2. 2. مفهوم المحلية:
أهم ما يعتمد في تحديد مفهوم المحلية هو الخصوصية والتي تعتبر مميزة لما غيرها بحيث يمكننا اعتبارها من جانب آخر تركيز على الإنية عكس الغيرية التي تشير الى الأخر ومن أهم منطلقات المحلية الهوية التي ترجع للتاريخ واللغة والعرق والتي تنتج عنها مجموعة من التقاليد والعادات التي تحدد المحلية وتعطيها خصوصيتها بحيث لا تكون هذه التقاليد والعادات إلا النسق الثقافي المكون لنظامها في الحياة والعيش بحيث يندمج هذا البعد في تحديد الجانب القومي كانتماء حضاري ضمن المجموعات البشرية التي قد تكون لها نفس المنطلقات والتي قد تزيدها المحلية نزعة خصوصية لما درجت عليه في ممارسة حياتها كمجموعة بشرية لها لغتها الخاصة بما يعني أن اللغة المحكية وهنا نقصد لهجتها المنطوقة والتي غالبا ما تكون انحرافا عن النسق اللغوي المشترك في نظام اللغة حيث تظهر اللهجة في تسميات كالعامية أو الدراجة أي ما هو عام ومشترك في التخاطب من كلام أو إشارات ذات طابع لساني يشكل خصوصية المجتمع المحلي بالإضافة لعاداته وتقاليده وهذه الحالة نجدها في المجتمعات العربية أو القريبة منها وفي معالجتنا لموضوع المحلية في المسرح المغربي نجد هذا المعطى اللغوي حاضر بقوة نظرا لطبيعة تداوله وجعله محمولا في العروض المسرحية حيث نعتبر المؤدى في المسرح ينقل هنا بواسطة اللغة والتي هي هنا لغة الكلام في متن الحوار وبنائه وتداوله والذي يحمل النطق به وتلفظه مقامات أولية ومصحوبة بحركات هي عبارة عن هيئات طبيعة تداوله بما نسميه : Astus وضمن طريقة التداول الكلامي تحضر الخصوصية والتي هي كما رأينا جوهر المحلية كما أن أصل الدراما نجد الكلام على حد تعبير نيتشه في معالجته لميلاد التراجيديا عند الإغريق وبنفس المنطق نجد اعتماد الحكاية كأساس للدراما ومعنى الحكاية اللغوي هو القول والكلام ، وبهذا الاعتبار نجد اللغة أساسية في تحديد المحلية رغم أن تجربة المسرح المغربي الحديث أي بعد تعرفه على التجربة المسرحية الشرقية أصبح باللغة العربية الفصحى علما بأن الممارسة المسرحية المغربية السابقة على هذه المرحلة أي قبل العشرينيات من القرن الماضي ومنذ بداية هذه الممارسة المسرحية كانت تعتمد اللهجات المحلية أي ما نعتناه بالعامية أو بالدارجة وهذا ما تمت العودة إليه والتركيز عليه في الأعمال المسرحية المركزة على الفرجة كعودة لهذا الأصل.
وتركيزنا على اللغة هنا كذلك نابع من تركيز المسرح المغربي في ممارسته عموما على البعد الثقافي لأنه أصلا نابع من هذا النسق الثقافي العام وهذا الاعتبار هو الذي جعل الممارسة المسرحية المغربية يحتفى بها وتعتمد كأوالية من أوليات التغيير وتكريس الوعي الاجتماعي لدى الناس في ما خلا من عصور ونفس الشيء سيتم انتهاجه مع زيارة الفرق الشرقية للمغرب كما سبقت الإشارة لترسيخ الوعي القومي العروبي ولهذا ندرك مدى الارتباط بين هذه الممارسة وما كانت تدعو له الحركة الوطنية وجعل الممارسة المسرحية ترتبط بمدارس النهضة كما أن سياسة الحماية الفرنسية ستعتمد هذه الممارسة في العصرنة والتحديث لتوافق هذه الممارسة نهجه في استذماج شريحة من المواطنين ضمن سياسته في فرض استدامة حضوره واستعماره إلا أن هذا سيتقلب عليه لأن الحركة الوطنية لعبت دورها في المقاومة بنفس الأداة : المسرح .
وهناك خصيصة أخرى تنضاف لمحلية المسرح المغربي وتتجلى في الأداء الجسدي الممثل وتعامله مع المكان الذي تجري فيه هذه الممارسة وهذه الخصيصة تتجلى في خفة الحركة وتلقائية الأداء التعبيري نظرا لامتلاك المؤدين هذه التلقائية والمكتسبة من جراء ما تعودوا عليه في أداء طقوس الفرجة المسرحية في إحياء مواسمهم وبعض الطقوس وارتباطها ببعض الفرجات في فنون الأداء والاستعراض خاصة الألعاب الاجتماعية والتي لها عمق ديني طقسي الألعاب البهلوانية لأولاد سيدي احماد وموسى والحفلات التنكرية بمناسبة الاحتفال بعاشوراء وفي حفلات هرمة أو السبع بولبطاين ومناسبات الجذبة والشطح الصوفي في حفلات عيد المولد النبوي وإعادة تشخيص بعض المواقف الدفاعية في الجهاد وهي حركات حربية التي ألفها المغاربة والتي لا زالت تنظم حتى الأن في رقصات أحواش وهوارة والعرفة والكدرة إضافة لطقسية المداح والرواه والمجاذيب في الحلقة أو الذكر لدى كناوة وحمادشة وعيساوة وأولاد سيدي هدي / هداوة وقد تم الاحتفاظ بالكثير من هذه الفرجات والتي استمر أداؤها في المسرح المغربي من خلال عروض لإحياء مناسباتها أو اعتمادها كتقنيات في التشخيص في الكثير من العروض المسرحية والتي تدعمت بوجود فرق خاصة بها مثل مجموعة سيد الكتفي أو مسرح البساط أو مسرح الركب المأخوذ من فرجات اعبيدات الرمى والتي تجلت مرة أخرى في مسرح الكلام حيث تعود اللغة المتداولة في الكلام المنظوم والمعتمد السجع في النصوص الدرامية الحكائية حيث تبرز الشفاهية المنبتقة من النباهة كخصوصية في المسرح المغربي الذي يعتمد من وجهة نظر هاته أنه مسرح اليومي والمعتاد وإن كان يؤدى بغير شكله الحديث والمنبني وفق نموذج المسرح الغربي ذي التقنيات التيكنولوجية المتطورة لأن المواطن المغربي لا زال يستهلكه فيما يعرف في ساحة جامع الفنا بمراكش أو بعض الساحات المشابهة في بعض المدن المغربية بحيث أصبح خاصة في بداية الأربعينات والخمسينات وحتى سنوات السبعينات النموذج الأقرب للممارسة المسرحية المغربية سواء في شقها الاحترافي أو الهاوي قد برز بشكل واضح مع مسرح الهواة وفي حلقات الذكر والرواة .
ومن خصوصيات المسرح المغربي استحضاره لليومي كمعيش حياتي في كل خرجاته وعرضها أمام المتلقي ودعوته للمشاركة فيها باعتبار هذا اليومي هو شأن عام لكل الناس ومن الواجب تداوله وعرضه وإبداء الرأي فيه مما يجعل الممارسة المسرحية هي ممارسة اجتماعية تطرح مثل هذه القضايا والتي تأتي بجمالية بناء العرض ومؤثثاته حتى لو تكلف الأمر بعرض في الهواء الطلق أو بفناء بعض الرياضات أو الدور مع اتخاذ كل ما يلزم من أدوات التنكر وتحديد الشخصيات المؤدية فيه حتى أصبحت بعض هذه الشخصيات مألوفة ومحددة الأـدوار التي ستلعبها بمجرد ظهورها على الخشبة مثل شخصية البوهو ، المسيح ، المداح ، باقشيش ، هرمة ، الرمى ....
إن طابع المحلية في المسرح المغربي وبالمميزات التي ذكرناها تعطيه طابع المسرح الشامل خاصة أن عنصري الغناء والرقص واردة فيه بل إن مفهوم العرض المسرحي يحقق فرجته من خلال هذين العنصرين ، إضافة لتلقائية تقديم هذه العروض الفرجوية مع تحديد جمهوره الذي يتلقى هذه الفرجات بعلم مسبق بمجرياتها لأنها منبثقة أصلا من نشأة وتكون العلاقات الاجتماعية من جراء عملية العمل والتي هي أساس اليومي وحياة المواطنين حيث تعتمل هذه المعرفة كأواليات استعدادية لتلقي الفرجة والبحث عنها والمساهمة في بنائها بالتدخل والتعليق والمشاركة لأن ما يتم عرضه ، أو ما يؤدى للجمهور يعينه ويصب في توجهات حياته .