بيتكم؟ وكيف تشجعون الشعراء الشباب؟
- ننطلق من مبدأ أن الشعر ضرورة، إبداعاً وتلقياً، للناس جميعا. فحين ينزوي الشعر و الشاعر في هامش المجتمع، يكون ذلك الانزواء دليل تخلف مادي أو روحي، أو هما معاً، في ذلك المجتمع. فلا حضارة بدون إبداع، وبدون شعر.
ولذلك رهاننا كبير على أن تتسع دائرة تلقي الشعر، وعلى أن يصبح شأناً يهم فئات مجتمعنا كلها، صغارًا وكبارًا، متعلمين وغير متعلمين. فهو، على عكس ما شاع، ليس اهتماماً خاصاً أو نشاطاً نخبوياً.
أما الشعراء الشباب، فإننا نستحضرهم في أنشطة البيت كلها. كما نخصص جائزة سنوية لأفضل ديوان أول تمنح في اليوم العالمي للشعر. وقد طبعنا في الآونة الأخيرة ستة دواوين أولى لشعراء شباب.كما وقعنا اتفاق شراكة مع مؤسسة دار النهضة العربية، في بيروت، لنشر دواوين للشعراء المغاربة الشباب، في إطار مشروعها الموسوم ب " شاعر لأول مرة ". وعقدنا ضمن الندوات الأكاديمية لأيام فاس الشعرية مقاربات نقدية جادة لجيلي الثمانينيات و التسعينيات الشعريين في المغرب.
• هل هناك تقاطع بين بيت الشعر في المغرب واتحاد كتاب المغرب؟
- هناك أهداف مشتركة بين المنظمتين تتمثل أساساً في تفعيل الشأن الثقافي المغربي وتقويته وتوسيع دائرة متلقيه. وجل أعضاء بيت الشعر هم أعضاء في اتحاد كتاب المغرب، ويوجد بيننا مسؤولون سابقون فيه.
• ماهي أهم المعيقات التي تقف حجر عثرة في وجه هذه المؤسسة؟
- العائق المادي هو الأساس. فالدعم الذي تقدمه الدولة لبيتنا لا يتناسب مع السقف المرتفع لأنشطتنا وتطلعاتنا. ولذلك نسعى إلى إقامة شراكات مع جهات مختلفة لضمان تحقيق جزء من أحلامنا الشعرية، من ضمنها شراكة مع مؤسسة الرعاية الاجتماعية لصندوق الإيداع والتدبير تتعلق، أساساً، بجائزة الأركانة العالمية للشعر، وشراكة مع مجلس مدينة فاس تهم « أيام فاس الشعرية » التي ننظمها كل سنة.
كما نعمل، جاهدين، على أن يمنح لبيتنا مقر رئيسي، في مدينة الرباط، إسوة بكثير من بيوت الشعر في العالم.
• في نظركم، ما السبل الكفيلة بإخراج المشهد الثقافي من ركوده؟
- أرى أن سبيل تحقيق مزيد من تفعيل المشهد الثقافي وإشعاعه، في بلادنا، هو أن تضع الدولة في صدارة اهتماماتها الشأن الثقافي باعتباره أساسيا في رسم صورة المغرب داخل المجتمع الدولي.
على الدولة أن توفر للفعل الثقافي مزيداً من الإمكانات والمؤسسات والفضاءات، وأن تشمل أنظمتنا التعليمية البعد الثقافي، بمختلف مكوناته وأشكال التأهيل فيه. كما سيظل الفعل الثقافي الجاد معطوباً في بلادنا من غير إعلام ثقافي قوي ومتميز ومتجدد.
وقبل ذلك، ينبغي أن يؤطر الفعل الثقافي مزيد من التقاليد ومن الدمقرطة السليمة داخل مؤسساتنا الثقافية ورديفتها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الاعلامية ...
أجرته: كوثر عيفر
(مجلة: مغرب اليوم)
يناير 2004