•مقاطعة المثقفين: رفض للتدبير الثقافي غانمي عبد الرحمان
أصدر المرصد المغربي للثقافة بيانا يلفت فيه الانتباه إلى الوضع الثقافي الراهن ، باعتباره شأنا عاما ، ومسؤولية الحكومة القائمة في ما آل إليه من تبخيس وتهميش ولا مبالاة ، وفي نفس الوقت يدعو كافة المثقفين إلى الاحتجاج والتعبير عن غضبهم من واقع ثقافي مقلق ، وذلك من خلال : ما عبر عنه :
- أولا : بالإمساك عن المشاركة في الندوات واللقاءات الثقافية بجميع أشكالها ومن الدورة القادمة للمعرض الدولي للنشر والكتاب .
وثانيا : مقاطعة الترشح لجائزة المغرب لسن 2010 ، لِما أصبح يشوبها من تساؤلات وارتياب بخصوص انعدام معايير موضوعية وعلمية ومنصفة قمينة بإعطاء نوع من المصداقية والشفافية والنزاهة للجائزة وقيمة الكتاب المغربي في مختلف الفروع .
هذا إضافة إلى السياسة العامة المرتجلة والملتبسة بخصوص الثقافة ودورها في التحديث والبناء وإيجاد الحلول للمشاكل التي يعرفها المجتمع ، وفي اعتقادنا فإن تحرك وسعي المثقفين - إن لم يكونوا كلهم ، فعلى الأقل جزء منهم – إلى مقاطعة أنشطة وزارة الثقافة وجائزة المغرب يفرض التوقف مليا حول دلالات هذه المقاطعة – مع – ضرورة التفكير في تداعياتها ، لأن الأمر يتعدى من حيث أبعاده المقاطعة ، والجائزة ، أو أنشطة وزارة "مسؤولة" عن شؤون الثقافة ، لأن الجائزة أو الجوائز الأدبية والثقافية والفكرية ، في آخر المطاف ، مهما وصلت قيمتها المادية والمعنوية ، تبقى رمزية ، ولا يمكن في جميع الأحوال أن تصنع كُتابا أو مثقفين ، أو تكون محفزا للإنتاج الثقافي ونشر الوعي الثقافي ، لأن الجائزة ( أية جائزة ) تروم أن تكون تتويجا لمسار ثقافي ما ، مثل كل الأنشطة الثقافية الأخرى الموازية مثل معارض الكتب وغيرها من التظاهرات التي لا يمكن أن تختزل المشروع الثقافي في بعض الجوانب والتحركات التي لها وظائف أخرى اقتصادية وتجارية وإعلامية يفرضها العصر والمعاملات ، وعليه فإن خلط الأدوار والمسؤوليات يؤدي إلى تشويه الثقافة وتعويقها عن أداء مهامها وانشغالاتها وأسئلتها المرتبطة بالتاريخ والحضارة والمجتمع واللغة والذات والتي من شأنها تثوير الواقع واستنهاض مقوماته لكي تتصدى لتحديات المستقبل ، وهذا لن يتأتى إلا بصوغ تصور جديد للتدبير الثقافي ، فوزارة الثقافة ليست مؤسسة ثقافية ، بقدر ما هي مؤسسة سياسية ولا يمكن أن تكون بديلا عن المؤسسات الثقافية التي تنتج الثقافات والأفكار ، أو عن المثقفين ومختلف الفاعلين في هذا المجال المعقد والمتشعب .
وطالما أن الموضوع يمس الثقافة في العمق ، فإن قيمة هذا الحراك من قبل مجموعة من المثقفين أعلنوا عن غضبهم وضجرهم مما يحدث على المستوى الثقافي رسميا أو غير رسمي ، لا يمكن النظر إليه من زاوية كمية وتصنيفية بين من هو ّ ضد " أو " مع " من في " الصف " أو " خارجه " من " الصامت " ومن " المشاكس " ... الخ. لأن الثقافة لها القدرة على الانفلات من كل القيود التي تعترضها ، وفي مقابل ذلك تتوق إلى الحرية واستنفار الهواجس الحية في المجتمع والتاريخ ، ومجاوزة كل ما هو سائد وبئيس.
لذلك فإن المقاطعة هي إعلان للرفض ، أي رفض الواقع الثقافي الراهن المتردي بكل تجلياته ، وهو وضع لا يختلف حوله كثير من المهتمين والمثقفين والمؤسسات المعنية بصرف النظر عن بعض الآراء المزاجية أو الخاصة ، أو تلك التي تتحكم فيها بعض الحسابات والاعتبارات الذاتية .
إنه أيضا رفض للتدبير الثقافي القائم على الحفاظ على السائد الذي يكرس قيم الابتذال والانحطاط . وما يثار حول الجائزة ومصداقيتها ، ومعاييرها ، ما هو إلا تعبير عن عقم التسيير والتوجه ، ما يعني أن هذا الاحتجاج والضجر لا تحكمه اعتبارات ظرفية أو مزاجية أو حسابات ضيقة ،ذلك أنه كان من الضروري أن يوجد من يلقى حجرة في الماء الراكد ،من " قبيلة " المثقفين لمساءلة الوضع الثقافي وطرح سؤال الثقافة ، وأيضا سؤال المثقف والمجتمع ، وقبل ذلك السياسة العامة للشأن الثقافي التي ما فتئت تدور في حلقة مفرغة ومعزولة عن سياقاتها ، في ظل خطابات التحديث والعقلانية والديمقراطية والتنمية التي تصبح إطارا خاويا حين تفتقد إلى السند الثقافي الجوهري .