القاهرة (رويترز) - رفض كتاب مصريون في مؤتمر أدبي يوم الثلاثاء باتحاد الكتاب بالقاهرة مطالبة عدد من المحامين بمصادرة (ألف ليلة وليلة) محذرين من اثار ما وصفوه "بثقافة النفط" التي يرون أنها تعادي الخيال ولا ترى في الابداع الادبي الا جانبه الحسي.
وكان بعض المحامين قدموا يوم 17 ابريل نيسان الماضي بلاغا للنائب العام بمصر يتهم الكتاب بأنه "يخدش الحياء العام" ويطالبون بالتحقيق مع المسؤولين عن نشر الكتاب والتحفظ عليه بعد أن أعادت نشره الهيئة العامة لقصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة.
ولكن الهيئة قالت يوم الثلاثاء في بيان ان هذا الكتاب "عمل تراثي انساني لا تجوز مصادرته أو حذف أجزاء منه" وأعلنت عن اعادة طبعه بعد نفاد الطبعة التي طرحت في الاونة الاخيرة.
وأصدر (مؤتمر أدباء مصر) الاربعاء الماضي بيانا يرفضون فيه "رفضا قاطعا محاولات البعض مصادرة الطبعة الجديدة من (ألف ليلة وليلة)... الذى يعد من عيون الادب العربي والانساني."
وأهاب الادباء بالنائب العام "حفظ مثل هذا البلاغ امتدادا لروح مصر الحضارية" مشددين على أن اعادة نشر (ألف ليلة وليلة) أمر جدير بالترحيب لا المصادرة "وان هذه القضية لا تخص الادباء وحدهم انما تخص الامة وحريتها وواجبها وحقها في الحفاظ على تراثها."
وأبدى كاتب قصص الاطفال عبد التواب يوسف في المؤتمر الذي حمل عنوان (ألف ليلة وليلة ومستويات التلقي) دهشته من التربص بهذا الكتاب الذي تأتي ترجمته الى كثير من اللغات في المنزلة الثالثة "بعد (ترجمات) الكتاب المقدس و(مسرحيات وليام) شكسبير."
وقال أستاذ علم الاجتماع محمد حافظ دياب ان هذه الازمة جزء من اثار " بدونة الثقافة (المصرية) و(اشاعة)ثقافة النفط " التي يرى كثيرون أنها حصاد أكثر من 30 عاما منذ رحيل عدد كبير من المصريين بمختلف شرائحهم للعمل في دول الخليج والعودة بقيم مخالفة لقيم التسامح التي اتسمت بها مصر.
وأضاف في بحث عنوانه (الجنس والتراث.. نموذج الليالي) أن التحرز من التعامل مع قضية الجنس "يمثل جانبا من المعرفة المقموعة في ثقافتنا العربية اذ يتم تناول هذه المسألة بوجل وحذر يجعل الاقتراب منها أمرا شائكا وملغوما يحوطه الاقصاء."
ورصد دياب مؤلفات عربية "رأت في الجنس خبزا يوميا" لعشرات من الكتاب منهم الامام جلال الدين السيوطي مشددا على أن "أصحاب هذه الاعمال لم يكونوا من المهمشين المتمردين أو منحرفي الاخلاق بل من المشتغلين المرموقين بالفقه والقضاء" في مصر وتونس وغيرهما.
وقال ان كتاب (ألف ليلة وليلة) أثر شعبي ذو مكانة مرموقة في المكتبة العالمية واهتم به الدارسون كما ترجم الى معظم اللغات "وألهم الادباء في الغرب والشرق وانفتحت له أبواب الفولكلور والانثروبولوجيا والتاريخ وعلم الاجتماع ورحبت به الدراسات المقارنة في الجامعات ومازالت حكاياته تغري المشتغلين بالمسرح والسينما والموسيقى والاذاعة والتلفزيون" عن طريق استلهام حكاياته واعادة صياغتها بما يلائم روح الزمان والمكان.
وشدد على أن "الليالي" تزدحم بمغامرات الروح والجسد وتضج بأصوات الامراء وصرخات المهمشين وتسودها علاقات الاغتراب القائمة بين طبقات المجتمع وأنه في ضوء هذه الامور يمكن النظر الى عالمها كاستمرار لعلاقات السيطرة والتحكم.
وتابع أن هذه العلاقات "تحيل الى واقع اجتماعي وسياسي لا يغفر فيه الرجال للحرائر بمقدار ما يتسامحون مع الجواري" اضافة الى فكرة استلاب النساء والجواري والعبيد والفقراء.
وأوضح أن الدلالة الجنسية في علاقات السادة والعبيد متمثلة في الاميرة والعبد تحيل الى واقع اجتماعي وسياسي يصبح فيه البشر المهمشون مجرد أشياء فجسد الاميرة في نظام سياسي فرض العبودية وجنى ثمارها يظل "حلما يؤرق طبقة العامة نتيجة احساس أفرادها بالاحباط والخيبة... تلك حال من رفض المهانة التي يتعرض لها أو هي شعور بالانتقام من طبقة السادة التي تستأثر بكل النساء" وحين تتحقق العلاقة بين العبد وسيدته تختفي المسافة بين العبودية والسيادة.
ووصف دياب البلاغ المقدم للنائب العام لمصادرة الكتاب بأنه "اشارة لانحطاط ثقافة التلقي وفي ظروف ضعف شروط المقاومة المضادة أمام معسكر جاهلي يرتدي من الاقنعة الزائفة ما لا صلة له بدين حنيف ليس فيه ما يصطدم بهذا العمل... انها القراءة المتربصة القائمة على الادانة.. والتكفير."
وقال الكاتب قاسم مسعد عليوة في بحث عنوانه (ألف ليلة وليلة واخر دعاوى الحسبة) ان الحث على مصادرة الكتب "كما طالب المحتسبون (المحامون مقدمو البلاغ) هو الوجه الاخر للتطرف الذي تعاني منه البلاد" في الاونة الاخيرة ولم تكن تعاني منه بدليل أن هذا الكتاب طبع في مصر عام 1862 وتوالت طبعاته وهو من تحقيق الشيخ محمد قطة العدوي الذي تخرج في الازهر.
وحث على نشر ببليوجرافيا تحليلية بالكتب والدراسات التي تناولت (ألف ليلة وليلة) بمختلف اللغات لفهم عالمية هذا الكتاب.
وأوصى الكتاب في ختام المؤتمر باعلان عام 2010 عام (ألف ليلة وليلة) وحماية التراث والدعوة لاصدار تشريع قانوني "يمنع التطاول على المبدعين ويمنع محاكمة الكتاب على ابداعاتهم الادبية الا بمحاكمة ثقافية" كما طالبوا بتدريس فصول من (ألف ليلة وليلة) في المراحل التعليمية المختلفة ودعوا الى تنظيم "مؤتمر قومي كبير" يشارك فيه اتحاد كتاب مصر والنقابات الاخرى المتصلة بالاداب والفنون والثقافة لمناقشة دور المثقفين "ازاء تلك الهجمة الشرسة التي تتربص بالابداع والمبدعين."
وقال اتحاد الكتاب انه سيقدم بلاغا للنائب العام ضد من قدموا البلاغ "لوقوفهم ضد تراث وحضارة العرب والاسلام بالمخالفة للقانون الذي حظر مصادرة الكتب الا بحكم قضائي